متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - نظرات على طريق الابتلاء
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - نظرات على طريق الابتلاء:

إن عبور الحياة الدنيا إلى الآخرة تعلو جسوره مظلات الابتلاء والفتن.

فالامتحان ناموس إلهي على امتداد هذه الجسور، وهذا الامتحان لا يستثني منه المؤمن والكافر والمحسن والمسئ. وامتحان الله يكون لإظهار صلاحية الإنسان الباطنية من حيث استحقاق الثواب والعقاب. ويكشف به تعالى للمؤمنين حال المنافقين وهم يعبرون جسر الحياة إلى الآخرة. كما إنه يقوي الإنسان المؤمن لاجتياز هذا الجسر. وكما يمتحن الله الفرد يمتحن سبحانه الأمة قال تعالى (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم) (3).

إن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة لها شريعة واحدة. ولكنه تعالى جعل للناس شرائع مختلفة، ليمتحنهم فيما آتاه من النعم المختلفة التي لا تحصى ولا تعد. فاختلاف النعم يستدعي اختلاف الامتحان (4). وعلى امتداد هذا الامتحان الذي هو في الوقت نفسه امتداد الحياة الدنيا، يموت الفرد ويأتي الآخر، وتموت

____________

(1) سورة النجم: الآية 39 و 40.

(2) سورة فصلت: الآية 21.

(3) سورة المائدة: الآية 48.

ب (4) الميزان: 353 / 5.

الصفحة 21
الأمة وتأتي الأخرى قال تعالى: (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (1).

إن الأجل في هذه الآية أضيف إلى الأمة، إلى الوجود المجموعي للناس، لا إلى هذا الفرد بالذات. إن هناك أجل آخر وميقات آخر للوجود الاجتماعي لهؤلاء الأفراد، للأمة بوصفها مجتمعا ينشئ ما بين أفراده العلاقات والصلات القائمة على أساس مجموعة من الأفكار والمبادئ. هذا المجتمع الذي يعبر عنه القرآن بالأمة له أجل، وله موت، له حياة، له حركة، وكما أن الفرد يتحرك فيكون حيا ثم يموت، كذلك الأمة تكون حية ثم تموت. وكما أن موت الفرد يخضع لأجل ولقانون ولناموس كذلك الأمم أيضا، لها آجالها المضبوطة (2) (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم * ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) (3).

إن الأمم تموت، وتأتي أمم أخرى. أعلام تسقط وأعلام ترفع. وعلى امتداد الرحلة يكون في السلف عبرة للخلف، ويكون في الماضي زاد للحاضر يبصر به الطريق الواضح إلى المستقبل. والقرآن الكريم حث الإنسان كي ينظر إلى الخلف حيث ساحة الاعتبار. ليكون الاعتبار له زاد، قال تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) * (4).

لقد أهلكوا وسبب الهلاك الذنوب، وفي هذا دلالة على أن للسيئات والذنوب دخلا في البلايا والمحن العامة، كما أن الحسنات والطاعات لها دخل في إفاضة النعم ونزول البركات. وقال تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت

____________

(1) سورة يونس: الآية 49.

(2) المدرسة القرآنية / باقر الصدر: 56.

(3) سورة الحجر: الآية 4 - 5.

(4) سورة الأنعام: الآية 6.

الصفحة 22
معيشتها) * (1) أي طغت في معيشتها وقال تعالى: * (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) * (2).

إن الماضي حجة على الحاضر والحاضر حجة على المستقبل. ولا يسمع الصم الدعاء. إن الأمة تأتي لينظر إليهم كيف يعملون. ورسل الله عليهم السلام حثوا أقوامهم وذكروهم بمن سبق كي يبصروا وقع أقدامهم وهم يعبرون الجسر إلى الآخرة.

فهذا هود عليه السلام يقول لقومه: (واذكروا إذا جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) (3).

وهذا صالح عليه السلام يقول لقومه: (واذكروا إذا جعلكم خلفاء من بعد عاد) (4).

والنظر إلى الخلف لا يعني التغني بوثنية من سبقونا، إنما البحث في عوامل انهيارهم كي يتجنب الحاضر ما وقع فيه الماضي. فلعل الماضي يكون قد أركس في فتنة. فإذ لم يتبين الحاضر خيوطها وسار على منوالهم، كان في حقيقة الأمر امتدادا للفتنة وإن لم يشارك فيها. وكما أن في الماضي زادا للحاضر يعبر به جسور الحياة. فإن الحاضر وهو تحت الامتحان عبرة للمستقبل. فهذا موسى عليه السلام يقول لقومه: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (5). لقد ذهبت أمة، وجاءت أخرى ليجري عليها الاختبار الذي يكون زادا للمستقبل. وأمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم. يخاطبها سبحانه فيقول: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءت رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين * ثم جعلناكم خلائف في الأرض من

____________

(1) سورة القصص: الآية 58.

(2) سورة القصص: الآية 59.

(3) سورة الأعراف: الآية 69.

(4) سورة الأعراف: الآية 74.

(5) سورة الأعراف: الآية 129.

الصفحة 23
بعدهم لننظر كيف تعملون) (1).

إن المسيرة سائرة، تدثرها الحجة من كل مكان. وكل خطوة وكل همسة محسوبة ومكتوبة. يقول تعالى: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net