متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم:

قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)، وقد روى زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته. فآتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره من الصدقات حتى حم فيها فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك "، رواه أبو داود (1)، وسهم المؤلفة قلوبهم قيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه لجماعة منهم الذين يراد تأليف قلوبهم ليسلموا كسادات العرب وزعمائهم ومنهم للذين أسلموا ونياتهم ضعيفة فتؤلف قلوبهم بإجزال العطاء. ومنهم من يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم من رجالات العرب. ولقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى هذا السهم لأبي سفيان بن حرب وابنه معاوية (2)، والأقرع بن حابس وعيينة بن حصين، وعباس بن مرداس. وصفوان بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم منذ نزلت الآية حتى لحق صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ولم يعهد إلى أحد من بعده بإسقاط هذا السهم إجماعا من الأمة المسلمة كافة وقولا واحدا.

وبعد وفاة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم. جاء عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس. وطلبوا من أبي بكر نصيبهم فكتب لهم

____________

(1) المغني / ابن قدامة 665 / 2.

(2) إعطائه أبو سفيان راجع مسلم 156 / 7 وإعطائه أبو سفيان ومعاوية راجع البداية والنهاية (359، 360 / 4).

الصفحة 349
به. وجاءوا إلى عمر بن الخطاب، وأعطوه الخط، فأبى ومزقه. وقال: هذا شئ كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه. تأليفا لكم على الإسلام. وأغنى عنكم. فإن ثبتم على الإسلام. وإلا فبيننا وبينكم السيف فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: الخليفة أنت أم عمر؟ بذلت لنا الخط فمزقه عمر، فقال: هو إن شاء.

وأمضى ما فعله عمر (1).

يقول ابن قدامة: ولنا كتاب الله وسنة رسوله. فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين سمى الصدقة لهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء "، وكان النبي صلى الله عليه وآله يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة. ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ. والنسخ لا يثبت بالاحتمال. ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ إنما يكون بنص.

ولا يكون النص بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وانقراض زمن الوحي.

ثم إن القرآن لا ينسخ إلا القرآن وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة.

فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم فكيف يتركون به الكتاب والسنة؟ (2).

واعتذروا عما فعله عمر وقالوا: إن الله سبحانه فرض في أول الإسلام عندما كان المسلمون ضعافا عطاءا يعطي لبعض من يخشى شرهم ويرجي خيرهم تألفا لقلوبهم. غير أن الإسلام لما اشتد ساعده وتوطد سلطانه رأى عمر بن الخطاب حرمان المؤلفة قلوبهم من هذا العطاء المفروض لهم بنصوص القرآن!!

نقول: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة يوم إن كان الوحي يدافع عنه أي: كان يعطيهم من موقع القوة. لفتح الطريق بتحطيم الأصنام داخل نفوسهم.

ويصل النور إلى عقولهم فتحتضنه الفطرة. وتحطيم الأصنام له وجوه.

____________

(1) فقه السنة 425 / 1، تفسير المنار 10 / 496، الدر المنثور 2 / 252.

(2) المغني / ابن قدامة 666 / 2.

الصفحة 350
فمن قبل حطم إبراهيم عليه السلام الأصنام ليصل النور إليهم ويقيم عليهم الحجة. فكيف يقال والوحي مع رسول الله أن النبي كان يعطي نظرا لضعف المسلمين. وأنهم منعوا لأن معهم آراءهم. ولوقوفهم على أرضية العز وتوطيد السلطان. ثم من الذي قطع بأن السلطان دائم؟ ألم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالاختلاف والافتراق من بعده وقال: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ... " (1)، قال النووي: إن الإسلام بدأ في أحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ (2).

وهب أننا سلمنا وقلنا بما قالوا بأن السهم كان يعطى لضعف المسلمين.

أليس بين أيدينا نص يقول بأن هذا الضعف سيعود. وعلى هذا فلا بد أن يكون إعطاء السهم ممتد. والخلاصة: أن النص في إعطائهم مطلق وإطلاقه واضح في كتاب الله، وهذا مما لا خلاف ولا شبهة فيه. وليس لنا أن نعتبر إعطاءهم معللا بظروف زمنية مؤقتة هي تألفهم حينما كان الإسلام ضعيفا دون غيره من الأزمنة.

