ثالثا - الحجة على من لم يشهد الغدير:
لم يكن إعلان النبي في غدير خم في خطبة واحدة. وإنما بعد خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل صلى الله عليه وسلم من قبيلة إلى قبيلة على امتداد الغدير وجاءوا إليه من هنا وهناك وهو في خيمته. وذكرهم وأخذ البيعة لعلي كما يستفاد من الأحاديث الواردة. وبعد وصول ركب النبي إلى المدينة بأيام. وصل أفراد سرية اليمن. التي بعثها النبي إلى هناك تحت قيادة علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد. وكان علي قد فارقهم لحضور حجة الوداع وعاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى شهد يوم الغدير.
ويوم أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن. روى عن أبي رافع أنه قال: لما مضى علي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا رافع الحقه ولا تدعه من خلفه. وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه " فآتاه. فأوصاه بأشياء فقال: يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس " (3). ولقد كان لهذا الدعاء أثرا بالغا فيما بعد. فلقد كان مع علي في هذه الرحلة من يبغضه أشد البغض. وعندما عادت القافلة وأراد بعضهم أن يشكو عليا لرسول الله. خرجوا من عند النبي وحب علي يجري في عروقهم مجرى
____________
(1) قال ابن كثير رواه ابن جرير وقال شيخنا الذهبي وهذا حديث حسن (البداة 213 / 5).
(2) تم تخرجه من قبل.
(3) رواه الطبراني (كنز العمال 107 / 13).
الدم. وسجل التاريخ لهؤلاء أعظم الأثر على امتداد الرحلة بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم. ومن هؤلاء بريدة الأسلمي والبراء بن عازب وعمران بن حصين وغيرهم، وروي أن خالد بن الوليد كان على رأس المبغضين لعلي والمحرضين عليه (1)، فعن البراء قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشين فأمر على أحدهما علي بن أبي طالب، ومع الآخر خالد بن الوليد. وقال: إذا كان القتال فعلي (2). فافتتح علي حصنا فأخذ منه جارية. فكتب معي خالد كتابا إلى النبي يشي به. فقدمت على النبي فقرأ الكتاب. فتغير لونه. ثم قال: " ما ترى في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " قلت: أعوذ بالله من غضب الله وغضب الرسول. وإنما أنا رسول، فسكت النبي (3)، وبعد هذه المقابلة كان البراء من المخلصين لعلي.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال: أبغضت عليا بغضا لم يبغضه أحد قط، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه علي - هو خالد - (4)، فبعث هذا الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغض عليا. فأصبنا سببا.
فكتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابعث إلينا من يخمسه. فبعث عليا، فأخذ منه جارية. فكتب الرجل - خالد - إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: ابعثني فبعثني مصدقا. فجعلت أقرأ الكتاب. وأقول: صدق. فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي والكتاب. وقال: أتبغض عليا؟ قلت: نعم، قال: لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفسي بيده. لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة. قال فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي.
____________
(1) قتل علي يوم بدر أخوه قيس بن الوليد ثلاثة من أبناء أعمامه.
(2) أي إذا كان قتال فالقيادة لعلي.
(3) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 638 / 5) وابن أبي شيبة (كنز 134 / 13).
(4) صرح باسمه في رواية أخرى عند الإمام أحمد (الفتح الرباني 55 / 17)، وأيضا (كنز العمال 135 / 13).
قال عبد الله بن بريدة: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة (1)، وعن بريدة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بريدة. ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت:
بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (2) - وفي لفظ - من كنت وليه فعلي وليه (3)، وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " (4).
وعن عمرو بن شاس الأسلمي قال: خرجت مع علي إلى اليمن. فجافاني في سفري ذلك. حتى وجدت في نفسي عليه. فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد. حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت المسجد ذات غدوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه. فلما رآني أبدى عينيه (أي: حدد إلي النظر) حتى إذا جلست قال: يا عمرو والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله. قال: بلى من آذى عليا
____________
(1) رواه أحمد (الفتح 56 / 17) والبخاري في مختصرا (الصحيح 73 / 3) وأبو نعيم (كنز العمال 135 / 13) وقال في الفتح أقسم ابن بريدة أنه تلقى هذا الحديث من والده بريدة مباشرة. وهو يفيد أن والده تلقاه من النبي مباشرة بغير واسطة يشير بذلك إلى علو السنن (الفتح 214 / 22).
(2) رواه أحمد وقال في الفتح قال الهيثمي رجال أحمد ثقات. وقال في موضع آخر رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 213 / 21) ورواه ابن حبان وسموية والحاكم (كنز العمال 609 / 11).
(3) رواه أحمد وقال في الفتح رواه أحمد والنسائي والحاكم وقال الهيثمي في موضع رجاله موثقون وفي موضع رجاله ثقات، وفي آخر رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 213 / 21)، ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو نعيم (كنز 134 / 13)، ورواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 11 / 3).
(4) رواه أحمد وأورده الهيثمي وقال رواه الترمذي باختصار ورواه أحمد والبزتر باختصار وفيه الأجلح الكندي وثقه ابن معين وبقية رجاله أحمد رجال الصحيح. وقال في الفتح أقسم ابن بريدة أنه تلقى هذا الحديث من والده (الفتح الرباني 214 / 21).
