متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولا - علي بن أبي طالب والعلم
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

أولا - علي بن أبي طالب والعلم:

قدمنا فيما مضى كيف أنه من أهل الكساء. ومن الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وأنه كنفس النبي وأول من أسلم وأول من صلى معه صلى الله عليه وسلم. أما ما ورد في علمه فإن البداية عندنا من قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) (1)، فهذه الآية إشارة إلى طوفان نوح. والجارية هي السفينة.

والمحمول في الحقيقة أسلاف الدين في السفينة. لكون الجميع نوعا واحدا ينسب حال البعض منه إلى الكل. وضمير (لنجعلها) للحمل باعتبار أنه فعله.

والمعنى: أي فعلنا بكم تلك الفعلة لنجعلها لكم أمرا تتذكرون به. وعبرة تعتبرون بها وموعظة تتعظون بها: وقوله تعالى: (وتعيها أذن واعية) المراد بوعي الأذن لها. تقريرها في النفس وحفظها فيها. لتترتب عليها فائدتها وهي التذكر والاتعاظ. وفي الآية إشارة إلى الهداية الربوبية.

وروى الضياء بسند صحيح وابن مردويه وأبو نعيم عن علي بن أبي طالب (2)، وفي الدر المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها أذن علي. قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت عن رسول الله شيئا فنسيته (3).

وانظروا الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بردة قال: قال رسول الله صلى الله عليه

____________

(1) سورة الحاقة: الآية 12.

(2) (كنز العمال 177 / 13).

(3) تفسير ابن كثير 413 / 4.

الصفحة 148
وسلم لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك. وأن تعي وحق لك أن تعي. فنزلت هذه الآية: (وتعيها إذن واعية).

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا علي. إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي. فأنزلت هذه الآية:

(وتعيها أذن واعية) فأنت أذن واعية لعلمي.

وهذا الحديث روي من عدة طرق. بلغت ستة عشر حديثا. فإذا كانت البداية مع آية تدل على أن ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينساه. فإن دخوله على النبي لأخذ العلم أمر لا جدال فيه، روى الإمام النسائي عن علي بن أبي طالب. قال: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة آتية فيها، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت. وإن وجدته فارغا أذن لي...

وفي رواية - كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار (1).

وعلي رضي الله عنه، تربى في بيت النبوة. فالذي سهر على تربيته هو النبي صلى الله عليه وسلم. وأصح ما ورد من الأخبار. إن النبي أخذ عليا من أبيه وهو صغير. وأخذ العباس طالبا. ليخففا عن أبي طالب ثقلهم. ومن بيت النبوة شق علي بن أبي طالب طريق العلم حتى قيل فيه في رواية صحيحة " أفضلنا علي " (2)، وشهد أكثر من واحد أن عليا كان أدرى الناس بعد رسول الله بالقرآن.

عن أبي الطفيل قال: قال علي: " سلوني عن كتاب الله فإنه ليس فيه آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل " (3)، وعن سليمان الأحمسي.

____________

(1) النسائي باب السهو 2 / 12.

(2) قال في كشف الخفاء رواه البخاري في التفسير وأبو نعيم عن ابن عباس. والحاكم عن ابن مسعود: ورواه البغوي في شرح السنة عن أنس، ورواه عبد الله بن أحمد بن حنجل عن ابن عباس وعبد الرزاق عن قتادة، وروى البخاري، وأبو نعيم عن عباس قال عمر:

على أقضانا (كشف الخفاء 184 / 1).

(3) الطبقات الكبرى 338 / 2.

الصفحة 149
قال علي: " إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا صادقا " (1)، وفي رواية: " والله ما تركت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا صادقا " (2)، وفي خلافته كان رضي الله عنه يقول: " اسألوني قبل أن تفتقدوني " (3). قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد أجمع الناس كلهم أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء هذا غير علي بن أبي طالب عليه السلام.

وشهادة النبي لعلي بأنه أكثر أمته علما وردت في أحاديث كثيرة ومنها حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب "، الذي رواه ابن عدي عن ابن عباس وابن عساكر عن جابر، والذي تعددت طرقه، فإن القوم ضعفوه ولهم أسبابهم في تضعيف الأحاديث الواردة في علي بن أبي طالب، وكذلك حديث " أنا دار الحكمة وعلي بابها " الذي رواه الترمذي عن علي ورواه بعضهم عن ابن عباس. فلقد قالوا فيه ما قالوا (4). ونحن هنا نقدم حديثا لا خلاف عليه يشهد لعلي بالعلم والحلم وهذا الحديث.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: وجدت في كتاب أبي بخط يده هذا الحديث: عن معقل بن يسار. قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: " أوما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما " (5)، فهذا الحديث أثبت سبقه إلى الإسلام. وأثبت له العلم والحلم.

وكفى بهما لإثبات ملكة العدالة.

____________

(1) الطبقات الكبرى 338 / 2.

(2) تاريخ الخلفاء، السيوطي 173.

(3) راجع ابن كثير في البداية والنهاية 358 / 7.

(4) الحاكم (المستدرك 466 / 2)، ابن حجر في الإصابة (509 / 2)، فالسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 124.

(5) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الفتح الرباني 133 / 23) (مجمع الزوائد 101 / 9) ورواه ابن جرير عن علي بسند صحيح (114 / 13 كنز العمال)، ورواه الخطيب في المتفق عن بريدة (كنز العمال 135 / 13).

الصفحة 150


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net