متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
32 ـ الشيخ محمد سعيد المنصوري (1ـ ليلة الوداع 2ـ صورة من الوداع 3ـ حديث مع الليل 4ـ زينب عليها السلام تخاطب الليل)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر


32 ـ للشيخ محمد سعيد المنصوري(1)

(1)
ليلة الوداع


بكِ يا ليلة الـوداعِ الرهيــبِ * سال دمعي دماً لرُزءِ الغريـبِ
مذ أحاطت به الجيوشُ وأمسى * يتلقَّى الردى بصدرٍ رحيــبِ
قال يا صحبيَ الكرامَ وفيتــم * فاذهبوا في ظلام هذا الغـروبِ
واتركوني والقومَ فالقصدُ قتلي * فأجابوه يا حبيـبَ القلـــوبِ
كيف ترضـى نفوسُنا بالتخلِّي * عنك في محنةٍ ويومٍ عصيـبِ
لك نفدي أرواحَنـا وقلـيــلٌ * لك بذلُ الأرواحِ عند الوثـوبِ
سيدي كيف ينتهي الأمرُ فينـا * لنكوصٍ بعد اتضاحِ الوجـوبِ
أنخلّيك مفرداً يــا بـنَ طـه * والأعادي عندَ اشتدادِ الخطوبِ
أي عذرٍ لنا إذا مـا سُئِلْنـــا * ما جرى فالتجأتُـمُ للهــروبِ
يا أبا عبدالله دَعْنا ننــالُ الـ * أجرَ والفضل في الجهادِ القريبِ


____________
(1) هو الخطيب الشاعر الشيخ محمد سعيد بن الشيخ موسى المنصوري ، ولد سنة 1354 هـ قرأ في البصرة والمحمرة والبحرين وقطر والكويت ، وقم المقدسة ويُدرس حالياً الخطابة في معهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ومن مؤلفاته : 1 ـ ميراث المنبر في جزءين 2 ـ مفاتيح الدموع لكل قلب مروع. 3 ـ ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد 4 ـ الذكر الخالد ( محاضرات ) في ثلاثة أجزاء ، وله نشاط بارز في النوادي الحسينية والشعريّة.

===============

( 357 )


 

فجـزاهم خيراً وقــال إليكــــم * ما أردتم والفــوز للمستجيـــبِ
وأراهـم منــــازلاً قد أُعــدَّت * لَهُمُ في الجنـــانِ بالترحيـــبِ
ليروا راحـةً بها وارتيــاحــــاً * بعد ذاك العنـا وتلك الكـــروبِ
ثم باتـوا لـهــم دويٌ تعـــالى * بالمناجـــاةِ للإلــهِ المجيــبِ
فقضوها بالعـشـقِ ليلةَ وصـــلٍ * ببكـاءٍ وحســـرةٍ ونحيـــبِ
ومع الدهرِ للحسـيـــن عتــابٌ * بخطابٍ إلى القلـــوب مذيــبِ
قال يادهر ُ منـك كم قد أُصِبْنـــا * ودهينا بكــل خطـــبٍ مريبِ
هدَّنا خطبُـك الجلـيــلُ وانـــا * منه شبنا قبل يــوم المشيـــب
ثم طوراً يرنو لزيـنـبُ تبكـــي * ولها ينثنـي بقلـــبٍ كئيـــبِ
أختُ يا زينبُ العقيلـةِ صبــــراً * إن رماكِ القضا بـــرزءٍ عجيب
كم علينا حوادث الدهـر جـــرت * من مآس تدمي عيـــون اللبيـب
أنتِ أم النبوغ بنـت علـي وعلــي * في الدهـــر أسمى خطيـــب
هو ممن ذلت لديـه المعانــــي * لسمو التفكير فــي الترتيــــب
فخذي خط أمك فــي جهــــاد * لك في محتـــواه أوفـى نصيب
وابذلي في زمان أسـرك جهـــداً * ببيان مفصــل ومـصـيـــب
أوضحي فيه أمرنـــا لأنـــاس * قادهـم للشقــاء قـــول كذوب
وضعي في عـروش آل أمــــي * قبسا يابنة الهــدى من لهيـــب
واحفظي لي العيـال ثم اعرضي عن * جزع موجــب لشـــق الجيوب
واتركي النوح والبكــاء لوقـــت * من لقانا بعد الفــراق قريـــب
واذكريني عند الصــلاة البليـــل * رُب ذكرى تريـــك وجه الحبيب


 

===============

( 358 )


 

