2 - نظرات على فدك:
فدك قرية تبع عن المدينة مسافة يومين أو ثلاثة. أرضها زراعية خصبة.
فيها عين فوارة ونخيل كثيرة (1) يقدر نخيلها بنخيل الكوفة في القرن السادس الهجري (2)، وكان جماعة من اليهود يسكنون فدك ويستثمرونها حتى السنة السابعة للهجرة. فلما حارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهود خيبر لنقضهم العهد بينهم وبين رسول الله وفتح حصونهم وبقي حصنان أو ثلاثة منها لم تفتح حاصرهم الرسول صلى الله عليه وآله. فلما اشتد بهم الحصار راسل أهلها رسول الله على أن يؤمنهم على حياتهم وينزلوا له عن حصونهم وأرضهم. فقبل النبي صلى الله عليه وآله بعرضهم هذا. وما حدث يوم خيبر أرعب أهل فدك. ولكن اتفاقية أهل الحصون المحاصرة مع النبي صلى الله عليه وآله فتحت أمام أهل فدك بابا للأمل. فلما جاءهم رسول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى الإسلام أبوا أن يسلموا ولكنهم استعدوا أن يقدموا نصف أرضهم للنبي مع الاحتفاظ لأنفسهم بالنصف الآخر على أن يعملوا في أرضهم وأرض رسول الله. ومتى شاء النبي أن يجليهم عن أرضهم فعل شريطة أن يعوضهم عن أتعابهم وأرضهم فصارت فدك ملكا لرسول الله بنص القرآن الكريم
____________
(1) معجم البلدان للحموي مادة فدك.
(2) ابن أبي الحديد 16 / 236 - ط الحلبي.
(وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير) (1)، قال المفسرون: كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وآله. فأفاءه الله على رسوله. أي خصه به وملكه وحده إياه يتصرف فيه كما يشاء. فلما نزل قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه) (2)، أعطى النبي صلى الله عليه وآله فدكا لفاطمة. روى أبو سعيد الخدري أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله أعطى فاطمة فدكا وسلمه إليها (3) وبقي الأمر هكذا حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وضعت الدولة اليد على فدك وانتزعتها من يد الزهراء، ومن هنا بدأ نزاع فاطمة رضي الله عنها وبين أبي بكر، روى البخاري عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال، لا نورث ما تركناه صدقة.
فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم نزل مهاجرته حتى توفيت. وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر. وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك....
وروي أن عليا عندما سمع قول أبي بكر بأن الرسول قال: لا نورث وما
____________
(1) سورة الحشر: الآية 6.
(2) سورة الإسراء: الآية 26 والآيات 26، 32، 33، 57، ومن الآية 73، إلى الآية 81 مدنية.
(3) رواه البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد (الدر المنثور 177 / 4) (الزوائد 49 / 7) (كنز العمال) وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس (الدر المنثور 177 / 4).
تركناه صدقة، قال علي: ورث سليمان داوود وقال زكريا: (يرثني ويرث من آل يعقوب...) هذا كتاب الله ينطق. وروى أن فاطمة نازعت في سهم ذي القربى الذي نص القرآن عليه. وكانت الدولة قد وضعت يدها عليه.
روى الإمام أحمد لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ فقال: لا بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه الله جعله للذي يقوم من بعده فرأيت أن أرده على المسلمين " (1)، وفي رواية عند ابن سعد قالت: فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
إنما هي طعمة أطعمنيها الله فإذا مت كانت بيد المسلمين " (2)، وإذا كان من العجيب أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم عترته دون أن يبين لهم حقيقة ميراثه فإن الأعجب أنه لم يبين لنسائه أيضا. روى البخاري عن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: فكنت أنا أردهن فقلت لهن: ألا تتقين الله. ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث وما تركناه صدقة فانتهين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن " (3).
مما سبق نرى أن الزهراء طالبت بنحلتها وبالإرث وبسهم ذي القربى - ولكن أبا بكر أبى عليها وتوفيت رضي الله عنها بعد وفاة النبي بستة أشهر. وفي عهد عمر بن الخطاب. ذهب علي والعباس ينازعان في الميراث وكان في مجلس عمر يومئذ عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد. فقال لهم عمر:
أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركناه صدقة "،
____________
(1) رواه أحمد وإسناده صحيح (الفتح 63 / 23).
(2) الطبقات الكبرى (314 / 2).
(3) البخاري ك المغازي ب حديث ابن النضير (17 / 3) ومسلم (153 / 5) ط دار التحرير.
قالوا: نعم، قال عمر: إن الله جل وعز كان خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره قال: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول "، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال فكان رسول الله يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال. أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم نشد عباسا وعليا بمثل ما نشد به القوم. أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم، قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نورث ما تركناه صدقة. فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر. وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذب آثما غادرا خائنا. والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها، ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما ادفعها إلينا (1).
