متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
* 3 - استهداف القوة العسكرية
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - استهداف القوة العسكرية:

القتال في الإسلام، عموده الفقري الدفاع عن الفطرة. ولأنه على طريق

____________

(1) تفسير ابن كثير: 387 / 2.

(2) سورة التوبة: الآية 110.

(3) تفسير ابن كثير: 391 / 2.

(4) المصدر السابق: 391 / 2.

(5) سورة البقرة: 93.


الصفحة 72
الفطرة فإنه يكره الاعتداء، قال تعالى: * (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * (1). وقال: * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * (2). القتال في الإسلام له قانون، وهذا القانون للفطرة ومن أجلها.

ولقد دأب أعداء الفطرة في وضع العراقيل أمام القوة الإسلامية حتى لا يشتد ساعدها. في مكة استهدفوا الأجساد التي لم يكتب عليها القتال بعد، أرادوا لها أن تخاف وأن تتقوقع. وفي المدينة حشدوا الحشود وتعاونوا مع أعداء الدعوة في كل مكان للقضاء على القوة العسكرية الناهضة، ورد الله كيدهم. وبدأ أصحاب برنامج الشيطان، يعتمدون على ورقة النفاق تلك الورقة التي اخترق أصحابها الصف الإسلامي. واستطاعوا أن يبثوا ثقافتهم بين المسلمين. وكان في الصف الإسلامي سماعون لهم، وهؤلاء السماعون استطاعوا أن يجعلوا من القوة الواحدة فئتين فئة تعطي أصواتها للمنافقين والأخرى ترفض الانصات وتطالب بقتال المنافقين الذين انسحبوا من أرض المعركة. باختصار كان للمنافقين أثرا بالغا في تعريض القوة المسلحة الإسلامية للعديد من الضربات.

وبإلقاء نظرات على عمليات التخريب الكبرى التي قام بها المنافقون، نجد أنهم كانوا أسرع الناس في التخلف والقعود عن الجهاد، واستئذان الجنود في التخلف والقعود من غير عذر، جريمة في حق الفطرة. يقول تعالى: * (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين) * (3)، فالمؤمن يقف على أرضية العبادة الحق، التي تجعله على بصيرة من وجوب الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه. ولما كانت معارك الإسلام يتقدمها عمليات للاستطلاع وعليها يتم تقدير الموقف وعليه يتم تنظيم التعاون بين القوات المشتركة. فإن الاستئذان بعد هذه الإجراءات أو أثناء المعركة نفسها، يترتب عليه إعادة التنظيم وبهذا يكون ضياع الوقت في صالح العدو. أو إتاحة

____________

(1) سورة البقرة: الآية 190.

(2) سورة المائدة: الآية 2.

(3) سورة التوبة: الآية 44.

الصفحة 73
الفرصة للقوات المعادية للتقدم وإجراء عمليات الالتفاف والتطويق في المناطق التي أخليت عن طريق الذين استأذنوا أو انسحبوا. وحركة النفاق كان الاستئذان والانسحاب أصل أصيل فيهم، قال تعالى: * (إنما تستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) * (1). فالمنافق لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر يكون فاقدا لصفة التقوى، فخروجه مع المؤمنين يكون من باب النفاق. وعلى امتداد خروجه يتردد في دائرة عريضة مادتها التذبذب والارتياب.

فهو يريد مغنما ما، وفي نفس الوقت لا يريد أن يموت، ثم يأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب بما يحقق أمن الفرد وأمن الدائرة.

وفي غزوة أحد، كان مؤسس المسجد الضرار يطوف على جبابرة قريش في مكة لتعبئتهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما تم حشد القوة الإسلامية وبدأ التوجه إلى أحد، انسحب المنافقون وكانت قواتهم تقدر بثلث الجيش (2) ولم يؤثر فيهم أي موعظة وإلحاح. ويقول تعالى في اعتذارهم يومئذ:

* (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان) * (3). قال المفسرون: رجع المنافقون أثناء توجه المسلمون إلى أرض المعركة فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإتيان والقتال والمساعدة. فإن لم يكن في سبيل الله فليدفعوا عن أولادهم وحريمهم وأنفسهم. فتعللوا قائلين: لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم. ولكن لا تقاتلون قتالا. وقولهم هذا جعلهم من الكفر الصريح أقرب (4). وهذا العمل الذي يلتقي مع عمليات حشد مؤسسي المسجد الضرار في نقطة واحدة، كان أحد الأسباب العاملة لانهزام المسلمين يومئذ. وإذا كانت دائرة النجس قد نسقت بصورة أو بأخرى مع الأطراف في مكة يوم أحد فإنهم نسقوا أيضا مع يهود بني النضير بالمدينة. روي أن بني النضير تآمروا على قتل

____________

(1) سورة التوبة: الآية 45.

(2) تفسير ابن كثير: 532 / 1.

(3) سورة آل عمران: الآية 167.

(4) الميزان: 60 / 4.

الصفحة 74
النبي صلى الله عليه وسلم. فأخبر الوحي النبي ما هم به يهود بني النضير. فبعث إليهم النبي أن أخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها. فبدأوا يتجهزون للخروج، فأرسل إليهم عبد الله بن أبي زعيم المنافقين، أن لا تخرجوا فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم ويموتون دونكم، وسينصركم بنو قريظة وحلفاؤكم من غطفان. ولم يتركهم حتى أقنعهم وأرضاهم فبعث اليهود إلى النبي صلى الله عليه سلم: إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك. فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبر أصحابه. وساروا إليهم وأحاطوا بديارهم (1). قال تعالى: " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون) * (2).

