متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
18 ـ الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (من الملحمة الحسينية)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

18 ـ للشيخ عبدالمنعم الفرطوسي(1)

من الملحمة الحسينية
خطبة الإمام الحسين عليه السلام في أصحابه مساء يوم التاسع

ولقد قام خاطباً سبطُ طـــه * بعَد جمعِ الأصحابِ في كربلاءِ
قال أُثني علـى إله البرايــا * شاكراً فضلَه بخيـرِ ثَنـــاءِ
وله في البلاء حَمدي وشُكري * مثل حَمدي له على الســرَّاءِ
وله الحمدُ حيـنَ مَنّ علينــا * كرماً في نبــوّة الأنبيـــاءِ
وحبانا التفقيه في الدينِ رشـداً * بعدَ تعليمِنا كتــابَ السَّمــاءِ
لم نكن مشركينَ حين اصطفانا * وهدى للتوحيد خير اهتـــداءِ
بعد خَلق الأبصارِ والسمعِ منا * وبناء القلوب خيــر بنــاءِ
أُشهـدُ اللهَ ما رأيتُ كصحبـي * أبداً في الولا وصدقِ الوفــاءِ
أهـل بيتي ولا أبــرّ واتقى * منهمُ ما رأتهُ مقلـةُ رائـــي

____________
(1) هو : شاعر أهل البيت عليهم السلام العلامة الحجة الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي ، وفاضل محقق ، ولد في النجف الأشرف عام 1335 هـ ، قرأ المقدمات على يد فريق من أرباب الفضيلة وأخذ الفقه والأصول على يد السيد محمد باقر الشخص الأحسائي ، ولازم أخيراً بحث آية الله العظمى المرحوم السيد الخوئي قدس سره ، ومن آثاره العلمية 1 ـ شرح كفاية الأصول ( الجزء الاول ) 2 ـ شرح المكاسب 3 ـ ديوان شعر 4 ـ ملحمة أهل البيت ( وقد تناول فيها سيرة أهل البيت عليهم السلام ) توفي سنة 1404 هـ ودفن في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف راجع شُعراء الغري للخاقاني : ج6 ، ص3 ـ 7.

===============

( 288 )

ولقد قال مُخبِراً لي بقتلــي * سيّدُ الرُسلِ خَاتِمُ السُفــَرَاءِ
سوف تمضي لكربلاءَ فَتغدو * بعدَ سَوق لها من الشُهــداءِ
وأظنُ اليومَ الذي فيـه نلقـى * هؤلاءِ الخصومَ ليـس بنـائيِ
فَجُزيتم عنّي بخير جــزاءٍ * في مواساتكم وأسنى حبــاءِ
لكم قد أذِنتُ طُرّاً فسيــروا * بافتراقٍ عنّي وطولِ تنــائي
أبداً ما عليكم من ذمـــامٍ * وحقوقٍ تُقضى بوقـتِ الأداءِ
جَنَّ هذا الظـلامُ فاتخــذوه * جملاً للنجا وأضفـى غشـاءِ
وليصاحب مِنْ أهلِ بيتي منكم * كلُّ شخصٍ شخصاً بخيرِ إخاءِ

جواب بني هاشم له عليه السلام

فأجابَ الحسينَ بَعــدَ قيـامٍ * مِنْ بني هاشـم أُسودُ الإبــاء
وأخوه العباسُ يقْـدمُ فيهــم * وهُمُ خَلفـَه بخيـرِ اقتـــداء
لمَ يا ابنَ الرسول نفعـلُ هذا * ألنَبْقى وأنتَ رَهـنُ الفنـــاء
لا أرانا الإلهُ بَعــدكَ هـذا * يا سليلَ النبي طـولَ البقــاء
ورنـا قائــلاً لآلِ عقيــل * فاذهبوا أنتم بغيــرِ جَفــاء
قد كُفيتم في قَتل مُسلـمَ عمّا * أنتـم فيه أحسنَ الاكتفـــاء
فأجابوه كيف نذَهبُ عنكــم * بسلامٍ فـي ساعـةِ الابتـلاء
أيُّ شيء يقولُه الناسُ عنّــا * ولهم ما نقولُ عنـدَ اللقــاء
إن خذلنا أعمامَنا وتركنــا * شيخَنا وهو خيرةُ الأصفيـاء