ولنا تعليق على هذه الروايات وفي البداية نقول: إن حديث " لا نورث " لم يرويه إلا أبو بكر وحده. ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد. وفي الحديث السابق استشهد عمر وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعدا فقالوا:
سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين كانت هذه الروايات أيام أبي بكر. ما نقل أن أحدا من هؤلاء يوم خصومة الزهراء وأبي بكر روى من هذا شيئا.
وفي الحديث السابق أيضا جاء علي والعباس إلى عمر يطلبان الميراث.
وقد كان أبو بكر قد حسم هذا كله في عهد وقرر أمام أزواج النبي وأمام علي والعباس وفاطمة وعمر حيث كان من المساعدين له. أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث. فكيف يعود العباس وعلي بعد وفاة أبي بكر يحاولان أمرا قد
____________
(1) مسلم (152 / 5) ط دار التحرير في البخاري (17 / 3).
فرغ منه. اللهم إلا أن يكونا ظنا أن عمر ينقض قضاء أبو بكر في هذه المسألة.
وهذا بعيد لأن عليا والعباس كانا في هذه المسألة يتهمان عمر بممالاة أبي بكر على ذلك. ألا تراه يصرح بأنهما نسباه إلى الكذب والغدر والخيانة فكيف يظنان أنه ينقض قضاء أبي بكر؟!
ثم إن قول عمر لعلي والعباس عن أبي بكر: فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا. ثم قال لما ذكر نفسه: فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا. فإذا كانا يزعمان ذلك. فكيف يزعم هذا الزعم مع كونهما يعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا أورث " قال ابن أبي الحديد: إن هذا لمن أعجب العجائب ولولا أن هذا الحديث مذكور في الصحاح المجمع عليها لما أطلت العجب من مضمونه. إذ لو كان غير مذكور في الصحاح لكان بعض ما ذكرناه يطعن في صحته. وإنما الحديث في الصحاح لا ريب في ذلك.
وورد أيضا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوا عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن. ولقد ذكرنا الرواية في ذلك.. ثم وجدنا عثمان في مجلس عمر بعد ذلك وعمر يقول: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة. قالوا: نعم، ومن جملة الذين أجابوا عثمان. فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يعطيهن الميراث.
وروى أيضا أن عمر قال لعلي والعباس: أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس وفاطمة إلى أبي بكر يطلبان الميراث على ما ذكر. وهل يجوز أن يقال: كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه؟ وهل يجوز أن يقال: أن عليا كان يعلم ذلك ويمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه. خرجت من دارها إلى المسجد ونازعت أبا بكر وكلمته بما كلمته إلا بقوله وإذنه ورأيه (1).
وإذا تم التسليم بأن النبي لا يورث. فكيف نسلم بأن النبي صلى الله عليه
____________
(1) سورة البقرة: الآية 180.
وسلم وهو الذي أنزل عليه قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) (1)، وقوله: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، إلى قوله تعالى:
(تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (2)، والآيات هنا عامة يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم وغيره. بدليل أن الآية لم تستثن أحدا. كيف نسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب وصيته ويقول فيها: " لا نورث ". وكيف يبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم لغير الأقربين ويكتمه عن الأقربين وهم ورثته.
وكيف يظل علي والعباس وفاطمة على كلمة واحدة يكذبون رواية نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ويقولون أنها مختلفة. بينما يزعم عمرو وأبو بكر أن عليا والعباس في قصة الميراث زعما هما كاذبين ظالمين فاجرين. وما رأينا عليا والعباس اعتذرا ولا تنصلا ولا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكروا عليه ما حكاه عمر عنهما ونسبه إليهما (3). إن هذا التضارب فتح الأبواب للقيل والقال. ومما قيل: قيل لرجل من قرية تسمى الحلة بين الكوفة والبصرة:
ما تظن قصد أبي بكر وعمر بمنع فاطمة فدك؟ ما قصدا؟ قال: أرادا ألا يظهرا لعلي - بعد السقيفة - رقة ولينا وخذلانا ولا يرى عندهما خورا. فأتبعاه القرح بالقرح. وقيل لآخر من بلدة تسمى بليدة في سواد الكوفة: وهل كانت فدك إلا نخيلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال: ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل ما بالكوفة الآن من النخل. وما قصد أبو بكر وعمر
____________
(1) قال في تحفة الأحوازي: وحتى الاستشكال أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وآله قال: لا نورث. فإن كان سمعاه من النبي فكيف يطلبانه من أبي بكر أو في زمنه فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر (تحفة الأحوازي 235 / 5).
(2) سورة النساء 11 - 14.
(3) قال السندي في شرح البخاري: كي يجئ منهما تكذيب أبي بكر فيما روي عن النبي أنه صديق هذه الأمة (البخاري شرح السندي 16 / 3).
بمنع فاطمة عنها إلا ألا يتقوى علي بن أبي طالب بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة. ولهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس. فإن الفقير الذي لا مال له تضعف همته ويتصاغر عند نفسه. ويكون مشغولا بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة. وهكذا ضاعت فدك.
وضاع سهم ذي القربى الذي نص عليه كتاب الله روى أبو داوود أن نجدة الحروري حين حج في أيام ابن الزبير. أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى ويقول لمن تراه؟ قال ابن عباس: لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقلبه (1).
