متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
22 ـ الأستاذ فرات الأسدي (1ـ مشيئة الدم 2ـ الليلة الأخرة 3ـ موت النهار)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
22 ـ للشاعر الأستاذ فرات الأسدي(1)
(1)
مشيئة الدم


عليه اُغمضُ روحي ـ حلمَه العجبا ـ ! * فكيف فــرَّ إلى عينــيَّ مُنسربـــا
ومن أضــاءَ له حُــزني فغــادره * إلى فضـاء قصيّ اللمـح فاقتربـــا !
حتى تسلّــل من حُبٍّ ومن وجـــعٍ * دمعاً يُطهّر نبعَ القلــب لا الهدبـــا
رأيتُ فيما رأيتُ الدهشـة انكســـرت * وخضّبت جســداً للمستحيــل كبــا
وكـان يَلقى سيوفَ الليـل منصلتـــاً * ويستفزُّ مُـدىً مجنونـــة وظبـــى
وكان يعبر فـي أشفارهــا فزعـــاً * مُرّاً ، وترتدُّ عن أوداجـه رُعبـــا !
تمتد لهفتهــا حيــرى فيُسلمُهـــا * إلى ضلوع تشظّـت تحتهــا نهبـــا
مَنْ ينحرِ الماء مَنْ يخنـقْ شواطئــه ؟ * والنهر مدَّ يديـه نحــوه... وأبـى !
فناولني دمــه ياليلـــة عبـــرت * إلى النزيف جريح الخطـو منسكبـــا

***

____________
(1) هو : الشاعر الأستاذ فرات الأسدي ، ولد سنة 1380 هـ ، من عائلة علمية معروفة ، أنهى شطراً من الدراسة الاكاديمية ودرس عدة مراحل في الحوزة العلمية ، ومن نتاجه الأدبي 1 ـ ذاكرة الصمت والعطش ( مطبوع ) 2 ـ صدقت الغربة يا ابراهيم 3 ـ النهر وجهك 4 ـ الخناجر الميتة ( رواية ) ، وله مساهمات فعالة في النوادي الأدبية والثقافية والدينية ، كما شارك في الصحافة والكتابة الأدبية ، ويدير الآن دار الأدب الأسلامي : مشروع النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته في الشعر العربي.

===============

( 310 )

يا نافراً مثل وجه الحـلم رُدَّ دمــي * إلى هواك... دمي الممهور ما اغتربـا
يطلُّ ظلُّك فيه... بــوحَ اُغنيـــةٍ * ظمآنةٍ عبَّ منهـا لحنُهــا اللهـبــا
رأيتُ فيما رأيتُ الليـلَ متّشحـــاً * عباءةَ الشمس مختـالاً بهـا طربـــا
وفوق أكتافه فجرُ النعوش هـــوت * نجومُه...والمدى يرتـجُّ منتحـبـــا
قبل الحرائق كـان الورد يُشبهـــهُ * وبعده لرماد الريـح صــار سبـــا
قبل الفجيعة من لون الفـــرات له * شكلٌ ، ومن طينه وجهٌ يفيض صبــا
وبعدها سقطت في النار خضرتــه * وحال عن بهجة مسحورة ، حطبـــا
وما تألّـق من جمـرٍ فبسمتــــهُ * غارت ، وتحت رمادٍ باردٍ شحبــا !

***

وأنت ، دون عزيف الموت ، صرختنا * وأنت.. تنفخ فيها صوتهـا.. نسبــا
وأنت عنـدك مجــدُ الله... آيتــهُ * بيارقاً نسلــت... جـرارةً حقبـــا
وأنت تلوي عنان الأرض ثمّ إلـــى * أقدارها تطلـق الأقـدار والشُهبــــا
وعند جرحك مات الموت وانبجسـت * من الصهيل خيـولٌ تنهـب الصخبــا
فاحملْ دمَ الكوكب الغضّ الذبيح وسـر * إلى الخلــود فقد أرهقتَــه نصَبــا
وقف...فحيث مدار الكون صرت له * مشيئةً تكتب التاريــخ ، أو قطـبــا

فرات الأسدي
8 / ذو القعدة / 1416 هـ



===============

( 311 )

