متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - صراع داخل السقيفة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - صراع داخل السقيفة:

كان علي بن أبي طالب يغسل النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.

وكان المهاجرون يتناقشون في الخلافة، وعندما علم الأنصار بأن قريشا عازمة على إبعاد علي بن أبي طالب وليس بالضرورة أن يكون هذا العلم قد جاء بعد وفاة الرسول لأن الرسول أخبر بما هو كائن بعده. علاوة على أن الأنصار يعرفون من يحبهم. اجتمع الأنصار وأرادوا إبرام الأمر فيما بينهم على أن يكون الخليفة منهم اعتقادا منهم بأن الإسلام قام بحد سيوفهم وأن المهاجرين عيال عليهم. وحملوا سعد بن عبادة وكان مريضا إلى سقيفة بني ساعدة. فخطبهم ودعاهم إلى إعطائه الرياسة والخلافة فأجابوه. ثم تكلموا فيما بينهم فقالوا: فإن أبى المهاجرون وقالوا: نحن أولياؤه! فقال قوم من الأنصار نقول: منا أمير ومنكم أمير فقال سعد: هذا أول الوهن.

وكان للمهاجرين عيون على الأنصار فانطلق عويم بن ساعدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخا بين عويم وبين عمر (1)، وجاء إلى عمر ومعه معن بن عدي وأخبراه بما حدث من الأنصار. فأرسل عمر إلى أبي بكر أن أخرج فقد حدث أمر لا بد أن تحضره. فخرج فأعلمه بالخبر، فمضينا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة. وكان عمر على امتداد الطريق يبحث عن إجابات مقنعة يقنع بها الأنصار. فقد كان يخشى ردة فعل الأنصار وكان يخشى أن لا يوافقوا على إبعاد علي بن أبي طالب نظرا للصالح العام. وعندما وصلوا إلى السقيفة. روى البخاري أن عمر أراد أن يتكلم. فأسكته أبو بكر. وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا إني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر (2)، أي أنه جهز كلاما وهو في الطريق خشي أن لا يقول أبو بكر مثله. فتكلم أبو بكر

____________

(1) الإصابة 45 / 5.

(2) البخاري باب فضائل أصحاب النبي (الصحيح 291 / 2).

الصفحة 288
وقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل منا أمير ومنهم أمير. فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء (1).

وارتفعت الأصوات وكثر اللغط، وتكلم عمر وقال: والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم (2)، فرد عليه الحباب فقال: يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور. فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين. أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة. فقال عمر: إذا يقتلك الله، قال الحباب: بل إياك يقتل (3)، وقال أبو بكر: إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر أو أبو عبيدة (4)، وانتهى الأمر بأن قال عمر: أبسط يدك يا أبا بكر فلا بايعك. فقال أبو بكر: بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني ففتح عمر يد أبي بكر وقال: إن لك قوتي مع قوتك (5)، إلى هذا الحد كان الأنصار يصرن على موقفهم حتى قام بشير بن سعيد الخزرجي وكان حاسدا لسعد وقال: يا معشر الأنصار. إلا أن محمدا من قريش وقومه أولى به. وبايع، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عققت عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت أنفست على ابن عمك الإمارة (6)، فلما رأت الأوس ما صنع بشير. قام أسيد بن الحضير - قال صاحب الإصابة: كان أبو بكر لا يقدم عليه أحد من الأنصار. ولما مات أسيد وفى عمر دينه (7) - وقال: قوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فأنكس على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما

____________

(1) البخاري (الصحيح 291 / 2) ك بدء الخلق.

(2) الطبري (تاريخ الأمم 209 / 3).

(3) الطبري (209 / 3).

(4) البخاري كتاب بدء الخلق باب فضل أصحاب النبي (291 / 2) الطبري (209 / 3).

(5) الطبري (199 / 3).

(6) الطبري (209 / 3).

(7) الإصابة (48 / 1).

الصفحة 289
كانوا أجمعوا له من أمرهم (1).

وحدث هرج وكادوا يطؤن سعد بن عبادة. فقال ناس من أصحاب سعد:

اتقوا سعد لا تطؤه. فقال عمر: اقتلوه قتله الله (2). ثم قام على رأسه وقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فأخذ سعد بلحية عمر، فقال عمر: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة (3)، فقال سعد لعمر: أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض - وكان مريضا - لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيرا يحجزك وأصحابك. أما والله إذا لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع. ثم قال: احملوني من هذا المكان. فحملوه فأدخلوه داره. وترك أياما. ثم بعث إليه أن أقبل فبايع. فقال: أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي. وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي. فلا أفعل وأيم الله. لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي. فلما أتى أبو بكر ذلك. قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع فقال له بشير بن سعد: أنه قد لج وأبى. وليس بمبايعكم حتى يقتل. وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم. إنما هو رجل واحد. فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد. وكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ولا يحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم (4)، فلم يزل كذلك حتى خلافة عمر بن الخطاب. فقال لعمر: كان صاحبك أحب إلينا وقد أصبحت والله كارها لجوارك. وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك. وخرج سعد مهاجرا إلى الشام. وفي حوران قتل سعد (5) وقالوا لناس يومئذ: لقد قتله الجن.

____________

(1) الطبري (209 / 3).

(2) الطبري (210 / 3) البخاري في الصحيح (291 / 2).

(3) الطبري (210 / 3).

(4) الطبري (210 / 3).

(5) ابن سعد (الطبقات 628 / 5).

الصفحة 290
وبعد أكان يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصراع والتهديد بإجلاء هؤلاء وقتل هؤلاء؟ إن ما ذكرناه اتفق عليه أصحاب الحديث والتراجم والسير واعتبروه من المسلمات. فهل يجوز على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك أمته ليكون الحال كما رأينا وهو الذي قال إني تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها سواء. لقد وقف كل طرف يسأل الإمارة. ولقد روى الإمام مسلم أن رجلين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك. فقال النبي: أنا والله لا تولي هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا أحرص عليه (1)، لقد طلب كل منهما بعض ما ولاه الله. ولكن هيهات. إن الأمر لله ورسوله والرسول قد يشاور أصحابه في أمر ما ولكن في النهاية فإن العزم له وحده فإذا عزم فاعلم أن العزم لهدف ومن وراء الهدف حكمة. وقد يعكف البعض على أرضية المشاورة ويعتقدون أنه ما دام الرسول كان يشاورهم فإن لكلمتهم الخلود. وفاتهم أن الخلود يمكن في دائرة العزم وحدها ومن تعدى هذه الدائرة فلا يؤمن عليه من الفتن قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله)، فهكذا أشركهم سبحانه في المشاورة ووحد رسوله في العزم.

ولقد عزم الرسول أن لا يولي هذا العمل أحد سأله ولا أحد أحرص عليه.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net