وترتب على ذلك فيما بعد اختلاف العلماء في الغنائم وكيف توزع (2)، واختلفوا في الفئ والخمس (3) إلى غير ذلك وجميع هذه الاختلافات أصلها مصادرة الدولة لنحلة الرسول وإرثة وسهم ذي القربى، وهذه الاختلافات ولدت فيما بعد الاختلاف الأعظم في معرفة أهل البيت. وخصوصا عندما أمر عمر بن الخطاب بعدم رواية الحديث. فعندئذ اختلف عامة المسلمين في أهل البيت.
فمن عاكف عليهم هائم بهم ومن معرض عنهم لا يعبأ بأمرهم ومكانتهم من علم القرآن. أو مبغض شانئ لهم. وقد وصاهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يرتاب في صحته ودلالته مسلم أن يتعلموا منهم ولا يعلموهم وهم أعلم منهم بكتاب الله. وذكر لهم أنهم لن يغلطوا في تفسيره ولن يخطئوا في فهمه - ولكن الوصايا لم تذاع وفقا للمصلحة العامة. حيث كان العديد من الدوائر يتربص بالإسلام والمسلمين.
وإن أردت العجب فلك أن تعجب إذا علمت أن مصير فدك بعد سنوات قليلة من منعها عن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء - قد
____________
(1) سنن أبو داوود، حديث رقم 2982.
(2) تحفة الأحوازي 223 / 5.
(3) تحفة الأحوازي 383 / 5.
أصبح في جعبة مروان بن الحكم الذي لعن الرسول أباه وهو في صلبه. قال في الفتح الرباني: فلما كان عهد عثمان. تصرف في فدك بحسب ما رأى فأقطعها لمروان. لأنه تأول أن الذي يختص به النبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فوصل بها بعض أقاربه (1)، إنها التركة التي لغير وارث ومن العجيب أن الحكام فيما بعد كانوا يعتبرون التركة من غير وارث ليستولوا عليها. روي أنه في القرن الثالث الهجري انشئ ديوان خاص يسمى ديوان المواريث وذلك في عهد الخليفة المعتمد (256 - 279 ه)، وكان هذا الديوان مجالا واسعا لظلم الناس والإعنات في مواريثهم وأخذ ما لم تجز به السنة (2). يقول ابن المعتز قرب أواخر القرن الثالث يشكو ما يجري على أصحاب المواريث.
وويل لمن مات أبوه موسرا * أليس هذا محكما شهرا وطال في دار البلاء سجنه * وقيل من يدري بأنك ابنه فقال: جيراني ومن يعرفني * فنتفوا سباله حتى فنى واسرفوا في لكمه ودفعه * وانطلقت أكفهم في صفعه ولم يزل في ضيق الحبوس * حتى رمى لهم بالكيس (3)
وكان سيف الدولة يأخذ المواريث أخذا رسميا ففي عام (333 ه) عين ابن عبد الملك الرقي قاضيا على حلب فكان هذا القاضي يصادر التركات ويقول:
التركة لسيف الدولة. وليس لي إلا أخذ الجعالة وكان كثير من الحكام يحاولون أن يعتبروا التركة من غير وارث ليستولوا عليها (4)، ونعود إلى حيث ابتدأنا فنقول: إن فاطمة الزهراء كانت مصيبة فيما ادعته. ولم تكن فاطمة في حاجة إلى شهادة وبينة. لأنها بنص الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، معصومة. والآية تناولت جماعة منهم فاطمة بما تواترت الأخبار في ذلك. وهي أيضا بنص الحديث " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد
____________
(1) الفتح الرباني 263 / 21.
(2) الحضارة الإسلامية / آدم متز 217 / 1.
(3) المصدر السابق 217 / 1.
(4) المصدر السابق 218 / 1.
آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل " معصومة. لأنها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا له على كل حال. بل إن إقامة الحد عليها إن كان صدر منها فعل يقتضي ذلك أيكون سارا له ومطيعا. ولأنها بعيدة عن كل هذا كان من آذاها فقد آذاه ولا خلاف بين المسلمين في صدقها فيما ادعته. لأن أحدا لا يشك أنها تدعي ما ادعته كاذبة، وليس بعد: لا تكون كاذبة إلا أن تكون صادقة. ولقد قال البعض عن الفعل الأصح الذي كان يجب أن يكون: قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرم مما ارتكبا منها فضلا عن الدين وقال ابن أبي الحديد في تعليقه على هذا القول المفيد: وهذا الكلام لا جواب عنه. ولقد كان التكرم ورعاية حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عهده يقتضي أن تعوض ابنته بشئ يرضيها. إن لم يستنزل المسلمون عن فدك وتسلم إليها تطييبا لقلبها. وقد يسوغ للإمام أن يفعل ذلك من غير مشاورة المسلمين إذا رأى المصلحة فيه. وقد بعد العهد الآن بيننا وبينهم ولا نعلم حقيقة ما كان وإلى الله ترجع الأمور.
|