الاستاذ فرات الاسدي
مشيئة الدم

قصيدة عمودية في ظاهرها فقط ، أما جّوها وبناؤها ولغتها وصورها وتراكيب جملها فهي برزخية الإنتماء تتقاطع مع التراث والمعاصرة في مفترقات وملتقيات عدة لتبرز هويتها غير المنحازة وغير المتعيّنة على وجه الدقة ، وهي قصيدة خروج على السائد في كل محاورها وخصوصاً على الثوابت النحوية ـ التي لفرات الأسدي رسوخ طويل بها ـ فهي تقفز منذ صدر البيت الاول فوق المعايير لتلجيء المتلقي الى التأويل والتمحّل لما هو بين شارحتين ـ حلمه العجبا ـ فلا يصل الى شيء ، ويتأكد هذا القفز فوق الثوابت النحوية في مشاكسات ومحاولات للخروج الواعي أو هي على الأقل إشعار بذلك ، مما يُنبيء أن الشاعر يضيق ذرعاً بالمعيارية التي تمتد ضاغطة على الرؤى غير المتشكّلة بعد ، وعلى القواعد التي تحاصر فضاءه وهو ( فضاء قصي اللمح ) فهو يفرض الحيرة على المتلقي مثلاً في

مَن ينحرِ الماء مَنْ يَخنُقْ شواطئه ؟ * والنهر مدّ يديه نحــوه.. وأبـى

فهل ( من ) إستفهامية أم شرطية وكيف جزمت الفعلين ؟ إن التعمد والقصدية واضحان في التجاوز ونُضيف الى ذلك ما يمكن أن نسميه بـ ( إزدحام الأفعال ) كظاهرة بارزة في القصيدة حتى وصل عدد الأفعال المستخدمة في بيت واحد الى خمسة أفعال :

رأيت فيما رأيت الدهشة إنكسرت * وخضّبت جسداً للمستحيــل كبا

===============

( 312 )

ولإن الفعل في العربية ـ غالباً ـ ما يشكل بدايات الجمل فهذا البيت يطالب ذهن المتلقي أن يقف خمس وقفات ليبتدأ من إنطلاقات الجمل فيحتاج الى تأمل أكثر ووقت أطول فتتعدد المفاتيح الباحثة عن أبواب النص وهناك لدى فرات الأسدي ظاهرة نحوية اخرى يتعمدها في نصّه وهي حشد الضمائر المتصلة فعلى إمتداد (22) بيتاً هناك (53) ضميراً متصلاً على الأقل بحيث تعسر الإحالة ويصعب الإرجاع وسنرى هذا المثال :

وكان يلقى سيوف الليل منصلتاً * ويستفزّ مُدىً مجنونـة وظُبـى
وكان يعبر في أشفارها فزعـاً * مرّاً وترتدّ عن أوداجه رعبــا
تمتدّ لهفتها حيرى فيسلمهــا * الى ضلوع تشظت تحتها نهبـا

فاذا أردنا معرفة عائدية الضمير ( ها ) المتصل بالفعل ( يسلم ) فلن نستطيع ذلك ، لإنه قابل للإحالة الى ( اللهفة ، الأشفار ، الظُبى ، المُدى ، سيوف الليل ) وإذا أضفنا الى ذلك العُسر صعوبة تمييز فاعل الفعل ( يسلم ) هل هو فاعل ( كان يعبر ) أي الفاعل الأساس أم هو الفزع المرّ أم الرعب ؟ تشابكت القراءات وتنافرت على المحور الدلالي العام مما يصوّب رأينا القائل أن قصيدة فرات مكتوبة لكي يقرأها المتلقي لا لكي يسمعها فهي نخبوية متوغّلة في موقف جمالي عميق لايشف وهي درامية البناء قائمة على النفور من العواطف والإنفعالات البسيطة لذا نراها تجاهلت المدخليات المألوفة الى ليلة عاشوراء ودارت محاورها على لغة حلمية عميقة تعتمد الإيحاء والإيماء والغموض البرّاق في التعامل مع الأحداث بصدق فني لا يتطابق مع الصدق الواقعي بل يتضمنه ويلازمه في تجربة غنية حافلة بالاجتراح وشاعرية جامحة متمرسة طالما أغنت ساحتها تجارب كثيرة مميزة.