واندبيني إن شئتي ندبـي حينــاً * واروي حر الحشا بدمـع سكـوب
أبلغي منـي الســـلام لجـدي * ولأمي وأعلنـي بالـوجـيـــب
واقربي عني السـلام شقيقــي * حسن الفعل في جميـع الــدروب
وعلى البعد وجّهـي لأبيـنـــا * في الغريين أجمل الترحـيـــب
ثم قصّي عليه رزءاً بـكـــاه * قبلُ في نينوى ببعـض الحـروب
واخبريه بأننــا قد أصبنـــا * من رزايا زماننـا بضـــروب
فرقتنا يد النـوائـب شرقـــا * وشمالا ومالنا مـن صحيـــب
يا ابنة الطاهريـــن جدا وأمـا * وأبا ذا حجا وصدر رحيـــب
اصبري صبره فبالصبـر يرقـى * كل حي لذا الالــه الرقيـــب
واعلمي أننا على الحق نحيــى * وعليه نموت من دون حـــوب
وسلام عليـــكِ منـيَّ يتـرى * في حياتي وبعد يـوم مغيـــب


 

===============

( 359 )


 

(2)
صورة من الوداع


صاحِ دهري ولم أكن بالجزوعِ * قد رماني بكلّ خطبٍ فظـيــعِ
وسقاني كؤوس همٍّ وحــزن * سلبت راحتي وأحنـت ضلوعي
ذالكم حين صاح ليلاً حسيـنٌ * يا بني هاشم بصـوتٍ رفيــعِ
هذه ليلة الـوداع فقومـــوا * بعد لبس القلـوب فوق الـدّروعِ
ودّعوا الطاهرات وابكوا عليها * وهي تبكيكم بحمـر الدّمــوعِ
حرّ قلبي لزينب الطّهر لمّــا * أقبل الطّاهـرون للتّـوديـــعِ
رأتِ الأمَّ تلثم الابن شوقـــاً * وكذا الابِن ينحنـي بخضــوعِ
يلثم الوالد الحنــون فيحنــو * فوقه من أسىً بقلبٍ وجيـــعِ
فهو طوراً يرنو العيال وطوراً * يرسل الطرف نحو مهد الرّضيعِ
حيث يدري بطفله سوف يُرمى * وعن الماء يرتوي بالنَّجيـعِ (1)


____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 224.

===============

( 360 )


 

(3)
حديث مع الليل


ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيكِ نحولـي
وِدِدْتُ من قبل قومي * يَحِيْنُ وقتُ رحيلـي
بكربلا مذ نزلنـــا * عَلمتُ عند النّـزولِ
بأنّنا سوف نبقــى * بلا حمِىً وكفيــلِ
وذاك أعظمُ خطـبٍ * من الزّمان جليــلِ
يمسي الحسينُ قتيـلاً * ويا له من قتيـــلِ
فيا دموعيَ سِيلــي * عليـه كلَّ مَسيــلِ
ثم انثنت بنتُ طــه * بعبــرةٍ وعويــلِ
تخاطب اللّيلَ لكــن * خطابُها عن ذهـولِ
فاللّيل يُسري وتسري * نجومــه للأُفــولِ
تقول لا تُبدِ صبحـاً * وذا من المستحيــلِ
أيسمعُ الليلُ قــولاً * من الكلام الطويلِ (1)


____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 216.

===============

( 361 )


 

(4)
زينب تخاطب الليل


تشبُّ بقلبي نارُ وجـدي وتَضــرمُ * لذكراكَ يا ليـلَ الــوداعِ متيّـــمُ
وهيهــات أن أسلو مصائب كربلا * وتلك بَكاها قبلُ طــه المكـــرّمُ
فما زلت في بحرٍ من الحزن والشّجا * أعومُ وطرفي بالكـــرى لا يهـوّمُ
مدى العمر لا أنســى عقيلةَ حيدرٍ * عشيّةَ أمست والقضــاءُ مخيّـــمُ
تودّع أهليها الكــرامَ وتنثنـــي * مع اللّيل من فرط الأســـى تتكلّـمُ
تقول له يا ليلُ رفقــاً بحالنـــا * فأنت بنا من شمس صبحــكَ أرحمُ
بربّك لا تُبدي الصّبــاحَ فإنّـــه * صباحٌ به جيـشُ الضــلالةِ يهجمُ
أطلْ يا رعاكَ اللهُ وقتَكَ أن تجــد * طريقاً ولا تخفى لجــوّك أنجــمُ
أطلْ لوداع الطّاهـراتِ حماتِهـــا * فصُبحكَ فيه منهمُ يُهـــرقُ الـدّمُ
أنا زينبُ الكبرى سليلـــةُ أحمـدٍ * وهذا حسينٌ والزّمــانُ محـــرّمُ
وهذي جيوشُ الظالمينَ تراكمـــت * علينا فهل فيمـا يُريــــدونَ تعلمُ
يُريدونَ قتلَ ابن النبي وصحبـــهِ * وإنّك تدري مَنْ حسيـــنٌ وَمَنْ همُ
أطالت مع اللّيل الحديـث من الأسى * واجفانُها كالمُزنِ تهمـــي وتسجمُ
فلو فَهِمَ اللّيلُ البهيــمُ كلامَهـــا * لرقَّ لها لكنّـه ليـــس يفهـــمُ
ولو كان ذا حسٍّ ويعرفُ قدْرَهــا * أجاب نداها لكن اللّيـــلُ أبكـــمُ
تُخاطِبُه في أن يُطيـــلَ ظـلامَه * عليها وما للّيـــلٍ أُذنٌ ولا فـــمُ