===============

( 289 )

دون ضربٍ ودونَ طعـنٍ ورميٍ * معهم عندَ ساعــةِ الالتقـــاء
أَمَا واللهِ إنّنـا ســوف نلقــى * ما تـلاقونــه بحدٍّ سَـــواء
ونواسيك بالنـفــوسِ ونغــدو * لك عندَ الطعانِ خيـرَ فـــداء

جواب الأنصار له عليه السلام

ولقد قال مُسلمٌ ليـس نمضــي * أبداً عنكـم بيـومِ البــلاء (1)
وبأي الامورِ نُبـدي اعتــذاراً * حينَ نمضي عنكم لربِّ السمـاء
بعد تركِ الحقِ العظيمِ علينـــا * لك من ربِّنا بــدونِ قَضــاء
ليس نمضي بدونِ طعنٍ وضربٍ * في صدور العِدا بأقوى مضـاء
ولو انّي فقدتُ كــلَّ ســلاحٍ * حينما ألتقي بأهـلِ العـــداء
لقذفتُ العِــدا لألقى حِمــامي * دونَكُم بالحجـارةِ الصَمَّـــاء
وسعيدٌ أهابَ كـالليث فيهـــم * صارخاً في بسالة وضـراء (2)
لا نُخلّي عنكم ونذهب حتـــى * يعلمَ اللهُ بَعدَ حُسـنِ البـــلاء
أنّنا كلّنــا حفظنــا غيابــاً * فيكم حقَ خاتــمِ الأنبيـــاء
ولو انّي أُحْرِقْتُ بالنارِ حرقــاً * أنا سبعينَ مــرّة باقتفـــاء
بعد قتلٍ للسيف يتلـوه قتــلٌ * وأُذرّى في إثرِهــا بالهــواء
ليس أمضي عنكم وَما هـيَ إلاّ * قتلةٌ عندَ ساعــةِ الالتقـــاء

____________
(1) هو مسلم بن عوسجة.
(2) هوَ سعيد بن عبدالله الحنفي.

===============

( 290 )

بعدها نحنُ بالكـرامـةِ نَحظـى * وهي تبقى لنا بـدونِ انقضـاء
ولقد قال لو قُتلـتُ زهيـــرٌ * ثم اُحييت يا أبـا الأزكيـاء (1)
هكذا ألفُ مـرّة بـي يجــري * وأنا مُذعـِنٌ بِحُكـم القضــاء
هان هـذا علـيَّ واللهُ يُنجــي * مِنكُمُ فتيـةً كَشُهـبِ السمــاء
وجميعُ الأصحـابِ أَدْلَوا بقـولٍ * يُشبهُ البعـضُ بعضَهُ بجــلاء
فجزاهم خَيراً وأثنى عليـهــم * بعدَ صدْقِ الولا بخيـرِ ثنَــاء

موقف الحضرمي الصادق

وتراءى الإخلاصُ بابـن بشيـرٍ * وهو في مثلِ حالهِ المترائي (2)
حين أوحى وكانَ بعـضُ بنيـه * أخبروه عن أسره وهـو نائـي
قائلاً ما وددتُ أنـّيَ أبقـــى * وهو يُمسي فِيهم من الأســراء
وأجابَ الحسيـنُ أنـت بحــلٍّ * مِنْ ذِمامي فاذهب لبذلِ الفـداء
قال واللهِ لَستُ أذهـبُ عنكُــم * حين يَغدو في شِدّةٍ أو رخــاء
قال هذي الثيابُ خُـذها وارسل * عنك للريّ صنوَهُ في الإخــاء
ساعياً بالفكاكِ وهـي تُسـاوي * ألفُ دينار ساعــةَ الإفتــداء
وهو أوحى لصحبه حيـن أبدى * غامضَ السرِّ مِنْ ضميرِالخَفـاء
إنَكُـم تُقتلونَ حتى رَضيعــي * وأنا في غدٍ بغيــرِ امتــراء

