متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولا - الاختيار
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

أولا - الاختيار

أضواء على سقيفة بني ساعدة:

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أرجفت المدينة بأهلها. ونزل إليها الذين كانوا في بعث أسامة. وتوجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى دار النبي وأعلن البيان الأول وجاء فيه " أن النبي لم يمت وإنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات " (1)، وفي رواية البخاري عن عائشة قالت قال عمر: والله ما مات رسول الله " (2)، والبيان بهذه الصورة في حاجة إلى دقة. فكان يكفي الفاروق أن ينظر في بيت النبي أو يسأل أم المؤمنين حفصة عن الحقيقة. ثم يلقي البيان على خلفية من الدقة. ولقد فصل الفاروق رضي الله عنه الأسباب التي دعته إلى القول بهذا، فقال فيما رواه البخاري: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم " (3)، وفي تاريخ الطبري قال: والله إن حملني على ذلك إلا أنني كنت أقرأ هذه الآية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، فوالله إني كنت لأظن

____________

(1) الطبري (197 / 3). (2) البخاري ك بدء الخلق (الصحيح 291 / 2).

(3) البخاري (الصحيح 291 / 2) ك بدء الخلق.


الصفحة 278
أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت " (1)، إن من أعجب الأشياء أن يقول الفاروق رضي الله عنه ذلك. كيف، وهو القائل يوم الخميس: حسبنا كتاب الله! والله تعالى يقول لرسوله: (إنك ميت وإنهم ميتون) (2)، والرسول نفسه أعلن على الملأ أنه أوشك أن يدعى فيجيب والناس علموا وتناقلوا فيما بينهم أن آخر حج للنبي كان حجة الوداع، روى البخاري عن ابن عمر قال: هذا يوم الحج الأكبر فطفق النبي صلى الله عليه وآله يقول اللهم أشهد وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع (3).

إن ما نسب إلى الفاروق في تأويل هذه الآيات لا تستريح النفس إليه، فعمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة. لكنه لما علم بالوفاة خاف من وقوع فتنة في الإمامة وخاف حدوث ردة. فاقتضت المصلحة تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون أن النبي لم يمت. حتى يأتي أبو بكر وكبار الصحابة ويقرروا ماذا سيفعلون لمصلحة الأمة... وجاء أبو بكر وكان بالسنح وكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما علم بالحقيقة قال لعمر الذي كان يحلف بالله أن النبي لم يمت: أيها الحالف على رسلك (4)، ثم أعلن البيان الثاني وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: (وإنك ميت وإنهم ميتون)، وقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (5)، وروى ابن سعد بن عمر عندما سمع الآية قال لأبي بكر: " هذا في كتاب الله؟! قال: نعم، فقال: أيها الناس هذا أبو

____________

(1) الطبري (204 / 3).

(2) سورة الزمر: الآية 30.

(3) البخاري (الصحيح 300 / 1) ك الحج.

(4) البخاري ك بدء الخلق (الصحيح 291 / 2). (5) البخاري ك بدء الخلق (الصحيح 291 / 2).

الصفحة 279
بكر وذو شيبة المسلمين فبايعون " (1)، وكانت هذه أول صيحة من المهاجرين تنادي بأبي بكر.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net