===============

( 362 )


 

شكتْ همّها للّيلٍ واللّيــلُ أخـــرسٌ * وزينبُ حيـرى والفــؤادُ مكلَّـــمُ
ومرَّ عليها وقتُــهُ وتصـرَّمـــت * دقائِقُه والصُبـحُ بالشــرِّ مُفعـــمُ
ولاقتْ مُصاباً لو اُصيبَ ببعـضـــه * أشمُّ الرواسي الشامخـــات يُهــدَّمُ
لقد شاهدتْ قتـلَ الحسيـنِ بعينهـــا * وهل منه أدهى في الزمان وأعظمُ (1)

* * *


____________
(1) ديوان ميراث المنبر للمنصوري : ص 221.

===============

( 363 )


 

الشيخ محمد سعيد المنصوري


الشيخ المنصوري مشدود الى تلبية نداء الخطابة الصارم في شعره بشكل لا يخفى على المطّلع ، لذا فشعره مضغوط داخل شروط ومتطلبات آمرة ناهية تحصر الشاعر بحدّتها وضيقها ومع ذلك فالشيخ المنصوري يتجاوز كل هذا بعد تحقيقه وينصرف الى جمال التصوير بلغة توصيلية سهلة التلقي يراعي فيها ثقافة السامعين اللغوية ليحقق جماهرية النص فى التواصل على حساب التعبير التوّاق الى الإنطلاق والتحرر من المباشر والسائد والمألوف.
إن القصيدة المنبرية تتوجه لمخاطبة مساحة عريضة من المتلقين فتكون لذلك قصيدة محافظة على جذورها واُسسها ، لا تستخدم آليات الإيماء البعيد والإشارة المحتاجة للمفاتيح الغائبة أو الغموض الموحي بالدلالة غير المباشرة ، وهي أقرب إلى نقل الجانب المأساوي الفاجع الباكي أو المتباكي أو هي تصنع هذا الجو مثيرة لحزن المتلقّي مستدّرة لدموعه وناشدة للتوجّع والتأوه على ماحدث لسيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه من مآسٍ وأحداث دامية فلغتها تعريفية متدرّجة في نقل المعلومات التفصيلية التي تذكّر السامع بكل شيء حتى وإن كان من البديهيات المسلّم بها فمثلاً يقول المنصوري بلسان حال زينب عليها السلام :

أنا زينب الكبرى سليلة احمد * وهذا حسين والزمان محــرّم


وهذه طريقة منبرية قائمة على شرح وتفسير تفاصيل الأحداث رغبة بالشمولية واستيعاب كل ماجرى ، على أن قصائد المنصوري تنحو منحى ذاتياً في

===============

( 364 )


إستهلالها ، فالقصيدة تبدأ من وقفة الشاعر الخطيب على الحدث معبّراً عن عواطفه وانفعاله واحاسيسه ولواعجه :

تشبّ بقلبي نار وجـدي وتضــرم * لذكـراك ياليـــل الــوداع متيّـم
وهيهات أن أسلو مصائب كربــلا * وتلك بكاها قبــل طـــه المكـرّم
فما زلت في بحر من الحزن والشجا * أعوم وطرفي بالكـــرى لا يُهــوّم


ثم يلتفت الى الحدث لنقله :

مدى العمر لا أنسى عقيلة حيدر * عشية أمست والقضاء مخيّــم


وتبدأ الأحداث بين رسمه وتصويره وتعقيبه وبين حوارات زينب عليه السلام وبنفس الإسلوب وذات الطريقة نرى قصيدة اُخرى :

بكِ ياليلة الوداع الرهيـب * سال دمعي دماً لرزء الغريب


ويلتفت سريعاً :

مذ أحاطت به الجيوش وأمسى * يتلقّى الردى بصدر رحيــب


وفى قصيدة ثالثة نرى :

صاح دهري ولم أكن بالجزوع * قد رماني بكل خطب فظيــع
وسقانــي كؤوس همّ وحـزن * سلبت راحتي وأحنت ضلوعي


ويلتفت كالعادة :

ذلكم حين صاح ليلاً حسين * يا بني هاشم بصوت رفيع


وقد تكون قصيدته لسان حال أحدى الشخصيات مثل زينب عليها السلام منذ البداية تخاطب ليلة الوداع في حوارية نسيجها العتاب المرّ والشكوى والانين فنرى :

ياليلة العشر طولـي * قد زاد فيـكِ نحولـي
وددت من قبل قومي * يحين وقت رحيلــي


 

===============

( 365 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net