فقد آذاني (1).
وروى الحافظ البيهقي: أن سعد بن مالك كان فيمن خرج مع علي إلى اليمن وأصابه من علي بن أبي طالب بعض الغلظة والتضييق. وذلك منعهم من استخدام إبل الصدقة. فاستخدموها فذمهم ولامهم. يقول سعد: فلما جاء - علي - عرف في إبل الصدقة أنها ركبت. فذم الذي أمره ولامه فقلت: أما إن لله علي أن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذكرن لرسول الله ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق. فلما قدمنا المدينة. لقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله. فلما رآني وقف معي. ورحب بي وساءلني وساءلته. وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة. فرجع معي إلى رسول الله!!
وقال أبو بكر: هذا سعد بن مالك بن الشهيد. فقال النبي: ائذن له. فدخلت.
فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني. وسلمت عليه وسألني عن نفسي وأهلي. فأخفى المسألة. فقلت: يا رسول الله. لقينا من علي بن أبي طالب ما لقينا منه! حتى إذا كنت وسط كلامي. ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي وكنت منه قريبا. وقال: سعد بن مالك بن الشهيد!! مه بغض قومك لأخيك علي. فوالله لقد علمت أنه جيش في سبيل الله. قال سعد: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك. ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم. وما أدري لا جرم. والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية (2).
وعن عمران بن حصين. قال: بعث رسول الله سرية وأمر عليها علي بن أبي طالب. فأحدث شيئا في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمران: وكنا إذا قدمنا من
____________
(1) رواه أحمد (الفتح 120 / 23) وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أحضر منه ورجال أحمد ثقات ورواه ابن حبان في صحيحه (الزوائد 129 / 9)، ورواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 122 / 3)، ورواه ابن أبي شيبة وابن سعد والبخاري في تاريخه والطبراني (كنز العمال 142 / 13) وقال ابن كثير رواه غير واحد. (البداية والنهاية 347 / 7).
(2) رواه البيهقي (البداية والنهاية) 346 / 7.
سفر بدأنا برسول الله فسلمنا عليه. قال: فدخلوا عليه. فقام رجل منهم. فقال:
يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن عليا فعل كذا وكذا قال: فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه. وقال:
دعوا عليا - دعوا عليا - دعوا عليا. إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " (1).
وهكذا أقيمت الحجة على سرية اليمن. التي قال النبي فيها لعلي عند بداية رحلته " يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس " ولقد صدق رسول الله وانتقل رجال من دائرة البغض إلى دائرة الحب. وظل النبي يحيط قيادة علي بن أبي طالب بالرعاية وتسليط الضوء عليها ليقيم الحجة الدامغة. ولم تكن الحجج من نصيب سرية اليمن وحدها بعد غدير خم وإنما شملت آخرين فعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي. فنلنا من علي بن أبي طالب. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله غضبان. يعرف في وجهه الغضب. فتعوذت بالله من غضبه. فقال: ما لكم وما لي!! من آذى عليا فقد آذاني (2)، وعن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى عليا الناس. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينا خطيبا فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليا!! فوالله إنه لأخشن في ذات الله. أو في سبيل الله (3).
وعن وهب ابن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة. فرأيت منه جفوة. فقلت: لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه
____________
(1) رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وأبو يعلى (البداية 345 / 7).
(2) قال الهيثمي رواه أبو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان وهما ثقتان (الزوائد 129 / 9)، وذكره ابن كثير وقال رواه أبو يعلى (البداية 347 / 7).
(3) رواه أحمد (الفتح 20 / 23) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 134 / 3) وأبو نعيم في الحلية (كنز 620 / 11) وقال ابن كثير تفرد به أحمد (البداية 346 / 5).
وسلم. لأنالن منه قال: فرجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عليا فقلت عنه. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولن هذا لعلي. فإن عليا وليكم بعدي " (1).
ولكي يكتمل تصور (هو وليكم بعدي) ويرسخ في الأذهان. تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آية من سورة المائدة آخر سور القرآن نزولا. وكانت الآية في علي بن أبي طالب. قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (2).
قال المفسرون: اشتمل قوله تعالى من السياق. على ما يدل على وحدة ما في معنى الولاية المذكورة فيه. حيث تضمن العد في قوله: (الله ورسوله والذين آمنوا)، وأسند الجميع إلى قوله " وليكم " وظاهره كون الولاية في الجميع بمعنى واحد. ويؤيد ذلك أيضا قوله في الآية التالية: (فإن حزب الله هم الغالبون)، حيث يشعر أو يدل على كون المتولين جميعا حزبا لله. لكونهم تحت ولايته.
فولاية الرسول والذين آمنوا. إنما هي من سنخ ولاية الله.. ولو كانت الولاية المنسوبة إلى الله في الآية. غير المنسوبة إلى الذين آمنوا. كان الأنسب أن تفرد ولاية أخرى للمؤمنين بالذكر. رفعا للالتباس. كما وقع في نظيرها قال تعالى:
(.. قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) (3)، فكرر لفظ الإيمان. لما كان في كل من الموضعين. لمعنى غير الآخر.