____________
(1) هو : زهير بن القين.
(2) هو : محمد بن بشير الحضرمي.

===============

( 291 )

دونَ زينِ العبّادِ يَحفظ منّــي * فيه نسلَ الأئمــةِ الامُنــاء
فأجَابوهُ نَحمدُ اللهَ شُكـــراً * وامتناناً على عظيمِ العَطــاء
إذ حبانا فضلَ الشهادةِ فـوزاً * معَكُم في كـرامةٍ وعُــلاء
أفلا ترتضي بأنّــا سنغـدو * معَكُم في منـازلِ السُعــداء

الإمام الحسين عليه السلام يُري أصحابه منازلهم
في الجنّة


وأراهم وقد رأى الصدقَ منهُم * في الموالاةِ بعد كشـفِ الغطاء
ما لهم من منازلَ قد أُعـدت * في جنانِ الخلودِ يـومَ الجزاء
ولعمري وليـس ذا بعسيـرٍ * أو غريبٍ من سيّـدِ الشُهـداء
فلقد أطْلعَ الكليــمُ عليهــا * منهمُ كلَّ ساحــرِ بجــلاء
حينما آمنوا بما جـاء فيــه * عند إبطال سحِرهِم والريــاء
بعد خوفٍ من آل فرعون مُردٍ * لهم منـذرٍ بسـوءِ البـــلاء
فأراهُم منازلَ الخيرِ زُلفــىً * وثواباً في جنّـة الأتقيـــاء
لازديادِ اليقينِ بالحقِ فيهــم * بعد دحضٍ للشكّ والإفتــراء
وثَباتاً منهم على الدينِ فيمــا * شَاهدوه مِن عالمَ الإرتقـــاء

ليلة الوداع

هذه ليلــةُ الـوداعِ وهــذا * آخرُ العهدِ منهُـم باللقـــاء

===============

( 292 )

عَمّرُوها من التقى فأماتــوا * شهواتِ النفـوسِ بالإحيــاء
يومَ باتوا على هُـدى صلواتٍ * بين خوفٍ مِنْ ربهِم ورجـاء
كدويِّ النحلِ ابتهالاً ونجـوىً * لهُم في غياهـبِ الظلمــاء
وهُمُ بينَ راكـعٍ بخضــوعٍ * وخشوعٍ وضارعٍ في دُعـاء
يتهادَون والهدايـا تحايـــا * بُشرياتٍ بغبطـةٍ وَهنـــاء
هذه الجنّةُ التي قد أُعــدتْ * تتراءى لأُعينِ الشُهـــداء
لم تكن غيرَ ساعةٍ هي فصلٌ * بين أُخرى الهنا ودنُيا الشقاء
ثم تحظى بخيرِ فوزٍ ونعمـى * بعد مأوى لجنّةِ الأتقيـــاء
وبنو هاشمٍ نطـاقُ عيــونٍ * مستديرٌ على خيامِ النســاء
وأبو الفضلِ فارسُ الجمع ترنو * مـقلتاهُ لمقُلـةِ الحـــوراء

الاستعداد للحرب

ولقد قاربوا الخيـامَ جميعــاً * دونَ بُعدٍ ما بينها وتنائـــي
واُحيطت في خَندق مــلأوهُ * حطباً حولهَا بخيـرِ امتــلاء
ليشبّوا يومَ الوغى فيه نــاراً * فيكونَ القتالَ عنـدُ اللقـــاء
حينما يحملونَ فيه لوجـــه * واحدٍ دونَ سائرِ الأنحـــاء
كلُّ هذا قد كان منهم بأمــرٍ * أخذوه عن سيّدِ الشهـــداء

