رابعا - الأمراء والفتن
كانت سيرة النبي صلى الله عليه وآله في أمرائه الذين يبعثهم لإنجاز مهمة ما أن يحذرهم بأن معصيته هي معصية لله. وكانوا يعلمون أن الوحي يرصدهم تحت جلودهم. وكان صلى الله عليه وآله يحذرهم من اتخاذ أي قرار لم يمضه حتى لا تسيل قطرة دم بغير حق. عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فلما سرت أرسل في أثري.
فرددت فقال: أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئا بغير إذني فإنه غلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، لهذا دعوتك فامض لعملك (1)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يبرأ إلى الله من أي أمير لا يتقيد بأوامره أو يجتهد في أمر اجتهاد ليس للإسلام فيه نصيب. روي أنه صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد في بعث إلى بني خزيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا " قالوا صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر. وعندما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخبر رفع يده وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد - مرتين - (2)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر الجنود بأن يطيعوا أمراءهم إذا كان الأمر في حدود المهمة التي أرسلوا إليها وأن يطيعوه إذا اجتهد اجتهادا لا يتعارض مع الإسلام. روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية و أمر
____________
(1) ورواه الترمذي. وقال في تحفة الأحوازي أخرجه أبو داود والبيهقي وابن حميد وابن عدي (التحفة 565 / 4).
(2) رواه البخاري كتاب المغازي ب بعث النبي خالد (الصحيح 71 / 3).
من فيها بأن يطيعوا أميرهم. وعند تنفيذ المهمة غضب الأمير. فقال لمن معه:
أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني. قالوا: بلى، قال:
فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال: أوقدوا نارا. فأوقدوها. فقال: إدخلوها فهموا. وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون: فررنا إلى النبي من النار (1)، فما زالوا حتى خمدت النار. فسكن غضب الأمير فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة والطاعة في المعروف (2)، وروي أن عمران بن حصين بعد وفاة النبي كان يذكر بهذا الحديث الأمراء الذين كانوا يتسعملهم زياد (3).
|