===============

( 313 )

(2)
الليلة الآخِرة

عكفتْ تشحــذُ للمــوتِ النصـــالا * أو تهزُّ الليــلَ ذكــراً وابتهـــالا
فـتــيــةٌ نــاداهـمُ ربُّــهُـــم * أقدِموا ، فاستسهلوا الاُخـرى منـــالا
ومضوا عن هذه الدنيـــا عُجالـــى * وسرَوا للخُلدِ يبغــونَ الـوِصـــالا
بسَمَ المجـــدُ لهم فابـتـسـمـــوا * وإلى أسيــافهــمْ مالــوُا فَمــالا
وارتدَوا من عدَّةِ الحـــربِ هُـــدىً * ووفـــاءً ومُــروءاتٍ ثِـقـــالا
جَنَّهُمْ في الطـفِّ لـيـــلٌ وهُـــمُ * بالحسينِ الطُهرِ قد جَنُّــوا خَبـــالا
فاشهــدي ياليلة الضــوء هـــوىً * نضراً يبتكـر الرؤيـــا جمـــالا

***

يا مسـاءً لم يلُــــحْ في أفْقــــهِ * غيـرُ وجهِ اللهِ ، والسبطِ ـ تعالـى ـ !
ترقـــبُ الفجـــرَ به أمنـيـــةٌ * حُرَّةٌ لم تُلقِ لـلـرَّهـبـــةِ بـــالا
رغبتْ أن تشهـد الفتــحَ غــــداً * بدمٍ ما سـالَ بـل صـالَ وجـــالا !
فأعدَّتْ لـلِـقـــاهُ صَـبــرَهــا * ونفوساً أنفـت تهــوى الضـــلالا
وتمدّ اليــدَ لــلـطـاغــي وقـد * عاثَ بالديـن حــرامـاً وحـــلالا
ترِبَـتْ كــفُّ أبيــهِ.. ليتَــــهُ * نَصبَ القـردَ أميـراً.. واستقـــالا !


===============

( 314 )

أيُّ ليلٍ ضمَّ للحــقّ رجــالا * يرخِصون الروحَ أصحابــاً وآلا
ونساءً حُجِبـتْ في خـــدرِها * واطمأنَّتْ في حِمى الصِيد عيـالا
وصغاراً هَوَّمَــتْ أعينُهـــا * وعن الأقدار لم تُحفِ الســـؤالا
لو أطلّتْ لرأتْ خيـل العــدى * ترمَحُ الأرضَ جنوباً وشمـــالا
عاهدتْ شيطانَها لـن تنثنـــي * يومَها أو تطأ القـومَ مجـــالا
وبناتُ الوحي تُسبـى ذُعَّـــراً * وخيامُ الوحيِ تنهدُّ اشتعــــالا
وبأطراف القنا رأسُ الهـــدى * وعلى العُجْف السبايا تتوالـــى
وعليٌ يقدِمُ الركــبَ وفـــي * عُنْقهَ من رجلهِ القيدُ استطـــالا
وله زينـبُ تشكــو ذُلَّهـــا * وهُموماً عاينتْ منها المَحـــالا
صبرتْ واحتسبتْ مانالـهـــا * في سبيل الله تلقــاه نـــوالا
حسبُها مـــن أهل بيتٍ شمسُهُمْ * في مَدى التاريخ لم تغـربْ زوالا
كتب لله لـهــم أجــرَهُـــمُ * ان يكونوا للكرامــاتِ مثــالا
ويشيدوا بالتقى دولــتــهــمْ * آخرَ الدهر انتصافاً وسجـــالا
وإمامُ الحق في أشيــاعـــهِ * يطلبُ الثاراثِ زحفاً واقتتـــالا

فرات الاسدي
6 / شعبان / 1416 هـ



===============

( 315 )

الليلة الآخرة

على الرغم من حرصه أن تكون قصيدته منبرية التوجه لكنها أفلتت من القالب والنمط المنبري في مواضع عدة ، ولو تسنى لخطباء المنبر الحسيني أن يضخّوا دماً جديداً في شرايين إختياراتهم الشعرية لما عَدَوا هذه القصيدة أو ما نُسج على منوالها من قصائد الولاء للشعراء المعاصرين.
فالخطاب المنبري الموجّه الى الأجيال الشابة المتطلعة الى المستقبل يجب أن يفحص أدواته ويوظّف الوسائل الفاعلة في الأوساط التي يخاطبها وعلى سبيل المثال ليته يُعيد إختياراته لقصائد العزاء والمصيبة منحازاً الى المنبريات الجديدة من القصائد والأشعار التي تمثّل هذه القصيدة مثالاً لها.

===============

( 316 )

(3)
موت النهار

(1)


ليركضَ كالبحر مرّ المساء
ومرّتْ وراء خطاه النجوم التي أزهر الضوء في نسغها ،
والسماوات مبتلّةٌ بالبريقْ
لينهضَ كالبحر مدّ المساء مداه الغريقْ
والغى حرائقه السودَ في الطرقات
وفاجأ غلغلة الومض بالأسئلهْ
ومرَّ الى الدهشة المقبلهْ !

