متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
رابعا - النور والولاية
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

رابعا - النور والولاية

بعد تحديد دائرة الطهر. هل كان لهذه الدائرة ذروة بعد الرسول صلى الله عليه وآله سلم؟ بمعنى هل كان فيها الرجل الذي يبلغ عن الرسول من بعده أم أن الدائرة وجدت ليتبارك بها الناس فيحمل أحدهم الحسن ويقبل الآخر الحسين ويبتسم الجميع في وجه فاطمة وعلي رضي الله عنهما؟ فإذا كانت الإجابة. أن الدائرة بركة. ولا يوجد ما يسمى بالخلافة. ولم يقوم الرسول بتعيين من يبلغ من بعده. فإن من خالف يقول: فهل من المعقول أن يجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه دون استثناء قدوة للبشر وفي أصحابه دائرة المنافقين وتيار الذين في قلوبهم مرض؟ كيف وقد أظهرت حركة التاريخ أن الصحابة اختلقوا في الرواية والقيادة والسيرة والأخلاق، وفي طريق الهداية والإرشاد وفي كل شئ.

وسبب هذا الاختلاف أن المحتاج إلى التعليم والإرشاد. أصبح قرينا للقرآن الذي لا يستغني عن المفسر العالم به. ولو كان القرآن لا يحتاج إلى تأويل لأجمع الناس على مدلوله ولم تفترق الأمة. وإذا كانت الخلافة ليست أصلا إسلاميا. ولم يأمر الرسول بها. فلماذا قامت بعده؟ بمعنى لماذا أوصى الذين جاءوا من بعده وحتى يومنا هذا بمن يخلفهم. هل كان معاوية بن أبي سفيان أحرص على الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها لابنه من بعده وسار بها بعد ذلك لتستقر في إناء الكسروية والقيصرية؟ لماذا حرصوا على الخلافة ولم يتركوا الأمر اقتداءا بسنة رسول الله إذا اعتبرنا أنه ترك أمته كهباء ضائع في خلاء. وحاشاه أن

الصفحة 128
يفعل ذلك فإذا قيل: إن الخلافة مجرد اجتهاد وتطبيق ارتضاه المسلمون الأوائل.

وإنها تقوم على الاجماع أو الانتخاب. فإن من خالف يقول: إذا كانت الخلافة بالإجماع فما معنى عقد أبي بكر لعمر رضي الله عنهما. وما معنى وصية عمر وجعلها شورى، وما معنى جعل الخلفاء إياها كسروية. إن كل حلقة تختلف عن الأخرى. وانتهت الحلقات إلى الجبرية حيث الاجماع الذي على رأسه السيف.

وكل حلقة لم تحقق الاجماع الكامل ويوم السقيفة شاهد بخروج سعد بن عبادة ومن معه على هذا الاجماع وعلى امتداد التاريخ تشهد الأحداث أن الاجماع لم يتحقق يوما وأن المعارك بين المسلمين وبين أنفسهم كان عمودها الفقري الخروج على الحكم وطلب الكرسي. فأين الاجماع في هذه الأحداث؟ وإذا كانت الخلافة بالانتخاب. فمن المعلوم أن الأمة ليست متفقة في الرأي وأن لكل فرد فيها رأي يخالف الباقين. فأي انتخاب؟ وهل المرشح الذي تخرج دنانيره من بيت المال لتلمع في عيون الناخبين. هل يكون هذا مرشحا، مهمته السير بالدعوة الحق على الصراط الحق. هل اللائحة التي تحافظ على الأهواء وتزين وتغوي الناخبين بأحقية حزب ما أو قبيلة ما. وما يقابلها من لوائح تزين وتغوي بالأموال والقرب والجاه. هل هذه اللوائح. لوائح حق تسير بالدعوة الحق على الصراط الحق. أن الخليفة بحكم العقل والنقل مطلوب منه المحافظة على كيان الإسلام.

وإزاحة الشبهات وقطع دابر الكفار والمنافقين ونشر الأحكام الإلهية. فهل يا ترى يمكن للناس الوصول إلى من يتصف بهذه الصفات المذكورة وهل في وسعهم الاتجاه والاتفاق على اختياره. مع الوضع في الاعتبار أن في الأمة دوائر عديدة هدفها الصد عن سبيل الله. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في أمته أئمة مضلون ومنافق عليم اللسان إلى غير ذلك. فهل يمكن للناس تفادي كل هذا؟

فإن قيل: إن الخلافة في عصورها المتأخرة تختلف عنها في عصورها الأولى حيث كان الصحابة يتحرون الدقة. وهم بالإجماع أهل عدل وصلاح.

وبموت الرسول صلى الله عليه وسلم. لم يعد هناك منافقون ولم يعد لتيار الذين في قلوبهم مرض وجود. فإن المخالف يقول: إذا كانوا جميعا عدو. فبمن

الصفحة 129
نقتدي. بأبي بكر رضي الله عنه. أم بالصحابة الذين تخلفوا عنه وعلى رأسهم سعد بن عبادة الذي قال يوم السقيفة: " لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي " (1)، وكان سعد لا يصلي معهم (2) ألم يكن سعد يعلم أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية؟. هل نقتدي بسعد بن عبادة أم بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وعمر أمر يوم السقيفة بقتل سعد وقال: " اقتلوه اقتلوه. ثم قام على رأسه وقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك (3)، وعندما تكاتفوا على سعد. قال قائل فيما روى البخاري: " قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتله الله (4)، وبعد ذلك قال سعد لعمر في خلافته بعد وفاة أبو بكر " والله لقد كرهت جوارك " (5)، وخرج سعد مهاجرا إلى الشام ولم يلبث إلا قليلا. حتى قتل. وقيل: إن الجن هم الذين قتلوه!! (6).