لقد افترضوا في المقدمة أن السلطان دائم وقوي. وها نحن عند النتيجة نرتجف خوفا - حتى قال صاحب المنار: إننا نجد دول الاستعمار الطامعة في استعباد جميع المسلمين وفي ردهم عن دينهم يخصصون من أموال دولهم سهما للمؤلفة قلوبهم من المسلمين، فمنهم من يؤلفونه لأجل تنصيره وإخراجه من حظيرة الإسلام. ومنهم من يؤلفونه لأجل الدخول في حمايتهم ومشاقة الدول الإسلامية الوحدة الإسلامية. أفليس المسلمون أولى بهذا منهم!؟! (3)، إننا عند النتيجة نخاف من عالم المعونات والمنح والقروض الأجنبية، لأن كل هذا يصب في النهاية في مربع المؤلفة قلوبهم ولكن لصالح دوائر الصد عن سبيل الله.

____________

(1) رواه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة وابن ماجة عن ابن مسعود وأنس والطبراني في الكبير عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس. ورواه الترمذي (صحيح مسلم 177 / 2) (كنز العمال 238 / 1) (جامع الترمذي 18 / 5).

(2) مسلم بشرح النووي 177 / 2.

(3) فقه السنة 177 / 2.

الصفحة 351
نظرات على الطريق:

إن سهم المؤلفة قلوبهم دليل على إمامة أهل البيت، وبدون قيادتهم لا يمكن للسهم أن يصرف بما يخدم الدعوة. فمن المعلوم أن الاقتراب في الدين أو الحياة الدينية من الذين ظلموا بنوع من الاعتماد أو الاتكاء يخرج الدين أو الحياة الدينية عن الاستقلال في التأثير ويغيرهما عن الوجهة الخالصة. ولهذا نهى الله تعالى النبي وأمته من الركون إلى من اتسم بسمة الظلم بأن يميلوا إليهم ويعتمدوا على ظلمهم في أمر دينهم أو حياتهم الدينية. قال تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) * (1)، وتحديد الذين ظلموا يحتاج إلى صاحب فقه عال فإن قيل أن الأمة قادرة على هذا التحديد. قلنا وعلى رأس هؤلاء يكون من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وفي هذا نصوص. لأن الله ما طهرهم لا للدين والحياة الدينية فهم الأولى بتحديد أي عقبة على طريق الدين.

ومن المعلوم أيضا أن الأمة بها العديد من الدوائر التي هدفها الصد عن سبيل الله. ومنهم الذين أرادوا اغتيال الرسول صلى الله عليه وآله عند عودته من تبوك ووصفهم النبي بأنهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا وذلك في حديث صحيح. فالتعامل مع هذه الدوائر تحتاج إلى سياسة خاصة تتألفهم في الوقت الذي تجعلهم فيه بعيد عن المناصب التي لا يطلعون فيه على الأسرار المهمة، قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) * (2)، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هم المنافقون (3)، وقال ابن كثير: نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة (4)، فإن قيل أن الأمة تعرف المنافقين. قلنا: لا نسلم بهذا وإنما نسلم بمن جاء فيه نص.

____________

(1) سورة هود 113.

(2) سورة آل عمران: الآية 118.

(3) الدر المنثور 66 / 2.

(4) تفسير ابن كثير 398 / 1.

الصفحة 352
فالذي لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق هو القادر على القيادة وتحديد الذين سيتعامل معهم. ومن هو الذي سيكون قريبا من دائرة القرار ومن هو الذي ينبغي أن يكون في موقع بعيد عن الأسرار المهمة للدولة.

إن سهم المؤلفة قلوبهم لم يكن يعطى كي يعتنق البعض الإسلام. فهذا المنطق في ديار التبشير حيث ينطلق المبشرون بالخبز والدواء في كل مكان كي يعتنق الناس النصرانية. أما الإسلام فلا. لأن الآية حددت القلب كدائرة عمل قال تعالى: * (والمؤلفة قلوبهم) *، فالرسول صلى الله عليه وآله يهيئ قلوبهم ويجهزها كي تستقبل منه. ومعنى يهيئ قلوبهم أن يحدد المرض الذي على الطريق إلى القلب ثم يجهز له الدواء المناسب. فهناك من كان النبي يتألفه بوضعه على رأس سرية من السرايا. حتى إن عمرو بن العاص عندما قيل له عند موته: قد كان رسول الله يدينك ويستعملك قال: أما والله ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني (1)، ومنهم من كان يتألفهم بمشاورتهم في بعض الأمور. ومنهم من كان يتألفه بالمال عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنه لأبغض الخلف إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي (2).

إن الرسول صلى الله عليه وآله يحدد الداء الذي في الصدر وعليه يعطي الدواء لكي يقيم الحجة على أفراد بعينهم. أنه صلى الله عليه وآله يحطم الأصنام التي تحت الجلود كي يجعل أصحابها أحرارا في اتخاذ القرار.

