1 - تعريف من هو الصحابي:
الصحبة لغة. هي المعاشرة، وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير. ولذلك يقال صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة. وتقع الصحبة بين المؤمن والكافر. كما تقع بين المؤمن والمؤمن. قال تعالى في محاورة بين مؤمن وكافر: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت الذي خلقك) (4)، وقال تعالى لكفار المشركين (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى) (5)، وقال سبحانه لهم: (ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير
____________
(1) سورة الحجرات: من الآية 51.
(2) سورة الزمر: الآية 13.
(3) سورة الزمر: الآية 65.
(4) سورة الكهف: الآية 37.
(5) سورة النجم: الآية 2 - 3.
لكم) (1)، واسم الصحبة يطلب أيضا بين العاقل وبين البهيمة. فالعرب سموا الحمار صاحبا فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وسموا الجماد مع الحي صاحبا فقالوا في السيف:
زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
وأطلقت كلمة الصحابي على كل من أسلم في حياة النبي ولقيه مسلما.
ومن هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون الذين كانوا يعملون على إحداث الاضطراب في المدينة. ومنهم الذين قال فيهم تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي) (2)، وقوله: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) (3)، وقوله: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) (4). فإذا كان في الصحابة من يبطن الكفر ويظهر الإيمان بنص الكتاب. فكيف يجوز الاقتداء بكل فرد منهم دون أن يوثق بإيمانه ويعرف صحة إسلامه ورسوخ عقيدته.
لقد قال تعالى في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) إلى قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجر عظيما) (5)، فقوله تعالى: " منهم " أي لو كان منهم من لم يؤمن أصلا كالمنافقين والذين في قلوبهم مرض. أو منهم الذي آمن أولا ثم أشرك وكفر كما في قوله تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى) إلى قوله تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم
____________
(1) سورة سبأ: الآية 46.
(2) سورة التوبة: الآية 61.
(3) سورة التوبة: الآية 58.
(4) سورة التوبة: الآية 64.
(5) سورة الفتح: الآية 29.
بسيماهم) (1)، أو منهم الذي آمن ولم يعمل الصالحات كما يستفاد من آيات الإفك. ومن أهل الإفك من هو صحابي بدري. وقد قال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (2)، فأمثال هؤلاء لا يشملهم وعد المغفرة والأجر العظيم الذي وعد الله به في صدر الآية.
وقال تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (3)، فمن ينكث لا معنى للقول بأن له عند الله أجرا عظيما. ولقد دلت الحوادث أن هناك من نكث بيعته. وبالجملة الصحابة ناس كغيرهم - مع فضل الصحبة - فيهم العدول الثقاة والقادة الهداة. وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مالك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد: " هؤلاء أشهد عليهم " فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألسنا يا رسول الله إخوانهم. أسلمنا كما أسلموا.
وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي " فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: ائنا لكائنون بعدك! (4).
لقد كان في الصحابة أعظم الرجال في تاريخ البعثة إذ لم يكن في تاريخ الإنسانية منهم عبيدة بن الحارث. وعمير بن أبي وقاص. وعاقل بن أبي البكير.
ومهجع مولى عمر بن الخطاب. وصفوان بن بيضاء. ومبشر بن عبد المنذر.
وسعد بن خيثمة. وحارثة بن سراقة. وعمير بن الحمام بن الجموع. ورافع بن المعلي. ويزيد بن الحارث. وغير هؤلاء من أبطال بدر. وحمزة بن عبد المطلب. وعبد الله بن جحش. ومصعب بن عمير. وشماس بن عمر.
والحارث بن أنس وعمر بن معاذ. وعمارة بن زياد بن السكين، وعمرو بن
____________
(1) سورة محمد: الآية 30.
(2) سورة النور: الآية 23.
(3) سورة الفتح: الآية 10.
(4) موطأ مالك كتاب الجهاد ص 371.
الجموح، وخلاد بن عمر بن الجموح، وعتبة بن الربيع، ومالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري. وسعد بن الربيع، وأنس بن النضر. وأويس بن ثابت، وغير هؤلاء من شهداء أحد. وأبو ذر الغفاري. وعمار بن ياسر. وأبو أيوب الأنصاري. وخزيمة بن ثابت. وسلمان الفارسي. وأبو سعيد الخدري. وزيد بن أرقم، وبريدة الأسلمي، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والمقداد وأبو الهيثم التيهان، وسهل وعثمان ابنا حنيف، والبراء بن عازب. وزيد بن صوحان، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، وأبو رافع مولى رسول الله.