===============

( 293 )

كلام الحسين عليه السلام مع نافع

وتهادى سبطُ النبـوّةِ ليـــلاً * لاختبار الرُبى بظلِّ الخفـــاء
حذراً أن تكونَ دون اختبــارٍ * مكمَناً للعِـدا وخيــرِ وقــاء
ورأى نافـعٌ إمـامَ البرايـــا * خارجاً في غياهبِ الظلمـــاء
فاقتفى إثرَهُ احتفاظـاً عليــه * خيفةً من غوائـلِ الأعـــداء
فرنا قائلاً : أنــافـعُ هــذا * ما الذي جاء فيكَ بعـدَ العِشـاء
قلتُ ياسيّدي خروجُـك ليــلاً * لثنايـا مُعسكــرِ الخُصَمــاء
قال فاسُلك ما بينَ تلك الروابي * وانجُ بالنفس مِن عظيـمِ البـلاء
هي واللهِ ليلةُ الوعـدِ صِدقــاً * وهو وعدٌ خلوٌ مِن الافتـــراء
قلتُ واللهِ ما أنا عنكَ مــاضٍ * قطّ حتى أذوقَ كأسَ الفنـــاء
فَرسي هَذهِ بألــفٍ وسيفــي * مثلُهـا سيّدي بحــدٍّ ســواء
لستُ أنأى حتّى يَكِلا بفــريٍ * ويجريٍ منّي بــأيّ تنائــي

حبيب والأصحاب أمام خيمة النساء

وسمعتُ الحوراءَ حينَ تــوارى * وأنا واقفٌ أمــامَ الخبـــاء
تَتناجى معَ الحسيــنِ وقالــت * وهي تبكـي يا سيّدَ الشُهــداء
هل تبيّنتَ وابتليــتَ النوايــا * من جميعِ الأصحاب ِخيرَ ابتلاء

===============

( 294 )

إن طعمَ الحِمــامِ مُرٌّ وأخشـــى * أنــا أن يُسلمــوك دونَ عنـــاء
عندَ وقتِ اصطكاكِ كــل سنــانٍ * بسنـانٍ فــي وثبــةٍ شعـــواء
قــال جرّبتُهـم فـلـــم أر إلاّ * أشوساً أقعسـاً شديــدَ المضـــاء
وهُمُ يأنسـونَ بالمــوتِ دونــي * رغـبــاً في مســرّةٍ وهنـــاء
مثلما في محالــبِ الأمِّ شوقـــاً * يأنسُ الطفلُ عندَ وقــتِ الغـــذِاء
قلـتُ إي والإلـــه وانصعــتُ * أسعى لحبيبٍ في حَسـرةٍ ورثـــاء
قلت هذا جــرى فهلا تنـــادي * كل أصحابنــا بخيـــر نـــداء
قال سمعاً وطاعــةً ودعـــاهُم * ياليوثَ الهيجــا بخيــرِ دُعـــاء
فأجابـوا لبيّكَ حيــنَ تجلَّـــوا * كأُسودِ الشرى وشُهــبِ السمـــاء
قال ردّوا فلا سهرتُــم عُيونــاً * لبنـي هاشــمٍ عيــونُ العـــلاء
وحكى للصحـابِ ما قد حكـــاهُ * نافـعٌ عنــدَ ساعــةِ الإبتـــداء
فأجابــوه كلُّـهـم لـو أتتنـــا * ساعةُ الإذنِ من أبــي الأزكيـــاء
لبـدأناهُــمُ جميعــاً عُجـــالاً * نَحنُ بـالحــربِ دونَ أيّ رخــاء
قال سيروا معي وكان أمامَ الصَحب * يَسـري عَـــدْواً وهُم مِــنْ ورَاء
وهُمُ يَهرعـونَ جنبـــاً لجنــبٍ * وَجثوا قـُرب خيمــةِ الحـــوراء
وحبيبُ نادى فنـــادوَاوا جميعــاً * يـا كريمـاتِ خاتـــمِ الأنبيـــاء
هذه هذه السيـــوفُ المواضــي * من جميـعِ الغُلمــان والأوليـــاء
قد أصرّوا طُرّاً بـأن يُغمدُوهـــا * في نَحورِ العِـدا بيـــوم اللقـــاء
والعوالي آلوا بـأن يـركـزُوهــا * دونَكُم في صُـدورِ أهــل العِــداء
سوفَ نفديكُـم بكــلِّ نفيـــسٍ * ونـفــوسٍ مخلـوقــةٍ للفـــدِاء

