متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
36 ـ الشيخ مهدي المصلي (عزائم الأبطال)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

36 ـ للشيخ مهدي المصلّي (1)

عزائم الابطال

ليلةٌ أسهرت عيـون الليالـــي * لتُرينـا عزائــمَ الأبطـــالِ
وتُرينا الشموسَ تفتــرسُ الليـ * ـلَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ
وتُرينا التاريخَ أشـرقَ فيـــه * عقدُ نورٍ مرصّـعٍ باللآلـــي
وتُرينا الإنسانَ يسمو على النجـ * ـمِ مناراً ورجلُهُ فـي الرمـالِ
وتُرينــا الليلَ الذي يلـد الفجـ * ـرَ فيهوي ظلامُـهُ للــزوالِ
فيها عصبةٌ تُسبـــحُ بالحـمـ * ـدِ فتذكي شوامــخَ الآمــالِ
في دويٍّ كالنهـرِ يملـؤُهُ التسـ * ـبيحُ ينسابُ من رُبى شَــلاّلِ
في جلالٍ كنسمةِ الفجرِ هبّــت * لتبُثَّ الحيـاةَ فــي الآصــالِ
والحسينُ الشهيدُ يفتحُ بـابـــاً * في زوايا المسيرِ والترحـــالِ
إنما شخصيَ المرادُ فسيـــروا * ودعوا ساحةَ القنا والنصـــالِ

____________
(1) هو : الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي بن الحاج حسن بن الحاج عيسى المصلّي ، ولد في سنة 1383 هـ في جزيرة تاروت ـ القطيف ، أكمل شطراً من الدراسة الأكاديمية ، ثم التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة سنة 1400 هـ ، ثم واصل دراسته الحوزوية متنقلاً بين القطيف والأحساء وسوريا ، ولا يزال يواصل مسيرته العلمية في النجف الأشرف ، ومن مؤلفاته 1 ـ رسالة في غسل الوجه ( استدلالية ) ( مطبوعة ) 2 ـ الأصول النقية ( مخطوط ) 3 ـ ديوان شعر ( مخطوط ) وله كتابات أخرى ، وله مشاركات فعالة في النوادي الثقافية الدينية والادبية.

===============

( 378 )

فإذا بالقلوبِ تنطـــقُ إنّـــا * بمواضي سيُوفِهم لانُبــالـــي
إنما الموتُ يفتحُ البابَ للخــلـ * ـدِ فتُمحى عظـائمُ الأهـــوالِ
إنّنا نعشقُ الشهادةَ في الحـــقِّ * وإن مُثِّلَـتْ بألـــفِ مِثـــالِ
وسنبقى حولَ الحسيــنِ سِياجـاً * من قلوبٍ لا من سيوفٍ صقــالِ
فالقلـوبُ الولهى أحدُّ من السيفِ * وأقوى من الــدروعِ الثقـــالِ
والفؤادُ المجروحُ يعصفُ كالاعـ * ـصارِ يمحو ثوابـــتَ الآجالِ
والجريحُ المظلومُ لا يَرهبُ الموتَ * إذا ما دعاهُ داعــي النِّـــزالِ
إنَّما المـوتُ خطوةٌ لجنانِ الخلـ * ـدَ أو رشفةٌ مـن السلســـالِ
حبَّذا الموتُ في سبيلِكَ يــا سِـ * ـبْطُ ويا حَبَّذا مروعُ القتـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا * نَ سيُحي ضمائـرَ الأجيـــالِ
ليس في المـوتِ ما يُخيفُ إذا كا * نَ طريقاً الى جَميـل المـــآلِ
رايةٌ قَلبُها الحسيــنُ تَشـــقُّ * الحشرَ شقاً الى عظيـمِ النَّــوالِ
وقلوبٌ حُـبُّ الحسيــنِ يناغيـ * ـها تغذَّت حياتُهـا بالـــزّلالِ
حُبُّهم مصدرُ الـرواءِ وأسّ الطُـ * ـهرِ والخيرِ والهدى والجمــالِ
في سبيل الحسين ما أنتَ يا موتُ * سوى يـومِ رحلــةٍ للكمـــالِ
ليس أغلى من الحيـاة ولكــن * لك غالي أرواحِنــا والعيــالِ
كلُّ غالٍ تَملَّكَ القلــبَ حُبــاً * في سبيل الحسينِ ليـسَ بغالــي