وغير هؤلاء من الصحابة العظام، وفي الصحابة من نكث ومن مرق ومن بغى. وفيهم من لعبت به الأهواء، وفيهم من خرج عن الحق، وفيهم من رجع إليه. والنفاق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. لم ينتهي بموته. ولم ينقطع بمجرد انقطاع الوحي. ومن قال بأن النفاق قد انتهى بعد موت الرسول.
فعليه أن يقول لنا. هل كانت حياة الرسول سببا في نفاق المنافقين. وموته سببا في إيمانهم وعدالتهم، وحتى صاروا أفضل الخلائق بعد الأنبياء. كيف انقلبت دوائرهم وحقائقهم بعد وفاته. وأصبحوا ثقلا مع القرآن كما قال البعض. إن في الكتاب العزيز وسنة النبي المطهرة ما يثبت بقاء المنافقين على نفاقهم بشهادة حذيفة رضي الله عنه وسنبين ذلك في موضعه. لقد كان النبي وهو بين أصحابه يود أن يلقى إخوانه كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وددت أني رأيت إخواني - قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد " (1)، وفي رواية: " وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني أنا إليهم بالأشواق " (2)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم
____________
(1) رواه مسلم (الخصائص الكبرى للسيوطي 260 \ 2).
(2) رواه أبو يعلى وأبو الشيخ عن أنس. وابن عساكر عن البراء (كنز العمال 184 \ 12) رواه أحمد بلفظ " وددت أني لقيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (كنز العمال (164 \ 12).
آخره " (1)، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصر الخبر في جهة. لقد أقام الحجة وبلغ عن ربه وهو في شوق إلى إخوانه وربما يكون عندهم الخير كما كان في عهده صلى الله عليه وسلم. فالمقياس الحقيقي لا يكون أبدا بالمتاجرة بالشعارات. وإنما باقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم على الصراط المستقيم. فهنا وهنا فقط يكون الخير. ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة. قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: أنا ومن معي. فقيل له: ثم من؟
قال: الذي على الأثر. قيل له: ثم من يا رسول الله؟ قال أبو هريرة: فرفضهم رسول الله (2).
إن الذين مع النبي هم الذين لن يقال لهم عند الحوض سحقا سحقا.
لأنهم بدلوا وغيروا وارتدوا بعده كما في الأحاديث الصحيحة. روى البخاري ومسلم: " أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني. ثم يحال بيني وبينهم " (3)، وفي رواية " ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني فأقول أي رب أصحابي أصحابي. فليقالن إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (4)، وفي رواية: " فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا " (5).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " سحقا " أي بعد بعدا ومكان سحيق
____________
(1) رواه الإمام أحمد عن أنس ورواه الترمذي وقال: حسن غرير. وقال في كشف الخفاء:
رواه الترمذي وأبو يعلى والدارقطني والخطيب وابن حبان في صحيحه وقال ابن حجر:
حديث حسن له طرق (الفتح الرباني 203 \ 23، كشف الخفاء 258 \ 2).
(2) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني الحديث صحيح الإسناد (الفتح 219 \ 23) وقال في الفتح رواه مسلم بإسنادين.
(3) البخاري (الصحيح ك. الدعوات باب الصراط 141 \ 4) مسلم (الصحيح 53 \ 15) له الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله.
(4) رواه أحمد (195 \ 1 الفتح الرباني) ومسلم (الصحيح 65 \ 15) ك الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله.
(5) رواه مسلم (الصحيح 56 \ 15 ك الفضائل ب حوض نبينا صلى الله عليه وآله).
بعيد. فيه دليل على أنهم ليسوا عصاة. لأن العصاة يشفع لهم. وفي هؤلاء وغيرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثلي كمثل رجل استوقد نارا.
فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقمن في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. فذلك مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار! هلم عن النار! فتغلبوني فتقتحمون فيها (1).
إن الدعوة الخاتمة جاءت لتقيم حجتها وتذكر الناس بمخزون الفطرة وتدعوهم للتفكر في الآيات من حولهم وتسوقهم إلى الصراط المستقيم كي يتفادوا العقبات التي وضعها الشيطان ومؤسساته على الأرض وفي الأهواء. إن الشيطان دق أوتاد خيمة مهمتها عبادة السلف الصالح. ولقد سقط العديد داخل هذه الخيمة منذ فجر التاريخ وعلى هذه العبادة نشأت عبادة الأوثان. وعبادة السلف كانت سببا أساسيا في منع الباحثين والدارسين عن سلوك طريق العلم.