على أن لفظ (وليكم) أتى به مفردا وقد نسب إلى الذين آمنوا وهو جمع.
وقد وجهه المفسرون بكونه الولاية. ذات معنى واحد، هو لله سبحانه على الإصابة ولغيره بالتبع... والروايات تدل على أن الآيتين نازلتان في علي بن أبي طالب. فقوله تعالى: (والذين آمنوا)، إطلاق للجمع وإرادة للواحد. وقد كثر
____________
(1) رواه أبو يعلى (البداية 346 / 7).
(2) سورة المائدة: الآية 56.
(3) سورة التوبة: الآية 61.
في القرآن الحكم أو الوعد والوعيد للجماعة. والحقيقة حسب أسباب النزول للمفرد كقوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) (1)، وقوله تعالى: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) (2)، وقوله تعالى: (الذين يظاهرون - من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) (3)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) (4)، وقد صح في أسباب النزول أن المراد به حاطب بن أبي بلتعة في مكاتبته قريش. وقوله تعالى: (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) (5)، وقد صح أن القائل عبد الله بن أبي سلول. وقوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار) (6)، وقد ورد أنها نزلت في علي بن أبي طالب، وقوله تعالى: (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى) (7)، والقائل هو عبد الله بن أبي، وهذه الآية واقعة بين الآيات المبحوث عنها نفسها إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي وردت بلفظ الجمع ومصداقها حسب أسباب النزول مفرد.
أما الحديث الذي يشهد بأن الآية نزلت في علي بن أبي طالب. فقد اتفق على نقله من غير رد أئمة التفسير بالمأثور. واتفق عليه أحمد والنسائي والطبراني والطبري وعبد بن حميد وغيرهم من الحفاظ وأئمة الحديث. فعن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد. وإذا مسكين يسأل. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم، قال: من؟ قال: ذلك الرجل القائم، قال:
____________
(1) سورة البقرة: الآية 219.
(2) سورة آل عمران: الآية 181، والقائل يهودي اسمه قخاص (تفسير ابن كثير 434 / 1).
(3) سورة المجادلة: الآية 2 و 3، والذي ظاهر هو أوس وكان تحته ابنة عم يقال لها خولة (تفسير ابن كثير 320 / 4).
(4) سورة الممتحنة: الآية 1، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة (تفسير ابن كثير 345 / 4).
(5) سورة المنافقون: الآية 8، والقائل عبد الله بن سلول (تفسير ابن كثير 371 / 4).
(6) سورة البقرة: الآية 274، نزلت في علي بن أبي طالب (تفسير ابن كثير 326 / 1).
(7) سورة المائدة: الآية 52، نزلت في عبد الله بن أبي (تفسير ابن كثير 68 / 2).
على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع، قال: وذلك علي بن أبي طالب. قال:
فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (1).
وقال ابن كثير، قال ابن جرير. الآية نزلت في علي بن طالب تصدق وهو راكع (2)، وروى الطبراني: بطريق إلى عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي قال: " نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا...) الآية، فخرج رسول الله فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم وإذا سائل. فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئا. فقال: لا إلا ها ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه (3).
إنها المنقبة التي جمعت أحداث الغدير. منقبة تفرد بها علي فتصدق وهو راكع. ليستقيم هذا التفرد. مع تفرد الغدير بحديث واحد وحدث واحد. فإذا قيل: ماذا قال النبي في الغدير؟ تردد صدى الإجابة مع إجابة سؤال: من الذي تصدق وهو راكع؟ إنه موقف التفرد وسط مواقف كثيرة، فلقد روى عن ابن عباس قال: " نزلت على ثلاثمائة آية " (4). وعنه. قال: " كان لعلي ثماني عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة " (5)، وإذا لا خلاف على أن منقبة علي بن أبي طالب في هذه الآية واحدة من هذه المناقب التي لم يتمتع بها غيره.
إن ظلال ولاية الله ورسوله والذين آمنوا، يلتقي مع ظلال وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وتحت هذا الظلال ينتهي الطريق إلى سعادة الدنيا والآخرة. ولقد قامت الحجة في أول الطريق وشاع حديث الكساء
____________
(1) رواه ابن مردويه (تفسير ابن كثير 71 / 2).
(2) تفسير ابن كثير 71 / 2.
(3) رواه الطبراني (البداية والنهاية 358 / 5).
(4) تاريخ الخلفاء / السيوطي ص 161.
(5) تاريخ الخلفاء ص 161.
والمباهلة والمنزلة والولاية بين الناس. والماضي زاد للحاضر. والقرآن حث على النظر إلى الماضي كي يتبين الإنسان في الحاضر خطأه. لأن الماضي لا يعمل فيه برنامج واحد ولم يكن ملكا لدائرة واحدة. فالنظر والتدبر فريضة حتى لا يلد الحاضر مستقبلا كسيحا. نكون نحن بالنسبة إليه ماضيا وحتما في عالم الكساح لن يكتب للذين لم يتدبروا الخلود.
|