3 - برنامج الشيطان:
ذكرنا أن الامتحان سنة إلهي. ولقد سمى الله تعالى هذا الامتحان في كتابه:
بلاء وابتلاء وفتنة. فقال جل شأنه: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) (3)، وقال: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) (4)، وقال:
(ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) (5)، وقال:
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (6). إن الأرض مساحة للامتحان. والإنسان عليها يمتحن بكل جزء من أجزاء العالم، وكل حالة من حالاته التي لها صلة به.
والشيطان الرجيم، لما لعنه الله وطرده نظير معصيته. أخذ على عاتقه إغواء أكثر الناس، فتسلل بإغوائه إلى كل مجال يختبر فيه الإنسان من الله، فإذا كان سبحانه قد جعل ما على الأرض زينة، فإن الشيطان التف حول هذه الزينة بزينة أخرى كاذبة. وإذا كان الله تعالى قد ابتلى عباده بالشر والخير، فإن الشيطان التف حول الشر ليزينه، وحول الخير ليزهد الناس فيه، وإذا كان مجال الاختبار ليعلم سبحانه المجاهدين والصابرين، تسلل الشيطان إلى هذه المساحة، ليكون أكثر
____________
(1) سورة يونس: الآية 13 - 14.
(2) سورة ياسين: الآية 12.
(3) سورة الكهف: الآية 7.
(4) سورة الأنبياء: الآية 35.
(5) سورة محمد: الآية 31.
(6) سورة آل عمران: الآية 142.
الناس في ضلال مبين. وهكذا تسلل الطريد إلى مائدة الامتحان. مهمته أن يدعو فقط إلى الضلال وقد زينه، وهو يدعو فقط لأنه لا يستطيع أن يجبر الناس على معصيته، ولما كانت حركة الشيطان على الأرض هكذا، فإن تسليط بعض من الضوء على البداية، قد يفيد لمعرفة منهجه في الاغواء والتزيين.
خلق الله تعالى آدم عليه السلام، وأمر بالسجود له، فسجد الملائكة، وكان إبليس من الجن وداخل فيهم، فأبى أن يسجد فخاطبه تعالى: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين) (1) فجاء الرد الذي تحتوي كلماته على منهج الشيطان الكامل (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) (2)، لقد أكله الحسد وهو الذي شاهد المقدمة حيث التراب والطين والصلصال. وعندما عاين العلم والحركة والحياة كنتيجة للمقدمة، دفعه الحسد إلى المقدمة حيث الحمأ المسنون متعاميا عن النتيجة استكبارا عليها. إنه الصغار والجمود بعينه، ودعوة أولى لرفض النظر في آيات الله. وفي اعتراض الشيطان تلويح، بأن الأمر الإلهي إنما يطاع إذا كان حقا والأمر بالسجود لآدم ليس حقا.
والمتدبر في آيات الله، يجد أن الشيطان قبل رفضه السجود لآدم، كانت حجة الله قد دثرته. وهذه الحجة أن الله تعالى أمره فيمن أمر بالسجود، فالأمر حجة بذاته. وخروج الشيطان عنه هو خروج باختيار وليس عن جبر. كما يجد المتدبر أيضا أن في ردود الشيطان على الله تعالى، لم تكن ردودا جوفاء، وإنما تحمل منهجا كاملا في الضلال وهذا المنهج له مهمة واحدة، هي الصد عن العبادة الحق.
ومن أجل هذا اعتمد المنهج على عمود يفصل أنبياء الله ورسله عليهم السلام عن أبناء آدم فلا يصل إليهم الهدى. وعمود يعمل على الصراط المستقيم من أجل إعاقة الطريق أمام الفطرة حتى لا تصل إلى غايتها الحق. وعمود يعمل على إرساء قواعد الشذوذ ومهمته تصفية كل ما هو طاهر على امتداد المسيرة البشرية بعد رحيل
____________
(1) سورة ص: الآية 75.
(2) سورة ص: الآية 76.
الأنبياء والرسل. ودق أوتاد الشذوذ واعتبار الخارج عنها خارج على القانون.
باختصار يعتبر برنامج الشيطان قاعدة أساسية ينطلق منها قطاع الطرق على امتداد التاريخ.
|