أولاً : صلة الأرحام
من السنن الالهية المودعة في فطرة الإنسان هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه ، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوى فيها أبناء البشر ، فالحب المودع في القلب هو العلقة الروحية المهيمنة على علاقات الإنسان بأقاربه ، وهو قد يتفاوت تبعاً للقرب والبعد النسبي إلاّ أنّه لايتخلّف بالكلية .
ولقد راعى الإسلام هذه الرابطة ، ودعا إلى تعميقها في الواقع ، وتحويلها إلى مَعلَم منظور ، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية إلى حركة سلوكية وعمل ميداني .
فانظر كيف قرن تعالى بين التقوى وصلة الأرحام ، فقال : (... واتّقُوا اللهَ الذي تَساءَلُونَ بهِ والارحامَ إنّ اللهَ كانَ عليكُم رقيباً ) (1).
وذكر صلة القربى في سياق أوامره بالعدل والاحسان ، فقال : ( إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاء ذِى القُربى وينَهى عن الفحشَاءِ والمنكرِ والبَغي يَعظُكُم لعلّكُم تَذكَّرونَ ) (2).
وبالاضافة إلى الصلة الروحية دعا إلى الصلة المادية ، وجعلها مصداقاً للبرّ، فقال تعالى : (... ولكنَّ البِرَّ مَن... آتى المالَ على حُبّه ذوى القُربى ____________ 1) سورة النساء : 4 | 1 . 2) سورة النحل : 16 | 90 .
===============
( 103 )
واليَتَامى والمسَاكِينَ وابنَ السَّبيلِ والسَّآئلينَ وفي الرقابِ وأقامَ الصَّلاةِ وءاتَى الزَّكاةَ والمُوفُونَ بِعَهدِهِم إذا عاهَدُوا والصَّابرينَ في البأسآءِ والضَّرَّآءِ وَحِينَ البأسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وأُولئكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) (1).
وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الالهية فقال : ( فَهل عَسَيتُم إن تَولَّيتُم أن تُفسدُوا في الأرضِ وتُقطّعُوا أرحامَكُم * أولئكَ الَّذينَ لَعنَهُم اللهُ فأصمّهم وأعمَى أبصارَهُم ) (2).
صلة الأرحام في الأحاديث الشريفة :
لقد دعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل البيت عليهم السلام إلى صلة الأرحام في جميع الأحوال ، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً على الأواصر والعلاقات ، وترسيخاً لمبادىء الحب والتعاون والوئام .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « إنّ الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافىء ، ولكن الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها » (3).
وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : (أوصاني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن أصل رحمي وإن أدبَرَت) (4) .
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « صلوا أرحامكم وإن قطعوكم » (5). ____________ 1) سورة البقرة : 2 | 177 . 2) سورة محمد : 47 | 22 ـ 23 . 3) جامع الأخبار | السبزواري : 287 ـ مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم ـ 1414 هـ ط1 . 4) الخصال | الصدوق 2 : 345 | 12 ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ 1403 هـ . 5) بحار الانوار 74 : 92 .
===============
( 104 )
ومما جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث الشريف أنها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ، وأنها أعجل الخير ثواباً ، وأنها أحبّ الخطى التي تقرب العبد إلى الله زلفى ، وتزيد في ايمانه .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ من عفا عمن ظلمه ، ووصل من قطعه ، وأعطى من حرمه »(1).
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ، وأسرع الشر عقاباً البغي »(2).
وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) : « ما من خطوة أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من خطوتين : خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله ، وخطوة إلى ذي رحم قاطع » (3) .
وقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) : « صلة الارحام وحسن الخلق زيادة في الايمان » (4) .
ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) حقوق الأرحام تبعاً لدرجات القرب النسبي ، فيجب صلة الأقرب فالأقرب ، فقال : « وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة ، فأوجبها عليك حقّ أُمك ، ثم حقّ أبيك ، ثم حقّ ولدك ، ثم حقّ أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأول ____________ 1) جامع الأخبار : 287 . 2) جامع الاخبار : 290 . 3) الخصال 1 : 50 | 60 . 4) جامع الاخبار : 290 .
===============
( 105 )
فالأول » (1) .
وتتجلى مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير والزيارات المستمرة وتفقد أوضاعهم الروحية والمادية ، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم ، وكفّ الأذى عنهم .
ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها ، فقال : « ألا لا يعدلنَّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه ، ولا ينقصه إن أهلكه ، ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة ، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودة » (2).
وأدنى الصلة هي الصلة بالسلام ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « صلوا أرحامكم ولو بالسلام » (3).
وأدنى الصلة المادية هي الاسقاء ، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «صل رحمك ولو بشربة ماء... » (4).
ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذى عنهم ، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : « عظّموا كباركم ، وصلوا أرحامكم ، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذى عنهم » (5). ____________ 1) تحف العقول : 183 . 2) نهج البلاغة : 65 ، الخطبة : 23 ، تحقيق صبحي الصالح . 3) تحف العقول : 40 . 4) بحار الأنوار 74 : 88 . 5) الكافي 2 : 165 .
===============
( 106 )
قطيعة الأرحام في الأحاديث الشريفة :
الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام ، لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى التقاطع والتدابر ، لأنها تؤدي إلى تفكيك أواصر المجتمع ، وخلخلة صفوفه ، فحرّم قطيعة الرحم ، وجعلها موجبة لدخول النار والحرمان من الجنّة .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم » (1).
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة : قاطع رحم ، وجار السوء » (2) .
وقطيعة الرحم موجبة للحرمان من البركات الالهية ، كنزول الملائكة وقبول الأعمال .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « إنّ الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم»(3) .
وقال (صلى الله عليه واله وسلم) : « إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ عشية خميس ليلة الجمعة ، فلا يقبل عمل قاطع رحم » (4).
وقطيعة الرحم من الذنوب التي تعجّل الفناء ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ____________ 1) الخصال 1 : 179 | 243 . 2) كنز العمال 3 : 367 | 6975 . 3) كنز العمال 3 : 367 | 6974 . 4) كنز العمال 3 : 370 | 6991 .
===============
( 107 )
« الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم » (1).
وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يتخوف على المسلمين من قطيعتهم لأرحامهم ، وكان يقول : « إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين ، ومنع الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتّخذوا القرآن مزامير ، تقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين » (2) .
ومقابلة القطيعة بالقطيعة ظاهرة سلبية في العلاقات ، وهي موجبة لعدم رضا الله تعالى عن الجميع ، ففي رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : (يا رسول الله ، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة ، فأرفضهم ؟) قال (صلى الله عليه واله وسلم) : « إذن يرفضكم الله جميعاً » قال : كيف أصنع ؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم) : « تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمَّن ظلمك ، فانك إذا فعلت ذلك ، كان لك من الله عليهم ظهير » (3).
|