سادساً - تحذيرات:
بعد اكتمال الدائرة التي ستقف في مواجهة دوائر الصد عن سبيل الله. وبعد أن بين الله تعالى العترة الطاهرة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وأن ذروة ذي القربى هم من حرم الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم نكاحه.
وبعد أن فرض مودتهم من البداية إلى النهاية. ولم يفرض الله مودتهم إلا لعلمه المطلق بأنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا. ومودتهم لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقوله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات. قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (2).
وبعد أن فرض سبحانه الصلاة على رسوله والحق رسوله آله به. وفي بعض الروايات أن قوله تعالى: (يس والقرآن الحكيم) (3)، روى أن يس اسم من أسماء النبي (4). وروى في قوله تعالى: (سلام على آل
____________
= من المتواترات (تحفة 272 \ 3) وقال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى ورجالها رجال الصحيح (الزوائد 201 \ 9).
(1) رواه البخاري والضياء في المختارة بسند صحيح (كنز 120 \ 12) وابن سعد والحاكم (كنز 113 \ 12) وأحمد والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن حبان في صحيحه (كنز 113 \ 12).
(2) سورة الشورى: الآية 22 - 23.
(3) سورة يس: الآية 1.
(4) جلاء الأفهام \ ابن القيم ط دار الكتب العلمية بيروت.
يس) (1)، أن آل يس هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم (2)، وقيل: إن الله تعالى لم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولا قال سلام على آل موسى وهارون وقال: " سلام على إل ياسين " يعني أل محمد لأنهم حراس العقيدة الخاتمة التي ترتبط بالقرآن وتلتقي معه عند حوض النبي يوم القيامة. وقيل أيضا إن الله تعالى ذكر الرجوع إليهم فيما خفي على الناس في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3). إن القول بأهل الذكر في هذه الآية ليس اليهود والنصارى كما يزعم البعض. لأن هذا القول أن يدعونا إلى دينهم للاحتكام إليه، وإن المعنى: إن الذكر هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك مبين في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: (فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات) (4)، وقال البعض: المراد بالذكر بالذي أنزله هو الرسول. سمي به لأنه وسيلة التذكرة بالله وآياته وسبيل الدعوة إلى دين الحق. وعلى هذا فالمراد بإنزال الرسول. بعثه من عالم الغيب. وإظهاره لهم رسولا من عنده. بعدما لم يكونوا يحتسبون كما في قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد) (5). وقال البعض: يحتمل أن يكون " رسولا " منصوبا بفعل محذوف والتقدير أرسل رسولا يتلو عليكم "، ويكون المراد بالذكر المنزل إليهم القرآن، وقال البعض: إن " رسولا " هو جبريل. ولكن ظاهر قوله " يتلو عليكم... " يخالف ذلك. والخلاصة: إن الروايات التي فسرت الآية بينت أن الذكر رسول الله وإن عترته أهله.
وروى في قوله عز وجل: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) (6)، إن الآية مكية وعلى هذا فالمراد بقوله: " أهلك " بحسب وقت النزول خديجة زوج
____________
(1) سورة الصافات: الآية 130.
(2) تفسير ابن كثير 20 \ 4، البغوي في تفسيره معالم التنزيل 164 \ 7 ط المنار 1347 ه.
(3) سورة النحل: الآية 43.
(4) سورة الطلاق: الآية 10 - 11.
(5) سورة الحديد: الآية 25.
(6) سورة طه: الآية 132.
النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب، وكان من أهله وفي بيته أو هما وبعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإن القول بأن أهله جميع متبعيه من أمته غير سديد. وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظل يأمر أهله بالصلاة في مكة والمدينة حتى فارق الدنيا. وفي الدر المنثور أخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبد الله بن سلام قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شده أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا (وأمر أهلك بالصلاة) وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يجئ إلى باب علي وفاطمة ثمانية أشهر، وفي رواية تسعة أشهر ويقول: " الصلاة رحمكم الله. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (1)...
وبعد أن فرض سبحانه لذي القربى نصيبهم من المال. فقرن سهمهم مع سهمه وسهم رسوله. فجعلهم بذلك في خير. وجعل الناس في خير دون ذلك.