كما حطم إبراهيم عليه السلام الأصنام من قبل كي يرجع القوم إلى أنفسهم ويكونوا أحرارا في اختيارهم " قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كان ينطقون. * (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم

____________

(1) أخرجه الإمام أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح وله طرق أخرى (الفتح 310 / 22)، ورواه ابن سعد (الطبقات الكبرى 263 / 1) وابن أبي شيبة (كنز العمال 549 / 11) وراجع مجمع الزوائد (353 / 9).

(2) رواه مسلم، ورواه الترمذي (جامع الترمذي 44 / 3.

الصفحة 353
الظالمون) * (1)، فالإسلام لم يأت بأجولة من الدنانير والدراهم كي يعتنقه الناس. وإنما جاء بالكلمة والحركة التي تذكر الإنسان بمخزون الفطرة وتجعله يقرأ الوجود من حوله من منطلق التوحيد. وإذا كان الإسلام قد فرض سهما للمؤلفة قلوبهم لحكمة فإنه طالب أتباعه بأن يجاهدوا في سبيل الله بالمال والولد. فهو يعطي لهدف ويأخذ لهدف والله غني عن العالمين. وروي أنه يوم حنين أعطى النبي قريشا ولم يعط الأنصار. فحزن بعض الأنصار لذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله. فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به. قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا فقال لهم: إنكم سترون بعدي آثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض. قال أنس وهو الراوي للحديث: فلم نصبر (2) فالذين أخذوا المال كان المال لهم دواء من أجل أن ينتصروا على في أنفسهم. وهناك من كان يطلب من النبي أن يعطيه. وعندما رأى أنه انتصر داخل نفسه لم يسأل مالا وتركه ليكون سبيلا إلى آخر. فعن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني. ثم سألته فأعطاني ثم قال لي: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو. فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحد بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا.

وهناك صنف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم وهو يعلم أن الله ختم على قلوبهم فهم لا يؤمنون. وهؤلاء الذين قال فيهم الله تعالى: * (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) * (3)، وهناك أيضا الذين قال فيهم

____________

(1) سورة الأنبياء: الآية 64.

(2) البخاري ك الجهاد (199 / 2) مسلم (151 / 7) أحمد (الفتح الرباني 89 / 14).

(3) سورة يس: الآية 6.

الصفحة 354
تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هو بمؤمنين) * (1)، والرسول صلى الله عليه وآله كان يعطي هؤلاء يكون سهم المؤلفة عليهم علامة. يكون كالسك وعلى هذا يكونوا معروفين للأمة فتحذرهم وتتعامل معهم بفقه عال فلا توليهم المناصب العليا في الدولة حتى لا يصلوا إلى موقع القرار.

ولله تعالى على بعض عباده علامات. قال سبحانه في كفار أهل الكتاب:

* (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) * (2)، ضربت كضرب السكة على المعدن أو كضرب الخيمة على الإنسان، وسهم المؤلفة على الذين يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين كالسك على المعدن. وليس كل من رآه المسلمين مؤمنا أن يكون بالضرورة مؤمنا فيولونه أمورهم. روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى قوما كان سعد يجلس فيهم. فترك النبي منهم من لم يعطه. وكان سعد يعجبه بعض الذين لم يعطهم النبي فقال سعد: يا رسول الله مالك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أو مسلما. ثم تكرار هذا الموقف أكثر من مرة وسعد يقول ما قال والنبي يقول: أو مسلما. ثم قال النبي: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار (3)، وفي هذا الحديث أن سعدا كان يحكم على طرف بأنه مؤمنا وذلك وفقا لما يراه. أما الرسول صلى الله عليه وآله كان يحكم بما لا يراه سعد. وهذا المقياس له بعد النبوة امتداد. لأن الذين يقولون آمنا وهم لا يؤمنون باقون وأيضا سهم المؤلفة باقي لأنه لم ينسخ بقرآن. وعلى هذه الخلفية يمكن أن نفهم قول النبي صلى الله عليه وآله بن أبي طالب: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (4)، ويضاف قوله لعلي: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " (5)، فهذا الامتداد يحفظ الدعوة من

____________

(1) سورة البقرة: الآية 8.

(2) سورة البقرة: الآية 61.

(3) رواه مسلم وغيره (صحيح مسلم 182 / 2).

(4) رواه البخاري وغيره (الصحيح 86 / 3) وسبق تخريجه.

(5) رواه مسلم وغيره وسبق تخريجه.

الصفحة 355
الذين ظلموا ويمنع تسلل بطانة السوء إلى المقاعد الأولى. لأن الاقتراب في الدين أو الحياة الدينية من هذه الدوائر بنوع من الاعتماد والاتكاء يخرج الدين أو الحياة الدينية عن الاستقلال في التأثير.