لقد وجد الباحثون أن السلف كان ينتقد بعضه بعضا. بل يقتل من خالفه في الرأي من معاصريه. فلما جاء الخلف رفع راية تحرم النقد ولو كان للنقد جذور في كتاب الله. وعندئذ أغلق الباحثون والدارسون على أنفسهم الأبواب. وطويت صفحات العلم والمعرفة. وجرت الفتنة فلم تصب الذين ظلموا خاصة. بل تعدتهم إلى الحاضر والمستقبل. تلقي بالتعصب الذميم وتهلك ضحاياها في كل عصر. وتشد في كل وادي آلهة جدد.
وما زال السؤال يجري: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده ويسوق الناس إلى صراط الله المستقيم. هل صرح الرسول باسم الخليفة من بعده؟ أم كانت هناك رموز وإيماء وكناية وتعريض.
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك عذر لا نعلمه نحن. خشية من فساد الأمر أو إرجاف المنافقين. أم أن الرسول لم يوص ولم يصرح ولم تكن هناك رموز وإيماء. وترك أمته كي يسوقها معاوية وعمر بن العاص وبسر بن
____________
(1) رواه البخاري كتاب الدعوات (الصحيح 127 / 4) وأحمد والبيهقي والترمذي عن أبي هريرة. واللفظ لأحمد (الفتح الرباني 284 / 21، وكنز العمال 177 / 1).
أرطأة وأبو الأعور السلمي ومروان بن الحكم والجماح بن يوسف؟ وإذا كانت الإجابة: نعم تركها لهؤلاء الصحابة العدول الذين إذا أصابوا لهم أجران وإذا أخطأوا فلهم أجرا واحد. فنقول: وهل تستقيم مقدمات بدر وأحد مع هذه النتيجة؟ أي تفسير هذا الذي سيقدمه ابن أبي سفيان وهو يتحدث عن آيات القتال في بدر وفي أحد؟ وأي تفسير سيقدمه للمسجد الضرار ومحاولة اغتيال الرسول.
إن الحقيقة مرة. والمقدمات لا تستقيم مع النتائج. ويبدو أمام الباحث أن أمورا قد جرت. وللحقيقة نقول: إن الأمور الماضية يتعذر الوقوف على عللها وأسبابها ولا يعلم حقائقها إلا من شاهدها ولابسها. وللحقيقة أيضا نقول إن الأمور إذا اشتبهت. اعتبر آخرها أولها. أي يقاس آخرها على أولها. فحسب البدايات تكون النهايات. والقرآن الكريم يهدي العقول إلى استعمال ما فطرت على استعماله. وسلوك ما تألفه وتعرفه بحسب طبعها. وهو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات. والذي فطرت العقول عليه هو. أن تستعمل مقدمات حقيقية يقينية لاستنتاج المعلومات التصديقية الواقعية. وهو البرهان.
إننا إذا وضعنا أيدينا على الحقيقة الأولى عند المقدمة. ظهر لنا سلوك الحقيقة عند الخاتمة. وعلى السلوك نعرف الزائف والمزخرف الذي تاجر بالحقيقة ولم يسلك سلوكها. ويتم استبعاده. وإذا كان قد قيل: بأن العاقل هو الذي يضع الشئ في موضعه. فإن القرآن الكريم اشترط التقوى في التفكر والتذكر والتعقل. وقارن العلم العمل للحصول على استقامة الفكر وإصابة العلم وخلوصه من شوائب الأوهام الحيوانية والإلقاءات الشيطانية، ونحن في بحثنا هذا لا ندعي كمال البحث ولا ندعي أننا حسمنا موقفا. إن الذي أقدمنا عليه هنا. يخضع في المقام الأول. للبحث العلمي المجرد الذي يتناول الأفكار والمبادئ. ولا شأن له بالمناسبات التي صدر فيها هذا الحكم أو ذاك، نحن هنا نقوم بالقراءة المنصتة للمصادر. قراءة نقدية متفحصة تقييمية تعتمد على الطريقة السردية التي تقوم على القرآن والحديث والرواية التاريخية. وتمنح القراء خيطا يقودهم إلى البحث عن الحقيقة. ونحن وراء قراءتنا هذه مصممون على تقديم تاريخ يجتمع فيه جميع الخيوط سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية. وبناءا على
هذا فإن البحث عن الرجل الذي قدر له أن يقود الأمة بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم. يجعلنا في البداية أن نجمع مواد البناء أولا، على أن تكون مواد البناء لا خلاف على صحتها عند أهل القبلة. والتقاط مواد البناء هذه من وسط ركام طويل عريض مارس أصحابه سياسات التعتيم والتشهير والقتل.
ليس بالأمر السهل. ورغم صعوبته إلا أن اليسر في خاتمته. وذلك أن مواد البناء لن تكون في حاجة إلى الخطوة التالية التي هي عملية البناء. لأن المواد في حد ذاتها بناء. ولتكن البداية من عند ولاية الله.
|