(2)


ليوغلَ كالليل دار الغبارْ !
وطوّق نبضَ التراب بأقدامه المثقَلهْ
وأقصى الغيومَ عن النوءِ والنهرَ عن مائهِ المستعارْ !
ودارَ الغبارْ.

===============

( 317 )

(3)


ـ وكانت هوادجهمْ تذرعُ الريحَ ، كان الحداءُ
يُخامرُ عشبَ الكلامِ النديّ ويشعل فيه الحنينْ
وكانوا يلمّون أرواحهم حفنةً حفنةً في ضياع السنينْ
يموتونَ.. يحيونَ.. ينطفئونَ
وها هو طقس الحكايا
يُخامرهم بالفرات وبالأخضر القادم ـ الآن ـ من دمهِ ،
الذاهب ـ الآن ـ من دمه والظمأْ
الى كوكبٍ آخرٍ ما انطفأْ
وما حرثَتْهُ مرايا الصدأْ ! ـ.

(4)


ليركضَ كالبحر مرّ بسحنته العاريهْ
مساءً من اللهفة المشتهاة الى وهجٍ مترَفٍ ،
أو ينابيعَ مغسولةٍ برماد الفجيعهْ
ـ رمادِ المياه المضاجعِ جمرتَها الذاويهْ !

(5)


ليوغلَ كالليلِ دار على الأرضِ
واشتبكتْ بالنخيل ملامحُه وتوارى

===============

( 318 )

بقايا من الحزنِ
سرباً من الأغنيات الحيارى
ومرَّ الى النهر في خلسةٍ واستدارْ
.. إستدارا
ليشهدَ موتَ النهارْ !!.
فرات الاسدي
3 / 11 / 1417 هـ



موت النهار

أشعر أن فرات الأسدي قد وجد تعبيريته المناسبة في هذه القصيدة الرؤيوية المركّبة بإدهاش متقن فهو في معظم شعره لايقترب من البساطة المجردة ولا يتعامل معها أبداً ، فالأشياء في شعره أشياء ضمن علاقات بل هو يقارب بين الأشياء التي لا علاقة بينها في تراكيب لفظية لينشيء حداثته بتأمل شعري متفلسف ، فقصيدته لها منطق خاص بها ولو تجرأنا فاستخدمنا شيئاً من المنطق العام أو بعض معطياته لتوصّلنا الى كشف منطق قصيدته أو شيء مشابه لذلك ، فموت النهار قائم على تقابل الموت مع الحياة التي جاء النهار هنا معادلاً لها لكن وفقاً للمشيئة التركيبية التي يعمل بهار الشاعر.
سيكون الصراع بين الموت والحياة ظاهراً بعلاقاته التي لها أطرافها

===============

( 319 )

المتشابكة ، فالنهار سيقابل المساء وهو غير المقابل المنطقي للنهار أي الليل ومن هنا تبدو خصوصية منطق القصيدة الذي يجعل هذا المساء يركض كالبحر وفق العلاقة التي ذكرناها ( العلاقة بين الأشياء التي لا علاقة بينها ) لتتولد معان جديدة ويحتدم الجدل المتفلسف فيعرو التأمل الفلسفي شيء من منطق الشعر بأسئلة لها ملامح الطفولة التي تُرجع الفلفسة الى بداياتها ، فتبدأ جدلية العناصر الأربعة ( الماء ، التراب ، النار ، الهواء ) فعندما يمرّ المساء تمرّ خلف خطاه النجوم التي يشكّلها الشاعر كشجرة لها نسغ يُزهر فيه الضوء فتبتلّ السماوات بالبريق في علاقة بين الماء و النار عبر البلل وهو من خصائص فعل الماء ، وبين البريق وهو من خصائص فعل النار ، وبعد ذلك أراد المساء أن ينهض لكن كالبحر أيضا فمدّ مداه الغريق ، والمدى من خصائص الأرض فعندما إبتلّت السماوات بالبريق كان نصيب الأرض الغرق في شكل مدى المساء ، هذا على مستوى المعاني ، أما المباني فسيكون هناك تقابل بين ( ليركض كالبحر مرّ المساء ) مع ( لينهض كالبحر مدّ المساء ) هناك نظام تقفية داخلي مغاير لنظام التقفية التقليدي مع النظر الى العلاقة في الجناس الناقص بين الفعلين ( مرّ ) و ( مدّ ) بنفس الفاعل ( المساء ) مع إستخدام نظام تقفية خارجي في ( البريق ـ الغريق ) في شكل من الزوميات التي لو تواصلت لأورد الشاعر مثلاً لفظتي ( الحريق ـ الطريق ) اللتين جاء بهما الشاعر في صيغة الجمع ليكسر نظام التقفية لكنهما عَلقا في أللاشعور فتداعتا تداعاً حرّاً في المقطع اللاحق ( وألغى حرائقه السود فى الطرقات ) طرائق جهنمية سوداء تجعل المساء يتساءل أسئلة مصيرية مندهشة اثر الإلغاء وما تبعه من غلغلة الومض ومفاجأته... وينتهي المقطع.
المقطع الثاني حركة دورانية للغبار وهو من جهة معادل للمساء ومن جهة