===============

( 295 )

لن تُصابوا ونحنُ تَطُرفُ فينــا * مقلةٌ قطّ بـالأذى والعَنـــاء
لا نرى منكُمُ قتيـلاً وفينـــا * رَمقٌ مِن نوابضِ الأحيـــاء
فتعالى من النسـاء صُــراخٌ * ضجّ منه بالنوحِ كلُ فنـــاء
دافعوا عن بناتِ طهِ وحامــوا * غيرةً عن حرائرِ الزهـــراء
فعراهُــم من النحيــبِ دوّيٌ * طَبّقَ الاُفُقَ مِن رحيبِ الفضاء

الإمام الحسين والحوراء زينب عليهما السلام

وعليُّ السجادِ أنبــأ فيهـــا * بحديثٍ عن سيّــدِ الشُهــداء
قد رأيتُ الحسيـنَ يُصلحُ سَيفـاً * بينَ كفيّهِ تحتَ ظـلِ الخبِــاء
وهو يَتلو يا دهرُ كم لك غـدراً * مِنْ قتيلٍ مُضـرجٍ بالدمـــاء
لك أُفٍّ على مـرور الليالــي * مِنْ خليلٍ مُولّــعٍ بالجفـــاء
فَتفهّمــتُ مــا أرادَ بهــذا * وتيقنت في وقُـوعِ البـــلاء
وأتت عمّتـي وقد سمعتهـــا * من أخيها تجُرّ ذيلَ الـــرداء
وهيَ تدعو بالثّكلِ ليت حياتـي * قبل هذا قد اُعدمَـت بالفِنــاء
يا ثمال الباقين من أهـل بيتـي * ولمن غاب خيـرة الخلفـــاء
هكذا يا أُخيُّ يُصنَـعُ ظُلمـــاً * بكَ منهُم يا نبعةَ الأصفيـــاء
قال لا يذهبنّ في حلمك الشيطانُ * طيشاً أُختـاه دون ارعـــواء
وتَعزِّ استكانـةَ واصطبـــاراً * بعزاءِ الرحمن خيـرَ عــزاء
ليس يبقى أهلُ السمـاء وأهـلُ * الأرض يُفنونَ مثلَ أهلِ السماء

===============

( 296 )

ولنا اسوةٌ وخـيــرُ عـــزاءٍ * بالمنايا في خاتــمِ الأنبيـــاء
وبكى رقّةً عليهــا وحُـزنــاً * حينَ أهوت من غَشيةِ الإغـمـاء
قال فاربط أمناً على القلبِ منـها * منكَ بالصبر يـا إلـهَ العطــاء
وهو أوصى إلى العقيلـةِ جهـراً * ولزينِ العُبّادِ تحـتَ الخَفـــاء
فهي تعطي الأحكـامَ للناس فتوىً * بعد أخذٍ من زينـةِ الأولـيــاء
كلُّ هذا ستراً عليـه وحفـظــاً * لعليٍّ مـن أعيُــنِ الرُقَبـــاء

