متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
* 2 - استهداف الدعوة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

* 2 - استهداف الدعوة:

استهدف كتاب الدعوة منذ يوم الانذار الأول، فقالوا أساطير الأولين.

وغير ذلك من أقوالهم التي تصدى لها القرآن ونسفها نسفا ورد كيدهم إلى نحورهم. وعندما لم يستطيعوا النيل من كتاب الله، استهدفوا الدعوة من خلال

____________

(1) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني: 202 / 21).

(2) سورة الأعراف: الآية 40.

(3) سورة الأنعام: الآية 158.

(4) لسان العرب: ص 3808.

الصفحة 69
حركتها وشعائرها بواسطة المنافقين، لضربها وضرب قوتها في وقت واحد. كان الجهاز التخريبي يدخل للصلاة وهدفه لا يعرف طريق الاهتداء، وبلغت ذروة الاستهداف للدعوة في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك عندما قاموا ببناء مسجد مهمته تخريب الصف الإسلامي وبث ثقافة معادية للدعوة، ووضع بذور بواسطتها تظهر الأحزاب والمذاهب بين المؤمنين.. فكل هذا تحت سقف مسجد يرفع عليه الآذان، وهذا العمل اشترك فيه جميع أتباع برنامج الشيطان، من مشركين وأهل كتاب وعلى رأس الجميع قيصر الروم. وقد كان مقدرا أن يعمل مسجدهم هذا في الفترة الزمنية التي حدثت فيها غزوة تبوك. لقد فرغوا من البناء قبل الغزوة، ثم وجهوا الدعوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كي يفتتح المسجد بالصلاة فيه. لكن الله عصمه، وبعد العودة من تبوك حدثت محاولة الاغتيال. باختصار كانت هذه الفترة الزمنية، فترة عصيبة لا يرى حجم الخطورة فيها إلا بتجميع أحداثها.

لقد أقاموا مسجدا، وهم الذين قال فيهم الله تعالى: * (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) * (1). فالإنفاق منهم لغو لا يترتب عليه أثر. وهم فاسقون والله لا يقبل عمل الفاسقين، قال تعالى: * (إنما يتقبل الله من المتقين) (2)، والتقبل أبلغ من القبول. وقال فيهم أيضا: * (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (3). وقال تعالى: * (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) * (4). لقد كانوا يحاربون معركة سرية غايتها أن ينالوا رضى المؤمنين، وتحت هذه اللافتة يتم المخطط الإجرامي. ولكن آيات الله وقفت لهم بالمرصاد، وأخبرت أن الواجب على كل مؤمن أن يرضي الله ورسوله. ولا يحاد الله ورسوله، لأن في هذا خزيا عظيما. وأخبر سبحانه أن حلفهم هذا كان من أجل

____________

(1) سورة التوبة: الآية 53.

(2) سورة المائدة: الآية 27.

(3) سورة التوبة: الآية 96.

(4) سورة التوبة: الآية 62.

الصفحة 70
صرف المؤمنين عنهم ليأمنوا الذم، فأمر جل شأنه بالإعراض عنهم لأنهم رجس ولا ينبغي لنزاهة الإيمان وطهارته، أن يتعرض لرجس النفاق والكذب، وقذارة الكفر والفسق. وأخبر تعالى، إنكم إن رضيتم عنهم، فقد رضيتم عمن لم يرض الله عنه. أي رضيتم بخلاف رضا الله، ولا ينبغي لمؤمن أن يرضى عما يسخط ربه.

فهؤلاء الذين لم يرض عنهم الله بنوا مسجدا لهدف، قال تعالى: * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد أنهم لكاذبون) * (1).

قال المفسرون: بين الله تعالى أهداف هذه الطائفة من المنافقين في اتخاذ هذا المسجد وهو:

* الإضرار بغيرهم * والكفر * والتفريق بين المؤمنين * والإرصاد لمن حارب الله ورسوله. والقصة التي اتفق عليها أهل النقل: إن رجلا يقال له أبو عامر الراهب كان يعيش بالمدينة. وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة فارا إلى كفار مكة، يمالئهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك بعد غزوة بدر، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا يوم أحد. وقام أبو عامر بحفر حفر بين الصفين، وقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأصيب ذلك اليوم. فجرح وجهه الشريف. وشج رأسه صلى الله عليه وسلم. ولما فرغ الناس من أحد، ولم ينل المجرمون من النبي ودعوته شيئا، ذهب أبو عامر إلى هرقل ملك الروم، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم. فوعده ومناه، فكتب إلى جماعة من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم إنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ويغلبه ويرده عما هو فيه. وأمرهم أن يبنوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك. فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

____________

(1) سورة التوبة: الآية 107.

الصفحة 71
تبوك. وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته. فعصم الله رسوله من الصلاة فيه فقال لهم " إنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " فلما قفل عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك نزل عليه جبريل يخبر بالمسجد الضرار (1) كما أخبره بمحاولة الاغتيال. فأمر النبي بهدم المسجد وحرقه، وحرق الرمز كي يتدبر المتدبرون في أحداثه ورماده ودخانه. ويبقى سؤال، هل انتهى المسجد؟

والإجابة في كتاب الله. قال تعالى: * (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) * (2). قال المفسرون: روي أن مكان المسجد الضرار كانت توجد حفرة بها حجر يخرج منه دخان (3). والمسجد اليوم مزبلة.

وقال ابن كثير في تفسير الآية: * (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) * أي شكا ونفاقا بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع، أورثهم نفاقا في قلوبهم.

كما أشرب عابدو العجل حبه. وقوله * (إلا أن تقطع قلوبهم) * أي بموتهم (4).

وقال البيضاوي في تفسير: رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه من قلوبهم.

فأتباع السامري قال فيهم تعالى: * (واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) * (5) وأتباع المسجد الضرار قال فيهم الله * (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) * إن البصمة هنا وهناك على القلوب.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net