===============

( 320 )

اخرى جدل عنصرين من العناصر الأربعة ( الهواء ـ التراب ) وهنا جرى تشبيهه بالليل في إيغاله ( ليوغل كالليل دار الغبار ) يطوّق نبض التراب ويقصي الغيوم من جهة والنهر عن مائه من جهة اخرى ، وهذه الحركة أو الدوران الغباري تمنع التراب من اللقاء بالماء لكيلا تنتهي العلاقة بولادة الطين الذي هو أصل الإنسان ، وتقصي النهر عن الماء حتى وأن كان ماءً مستعاراً لتمنع حركة الحياة ويتم للغبار ذلك.
في المقطع الثالث كانت الهوادج تقابل الريح والهوادج عادة تحمل النساء وهنّ حاضنات الإمتداد الإنساني بنوعه في ولادتهنّ ، ليعلن الشاعر جدلية الإنتصار ويكون الحداء مفعماً ونابضاً بالحياة فهو ينطق بكلام له نداوة العشب المشتعل بالحنين للنمو والولادة في تقابل آخر مع الريح ، وتكتمل صورة القافلة التي تواجه الريح في تشكّل الموقف أمام ضياع السنين في لملمة شتات الأرواح لمواجهة الأسئلة المصيرية ( يموتون يحيون ) والسؤال الأخير ( ينطفئون ) والإنطفاء يعني موت النور أو موت النهار أمام الريح في جدل آخر بين ( النار والهواء ) لكن الحكايا تؤكد طقوسها وإنكشاف وعودها بالنَمَاء المتشكّل من الفرات والإخضرار الحسيني المتحرك حركتين : حركة قدوم الى الحياة المنطلقة الى الشهادة ، وحركة ذهاب بالدم والظمأ الى الخلود الأبدي التي لا تستطيع المرايا الصدئة أن تعكسه ، وهي لو عكسته ـ جدلا ـ فذلك مساء لفعل الحرث السلبي المشوه لا الايجابي المساوق لفكرة النماء ، كل ذلك في تعبيريه حديثة مكثفة مثل ( حرثته مرايا الصدا ) ! .
في المقطع الرابع ستكون هناك حركة مرورية للمساء الذي يتلهف الى مصرع الوهج والينابيع أي مصرع النور والماة فيرى الماء وهو أصل الخلق ( وجعلنا من

===============

( 321 )

الماء كل شي حي ) يراه مغسولاً برماد الفجيعة ونلاحظ هنا تركيب ( رماد المياه ) حيث العلاقة بين عناصر ثلاث من العناصر الأربعة فالرماد هو جدل ( النار ـ التراب ) وهو هنا خاص بالمياه فتتواشج العناصر الثلاثة ( النار ـ التراب ـ الماء ) في علاقة غائبة مع العنصر الرابع ( الهواء ) الذي عادلته الريح أو الغبار الراجع في المقطع الخامس ليوغل كالليل ويدور على الأرض فتشتبك ملامحه مع النخيل الذي هو الرمز الواقعي للعطاء في الارض التي قُتل فيها النهار لبمر على النهر وهو رمز آخر عن واقع الأرض يحدد جغرافيتها ويستدير ليشهد موت النهار....
الإيحاء والإيماء والرمز كطرق للتعبير تواصلت في تصوير ليلة عاشوراء باسلوب فني فذّ لا يمتّ للتسجيل الواقعي والتوثيق التأريخي بأدنى صلة ، فالنهار كان رمزاً للإمام الحسين عليه السلام به تنفتح بوابات النص أمام المتلقي الذي يواجه أحد أفضل النصوص التي تناغمت مع ليلة عاشوراء.

===============

( 322 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net