الإمام الحسين عليه السلام يرى جده في الرُؤيا

ورأى جـدَّه فأوحــى اليــه * قد تدانى ميعــادُ يومِ اللقـــاء
سيكونُ الإفطــارُ منك بحـقٍ * في غدٍ عندنا بوقـتِ المســـاء
بك أهلُ الجنانِ زادوا ابتشـاراً * والصفيحُ الأعلى بأصفى هناء (1)
ولقد جاء من إلـه البرايـــا * ملـك من أكــارم الامنـــاء
ليصون الدماءَ منكَ احتفـاظـاً * بين جنبي قـارورةٍ خضـــراء

____________
(1) الصفيح : السماء.

===============

( 297 )

برير وعبد الرحمن

قال عبد الرحمن حُبّاً ونُصحــاً * لبريرَ بـدونِ أيِّ جفـــاء (1)
حينما هازلَ ابتهاجاً وبُشـــراً * شخصَه في تَحبُّـبٍ وإخـــاء
ليس هذي بساعـةٍ يَعتريهـــا * باطلٌ دونَ ريبـةٍ وامتـــراء
قال واللهِ ما ودَدتُ اشتياقـــاً * أبــداً كـلَّ باطلٍ وريـــاء
طولَ عُمري طفلاً وكهلاً وقومي * لي بهذا مِنْ خيـرةِ الشُهــداء
غير أنّي مُستبشرُ النفسِ فيمــا * سوف نلقاهُ من نعيمِ البقـــاء
ليس إلاّ بأن يَميلـوا علينـــا * بالمواضي في ساعةِ الإلتقــاء
ثم إنّا نعانقُ الحـورَ فـــوزاً * بعدَ هذا في جَنّـةِ السُعـــداء
وحبيبٌ عندَ التبسُـم أوحـــى * ليزيدَ هذا بحــدٍ ســواء (2)
لو أتاني إذنُ الحسينِ لعجّلــتُ * عليهم مِنْ ساعتي باللقــاء (3)

____________
(1) عبد الرحمن الأنصاري وبرير بن خضير الهمداني.
(2) يزيد بن الحصين الهمداني.
(3) ملحمة أهل البيت عليهم السلام للشيخ الفرطوسي : ج 3 ص 288 ـ 296.

===============

( 298 )

الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي

ليس هناك في التأريخ البشري ـ حسب علمنا ـ قصيدة أو منظومة أو ملحمة شعرية نظمت من بحر واحد وقافية واحدة وروي واحد واجتاز طولها آلاف الأبيات مثل ( ملحمة أهل البيت عليهم السلام ) التي نظمها الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي ولا أدري إن كان ما يسمى في الغرب بكتب الارقام القياسية قد وصلته هذه المعلومة أم إنها قد طويت جهلا أو تبخيساً مثل كلّ الإنجازات الخارقة والأعمال الباهرة التي لا يُلتفت أليها عمداً وقصداً.
فهذه الملحمة ـ ان صح التعبير ـ ما راثون طويل بنفس واحد وبخطوة متكررة واحدة وبحركة حثيثة واحدة ويكفي الشيخ الفرطوسي فخراً أنه أطالها وتجاوز في إطالتها ولو لم يكن له منها إلا هذا الطول لكفاه.
أما ما يخص ليلة عاشوراء فلدينا 157 بيتاً من الملحمة توثّق كلّ ما جرى في هذه الليلة العظيمة على طريقة المنظومات مع حساب الفارق فالنظم هنا على بحر مركب التفعيلات هو بحر الخفيف وليس بحر الرجز السهل النظم ـ فالعرب تسميه حمار الشعر وتسمي من ينظم فيه راجزاً لا شاعراً تفريقاً ـ إضافة الى القافية الموحدة في ملحة الفرطوسي وهي غير قوافي المزدوجات السهلة اليسيرة.

===============

( 299 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net