ورضي لهم ما رضي لنفسه. واصطفاهم فيه فبدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى. (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى). (2) فهذا النصيب من الفئ والغنيمة حقا لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق. بخلاف اليتامى والمساكين الذين ورد ذكرهم في الآية. فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب. وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له أخذه. ولكن سهم ذي القربى إلى يوم القيامة. قائم فيهم للغني والفقير منهم. لأنه لا أحد أغنى من الله عز وجل. فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله سهما. فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم. وكذلك الغني ما رضيه منه لنفسه ولرسوله صلى الله عليه وآله رضيه لذي القربى. وكذلك الصدقة. فكما نزه سبحانه نفسه ونزه رسوله. نزه أهل بيت النبي عنها. فقال: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من
____________
(1) أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري.
(2) سورة الأنفال: الآية 41.
الله) (1)، فلا يوجد في شئ من ذلك أنه عز وجل سمى لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى. لأنه لما نزه نفسه من الصدقة ونزه رسوله نزه أهل بيته. بل حرمها عليهم لأن الصدقة محرمة على محمد وآله. وهي أوساخ أيدي الناس. لا تحل لهم. لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ. فلما طهرهم الله عز وجل. رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه.
بعد كل هذا التطهير. وبعد رباط القرآن الذي لا ينفك عنهم حتى يوم القيامة.
بعد كل هذا حذر ثم حذر وحذر. فقال: " سبعة لعنتهم ولعنهم الله " ومنهم:
" المتسلط على أمتي كالجبروت ليذل من أعز الله، ويعز من أذل الله عز وجل.
والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل " (2)، وعن زيد بن أرقم. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين. أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم (3).
قال في تحفة الأحواذي: أي أنا محارب لمن حاربتم. جعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الحرب مبالغة كرجل عدل (4)، وعن أبي
____________
(1) سورة التوبة: الآية 60.
(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني له طريق عن عائشة إسناده حسن (كتاب السنة 24 \ 1).
(3) رواه الترمذي وقال حديث غريب. وقال في تحفة الأحواذي. قول الترمذي صبيح مولى أم سلمة ليس عوف ذكره ابن حبان في الثقات. ورواه أحمد والطبراني عن أبي هريرة وفيه تليد بن سليمان وفيه خلاف (التحفة 372 \ 10) (الفتح الرباني 106 \ 22) (كنز العمال 96، 97 \ 12)، (مجمع الزوائد 169 \ 9)، ورواه الحاكم وقال هذا حديث حسن من أحاديث أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ورواه الحاكم أيضا عن طريق زيد بن أرقم (المستدرك 149 \ 3)، وقال في كنزل العمال، رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن زيد بن أرقم وأحمد والطبراني والحاكم عن أبي هريرة (كنز العمال 96 \ 97 \ 12)، ورواه الضياء بسند صحيح عن زيد بن أرقم، ورواه عنه ابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه (كنز العمال (640 \ 13)، وذكره ابن كثير في البداية، وقال رواه أحمد (البداية 38 \ 5).
(4) تحفة الأحواذي 372 \ 10.
سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار " (1).
وعلى ذلك تكون الحجة قد أقيمت. فالله سبحانه هو الذي حذر من خطوات الشيطان. وهو سبحانه الذي بين أهداف المشركين في دائرة البخس.
وهو سبحانه الذي بين أهداف المنافقين في دائرة الرجس. كما بين أهداف تيار الذين في قلوبهم مرض. وتيار الذين في قلوبهم زيغ. ولما كانت الأمة ستجد مشاكل على الطريق يضعها أناس من جلدتهم يتكلمون بألسنتهم ويدعون إلى النار من أجابهم قذفوه فيها. ولما كان عدم وجود دليل للأمة يرشدها مع كتاب الله إلى الطريق الحق. يعتبر حجة لهم يوم القيامة. أقام الله حجته حتى لا يكون للناس عليه حجة يوم القيامة، ولا إكراه في الدين. فالحق حق وإن تركه الناس. والباطل باطل وإن التزموا به.
____________
(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 150 \ 3).
|