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحقق الامتداد لمصلحة رآها بعض الصحابة يحفظون بها الحياة الدينية. فأمسكوا سهم المؤلفة الذي كان يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم للبعض من قريش وغيرهم فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالمال إلى أبي سفيان ليفرقه في قريش ليتألفهم (1)، ولكن رأي الصحابة نشأ عنه آثار جانبية مثل التي تنشأ عن الدواء الذي يستخدم في علاج داء معين ومن جملة هذه الآثار أن أبا سفيان دخل على عثمان بن عفان بعد أن كف بصره فقال: هل علينا من عين؟ قال: لا، فقال: يا عثمان إن الأمر أمر عاليه والملك ملك جاهلية فاجعل أوتاد الأرض بني أمية (2)، وفي رواية قال: يا معشر بني أمية إن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها. وقد صارت إليكم فتلقفوها بينكم تلقف الصبي للكرة (3)، وفي مروج الذهب عنه أنه قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصرن إلى صبيانكم وراثة (3)، وروي أنه مر بقبر حمزة بن عبد المطلب فضربه برجله وقال: يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس صار في يد غلماننا اليوم يتلعبون به.

ومن جملة ذلك أيضا أن معاوية الذي ضاع من على يديه سكة سهم المؤلفة بعد التضييق على الرواية نازع على الخلافة. وجلس في المقعد الأول يقود الحياة الدينية للأمة!! ومن جملة هذا ظهور المزيد من المنافقين الذين يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس. روي أن الفاروق عمر بن الخطاب خطب الناس فقال: أيها الناس ألا إنما كنا نعرفكم إذ بين ظهرانينا النبي صلى الله عليه

____________

(1) رواه ابن عساكر (كنز العمال 176 / 9).

(2) الأغاني 6 / 355، تهذيب ابن عساكر 407 / 6.

(3) الأغاني 355 / 6، الإستيعاب 690 / 2.

الصفحة 356
وآله وسلم. وإذ ينزل الوحي... وإذ ينبأنا الله من أخباركم ألا وإن النبي صلى الله عليه وآله قد انطلق وانقطع الوحي وإنما نعرفكم بما نقول لكم من أظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه. ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه. سرائركم بينكم وبين ربكم ألا أنه قد أتى علي حين وأنا أحسب أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده فقد خيل إلي بآخره ألا أن رجالا قد قرأوه يريدون به ما عند الناس فأريدوا الله بقراءتكم وأريدوه بأعمالكم (1).

في هذا الخطاب أمضى الفاروق بأن الطريق الذي بدأه بقول: " حسبنا كتاب الله " قد أنتج في عهده. من يقرأ القرآن يريد به ما عند الناس. وفي الخطاب يأس من معرفة المنافقين. وفيه أن العمود الفقري الذي تدور عليه السياسة " وإنما نعرفكم بما نقول لكم "، وقد أمر رضي الله عنه بما كان يراه لمصلحة المسلمين. ولكن الإشكال في قوله: " من أظهر لنا شرا ظننا به شرا "، لأن المنافق لا يظهر شرا!! وعلى هذا تسلل أغيلمة قريش إلى الكراسي الأولى.

وأمروا الناس بقتل الحسين واستباحة المدينة. وقتل من بقي من الأنصار وحرق الكعبة وجلد المسلمين. وكانوا يعرفون الناس بما يقولون لهم فمن أظهر لهم شرا أطاحوا برقبته وطافوا برأسه. حتى انتهى الأمر إلى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمراء السور وبطانتهم. وأغلب الظن أن الصحابة في المجتمع المدني بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله تبينوا أن وجود سهم المؤلفة يحتم وجود طرف آخر تحت ضوئه يظهر النفاق، ونظرا لأن ظروفا ما حتمت إبعاد هذا الطرف سيصبح سهم المؤلفة إرثا للذين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيهم أو أن قاعدته ستتسع لتشمل البعض من الذين لم يقطع بنفاقهم أو سيصبح نهيا ويوظف لاتجاهات أخرى الصحابة أجل من أن يخوضوا فيها، وعلى هذا فضلوا الإطاحة بالسهم وهذا العمل وفقا لأعمدة المجتمع المدني عمل لا غبار عليه ويمكن فهمه.

____________

(1) رواه أحمد وقال في الفتح إسناده حسن وأخرج البخاري الطرف الأول منه (الفتح الرباني 87 / 23) ورواه ابن خزيمة والبيهقي والحاكم وابن سعود وابن عساكر وسعيد بن منصور (كنز العمال 163 / 16).

الصفحة 357


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net