وبمن نقتدي بخلافة أبي بكر رضي الله عنه. أم بقول علي بن أبي طالب له: " أفسدت علينا أمورنا ولم تستشر ولم ترع لنا حقا " (7)، وفي رواية عند البخاري قال: " ولكنك استبدت علينا بالأمر. وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا " (8)، أم بوصف عمر فيما بعد لخلافة أبي بكر بأنها فلتة ومن عاد إليها فيجب قتله (9)، وبمن نقتدي يوم جعلها عمر بعد إصابته شورى بين ستة روى أنهم من أهل الجنة. فقد قال: " إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين. وإن خالف ثلاثة ثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم

____________

(1) الطبري 210 \ 3.

(2) الطبري 210 \ 3.

(3) الطبري 210 \ 3.

(4) البخاري (الصحيح 291 \ 2) لبدء الخلق.

(5) ابن سعد في الطبقات (كنز العمال 628 \ 5).

(6) راجع ابن كثير وابن الأثير في أحداث السقيفة.

(7) مروج الذهب \ المسعودي (1 \ 414).

(8) البخاري (الصحيح 56 \ 3) ك المغازي.

(9) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 59 \ 23) وابن أبي شيبة (كنز العمال 649 \ 5)، الطبري (200 \ 3).

الصفحة 130
عبد الرحمن بن عوف (1). بمن نقتدي بمن يأمر بقتل أهل الجنة أم بمن بقي من أهل الجنة. وما رأي المسلمين لو سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر يقول: اقتلوا أهل الشورى الذين روى بأنهم من أهل الجنة. فأي رضا وأي إجماع في الشورى، وكيف يكون مختارا من تهدد بالقتل؟ وبمن نقتدي بعثمان بن عفان أم بالذين خرجوا عليه وهم صحابة. وفيهم من ألب عليه.

وفيهم من قال: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " وفيهم من كان يلعنه كما سنبين ذلك في حينه... بمن نقتدي بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أم بالناكثين وفيهم صحابة. أم بالقاسطين وفيهم صحابة. أم بالمارقين وفيهم صحابة. أم بعلي بن أبي طالب ومن معه وهم صحابة. بمن نقتدي. بمعاوية ابن أبي سفيان أم بعمرو بن العاص وهما من الصحابة؟ من المسؤول عن الدماء التي أريقت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة قليلة. والذين كانوا في صدر المسؤولية جميعا من الصحابة، ويبقى السؤال قائما. هل أوصى الرسول الأكرم لأحد أصحابه بأن يبلغ من بعده. أم ترك الأمة كهباء ضائع في خلاء بعد جهاد طويل في عالم الحرب والسياسة والنفس. هل تركها لتستقر بعد ذلك عند أقدام يزيد بن معاوية ومن على شاكلته. حيث تقطع رؤوس الذين آمنوا وتجلد ظهورهم بكل قسوة وبلا أدنى رحمة. وينتهي الأمر بأن تدخل الأمة في دوائر الذين سبقوها وتتبع سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع؟ إن الذي يقول بذلك. يكون قد تساهل تساهلا كبيرا في حق الله وحق كتابه وحق رسوله.

نحن لا نقلل من شأن الصحابة رضي الله عنهم. ولكن هناك حقيقة لا يجب أن نتعامى عنها: هي إن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب محبة أصحابه لطاعتهم لله. فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم. فإن النبي لا يجامل أحدا.

لقد قيل. أنه صلى الله عليه وسلم أشاد بالصحابة وأنهم كالنجوم وعلى الهدى. وليس معنى ذلك أن أهل الشام على هدى. وإنهم بهداهم حاربوا علي بن أبي طالب وأن قاتل عمار بن ياسر على هدى، والصحيح

____________

(1) قصة الشورى الطبري (33 / 5).

الصفحة 131
في عمار أن الفئة الباغية تقتله. وقال القرآن: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله (1)، وهذا يدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي. فهي مفارقة لأمر الله. ومن فارق أمر الله لا يكون مهتديا. فكيف يكون كل واحد من الصحابة على هدى ولا يخطئون والله تعالى يقول لرسوله: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) (2)، وقال: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) (3)، فكيف يقول الرسول هذا ونحن نقول الصحابة لا يخطؤن؟! إن خير القرون التي جاء ذكرها في الحديث. تصدرها القرن الذي دارت أحداثه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الأحداث هي شر الأحداث. ففي هذا القرن قتل الحسين.

واجتاحت خيول يزيد المدينة. وحوصرت مكة. وشرب الخلفاء الخمور وارتكبوا الفجور وأريقت الدماء. وقتل المسلمون وسبي الحريم. واستبعد أبناء المهاجرين والأنصار. وما كان هذا إلا بسياسة من بعض الصحابة وما جرى إلا تحت أعينهم. ولكي لا تختلط الأمور فنحن نعرف هنا ما هي الصحبة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net