مهدي المصلي
12 / 11 / 1416
تاروت ـ القطيف




===============

( 379 )

الشيخ مهدي المصلّي

تتدفق الصور في قصيدة المصلّي ببراءة إبداعية متصاعدة في الكشف عن أحداث ليلة عاشوراء ، فهو حريص على التسجيل والتوثيق لكن عبر عينيه المفتوحتين على ماوراء الظاهر والسطحي والمألوف لنشاركه كشوفه وإرتياداته لدروب الحقيقية والمصير البشري عبر ليلة نوعية في حسابه لليالي التي مرّت ولا زالت تمرّ وستبقى تمرّ كاشفة لنا بؤس المصير لغير المرتبطين بسموّ الحقائق المطلقة ، السائرين في متاهات السراب والخواء والجدب ، فنرى المصلّي صدّاحاً بما تجلوه الليلة من ضميره :

وتُرينا الإنسان يسمو على النجم * مناراً ورجلـــه في الرمــال

مع إرتباطه بما هو ارضي فهو متطلّع الى السمو والتحليق بروحه في سماوات الوجود الحق ، فهكذا الإنسان المتكامل.
والمصلّي مع معانقته لجلال الأفكار السامية فهو لا يعدم وسيلة الى طرحها بمعادلاتها الشعرية الوجدانية المصوّرة ، حتى أنه يقارب المتن التاريخي بصور شفّافة وتكوينات بصرية برّاقة فنراه يقول عن الوصف التاريخي لعبادة الأصحاب ( دويّ النحل ) :

فى دويء كالنهر يملؤه التسبيح * ينســاب من ربـى شـــلال

فهو يفكّك الوثيقة التاريخية ليعيد انتاجها وفق ماتريد شاعريته لكن ضمن الإطار الدلالي العام الذي لا يعوم بعيداً عن ضفاف التوصيل وربما خرج علينا بحلّة

===============

( 380 )

شاعرية محضة ليُنطِق الشخصيات التأريخية بما يخطر لتأملاته أن تقول فنراه يُنطِق الأصحاب بما يحسّه هو :

وسنبقى حول الحسين سياجاً * من قلوب لا من يسيوف صقال

هذا هو التوغل الباحث عما هو جوهري وعما وراء الظواهر في تجربة مهدي المصلي الشعرية يتجلى في هذا البيت المنسوج بكل الأدوات الممكنة ، فنرى الخروج على التراكيب النمطية التقليدية في بؤرة تركيبة مشعّة على عموم البيت في ( سياجاً من قلوب ) وهذا التركيب حداثي أدخله المصلي بكل يسر الى قلب البيت لينظّم دقّاته بنبض متسارع على مستوى المضمون والشكل ، ولنا أن نلاحظ أيضاً ثيمة إيقاعية تقصّدها الشاعر في إستخدامه لحرفين من حروف الصفير الصاخبة هما ( السين والصاد ) فنرى صدر البيت وقد توشّح نُطقاً بثلاثة سينات تموسق الإيقاع المتشابك لبحر الخفيف ببريق لحني أخّاذ في ( وسنبقى حول الحسين سياجاً ) في تعارض ثنائي مع حائين في الوسط متجوّفين كعمق نغمي مستقر في ( حول الحسين ) لننتهي الى قفلة مطربة تسبق جرس حرف الروي من القافية عندما إشتبكت السين في ( سيوف ) مع الصاد في ( صقال ) بصفير متقابل لايُوفّق له إلا ذو حظّ عظيم من الشاعرية التي تستوعب وتشمل ، وأراني منساقاً إلى إبداء أكثر من الإعجاب بهذه الشاعرية الفذّة التي سيكون لها شأن عندما تنفتح بشكل أكثر عمقاً على التجارب الشعرية الأخرى وأختم إنطباعاتي ببيت آخر للشاعر بلا تعليق :

راية قلبها الحسين تشـــق * الحشر شقّاً الى عظيم النوال

===============

( 381 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net