لقد ربط القرآن بينهم بأخوة واحدة لاشتراكهم في اعتقاد أو صداقة. ولم يف المنافقون بما وعدوا به إخوانهم من أهل الكتاب، لقد ساندوهم فقط بالقول نظرا لأن عدوهما واحد. وكل منهما وقف خلف جدار الآخر، كل طرف يتمنى أن يبادر صاحبه بإتمام المهمة التي عليه بصمات الشيطان. ولما كانت حركة النفاق مهمتها التخريب والتأليب وتعريض الصف الإسلامي القتالي للخطر. فإن الله تعالى زهدهم في الخروج، يقول تعالى: * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) * (3). قال المفسرون:

لو أرادوا الخروج لأعدوا له العدة. ومن الإعداد الاعتقاد الصحيح والإيمان الحق. ولأنهم لم يعدوا العدة ولم يتأهبوا لها، كره الله خروجهم فزهدهم فيه لئلا يفسدوا جمع المؤمنين (4).

لقد زهدهم الله في الخروج لأن في خروجهم كارثة، ولم يقتصر خروجهم

____________

(1) الميزان: 208 / 19.

(2) سورة الحشر: الآية 11.

(3) سورة التوبة: الآية 46.

(4) الميزان: 290 / 9.

الصفحة 75
على الانسحاب والاستئذان. وإنما كانوا يلقون بالفتن ليفرقوا كلمة المسلمين.

وذلك عن طريق الذين كانوا يسمعون لهم، قال تعالى: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) * (1). قال المفسرون: وفيكم سماعون لهم: أي مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم.

فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير (2). وقيل: * (وفيكم سماعون لهم) * السماع: أي السريع الإجابة والقبول (3). وإذا كان القرآن قد أشار إلى جماعة أو أفراد يسمعون للمنافقين. فإنه في موضع آخر يبين أن المؤمنين في وقت ما انقسموا إلى فئتين لكل فئة رأي في المنافقين، قال تعالى مخاطبا المؤمنين: * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا تريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * (4). قال المفسرين: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه. فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين. فرقة تقول: نقتلهم. وفرقة تقول: لا. وهم المؤمنون فأنزل الله * (فما لكم في المنافقين فئتين) * (5). وقال تعالى منكرا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين، أنه سبحانه أركسهم بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل. أتريدون أن تهدوا من لا طريق له إلى الهدى، وهم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم (6).

فالمنافقون وضعوا العراقيل العديدة، ولكن الذين آمنوا استطاعوا بإيمانهم الراسخ أن يعبروا هذه العقبات نظرا لتمسكهم بتعليمات النبي صلى الله عليه

____________

(1) سورة التوبة: الآية 47.

(2) تفسير ابن كثير: 361 / 2.

(3) الميزان: 290 / 9.

(4) سورة النساء: الآية 88.

(5) تفسير ابن كثير: 532 / 1.

(6) تفسير ابن كثير: 533 / 1.

الصفحة 76
وسلم. ولم يؤثر كيد النفاق، كما لو يؤثر كيد المشركين من قبل. ولقد حاول النفاق أن يبث ثقافة القعود عن الجهاد، بعد أن نال المسلمين من أعدائهم كل نيل ولكن هذه المحاولة هي الأخرى باءت بالفشل. وبث ثقافة القعود وصلت إلى ذروتها عند التحضير لغزوة تبوك. تلك الغزوة التي حاولوا فيها قتل النبي صلى الله عليه وآله وانتهوا قبلها من تشييد المسجد الضرار. ولقد هدد القرآن الكريم الذين تثاقلوا عن الجهاد وقتئذ بالعذاب الأليم إذ لم ينفروا إلى الله. قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا) * (1).

قال المفسرون: هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر (2). ومعنى الآية: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم يصرح باسمه صونا وتعظيما - اخرجوا إلى الجهاد أبطأتم. كأنكم لا تريدون الخروج، أقنعتم بالحياة الدنيا راضين بها من الآخرة. فما متاع الحياة الدنيا بالنسبة إلى الحياة الآخرة إلا قليل (3). ثم هددهم الله تعالى بالعذاب والاستبدال. ولا يضروه شيئا بتوليهم عن الجهاد.

وإذا كانت ملامح النفاق تبدو واضحة على طريق أحد وتبوك، فإن آخر جولاتهم كانت والنبي صلى الله عليه وسلم على فراش المرض. فلقد أمر عليه الصلاة والسلام بأن ينتظم الجيش تحت قيادة أسامة لإنجاز مهمة قتالية، ووضع النبي أكابر الصحابة تحت قيادة أسامة، وأمرهم بالخروج (4). ولكن النفاق مارس مهمته المعتادة يقول ابن حجر في فتح الباري (5): طعن المنافقون

____________

(1) سورة التوبة: الآية 38 - 39.

(2) تفسير ابن كثير: 357 / 2.

(3) الميزان: 278 / 9.

(4) بعث أسامة في البخاري (303 / 2)، ومسند أحمد (الفتح الرباني: 222 / 21).

(5) فتح الباري: 180 / 13.

الصفحة 77
في إمارة أسامة. وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوا، جلس على المنبر وقال: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه في قبل..

وحثهم على الخروج. ولم يخرج البعث إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net