متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
17 ـ الشيخ عبد الكريم آل زرع (العبق الفواح)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
15 ـ للشيخ عبد الكريم آل زرع(1)

العبق الفواح
أليلة عاشوراء يا حلكــاً شَبَّــا * حنينك أدرى من نهارك ما خبّــا
وما خبّأ الآتي صهاريـج أدهُــرٍ * بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّــا
بساعات ليلٍ صرَّم الوجـدُ حينهـا * يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّــا
يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجـاهُمُ * دَويّاً كمن يُحصي بجارحـة تعبـى
لقد بيّتوا في خاطر الخلـدِ نيــةً * أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهبـاً
وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما * برشف فرندٍ يحتسون بـه الصَّهبـا
فواعظمهم أنصار حَقِّ توغلــوا * إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا
فأكبْــر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً * وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا
بهم ظمأٌ لـو بالجبــال لهدَّهــا * ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتها تُربــا
عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغـت * ولو رامت الأفلاك كانت لها تربـا
وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَهــا * شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكـرَ واللبّــا

____________
(1) هو : الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع ، ولد في تاروت ـ القطيف سنة 1381 هـ ، يعمل حالياً في شركة ارامكو ، ولا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف ، ومن نتاجه الأدبي القيّم ديوان شعر ( مخطوط ) أكثره في أهل البيت عليهم السلام ، وهو أحد النشطين بالمشاركة في النوداي الأدبية والدينية.

===============

( 281 )

تُراعي بأشباح الظلام عُيونُهـــم * حريماً وأطفـــالاً مُرَوَّعَةً سغبى
حريماً وأطفالاً براهُــنَّ غائــلٌ * من الوجَل المحتوم مُنقَدحاً كربــا
على وجلٍ يخفقنَ من كلِّ همســةٍ * يُنمنْمُ هولُ الخطبِ في عينِها عَضبا
خيامٌ عليها خيَّم الوجــدُ ناحِــلاً * وَجَلّى عَليّهَا الغمُّ بالهـمِّ مُنصَبَّــا
بنفسِيَ آلُ المصطفى أَحدَقـتْ بهم * ضُروبُ الرزايا حَزَّبتْ حَولهمُ حِزبا
تدور عليهم بالشجــى فكأنّهــم * بفطرتهم كانوا لجمرتهــا قُطبــا
ألا ليتنـي حيث التمنـي عبــادةٌ * لمن ليس في عينيه غير المنى دربا
خباءٌ به النيـران كفٌ تقطّعــت * وصدرٌ غدا للخيل مضمارها نهبـا
وقلب تفرّى بالظَّمـا وجــوارحٌ * تُوزَّعُ بالأسياف مَحمــرةً إربــا
بنفسي أبو الأحرار ما ذاق جُرعـةً * ليجرع كأس العزِّ مُترعـةً نخبــا
ألا ليت لي لثم الضريح ورشفــهُ * من العبق الفـوَّاح ألثمُــه عبّــا
وأهتف يا مولايَ جئتـك دمعــةً * نشيداً ، جراحاً ، دامياً ، ولِهاً ، صَبَّـا
ألا ليتني بين السيـوفِ فريســةً * لإيقاعها غنَّت جوارحـيَ التعبــى
أقي قلبك الصادي بقلـبٍ أذابَــهُ * نوى هجرك الممتدِّ يا سيدي حقبـا
اُفدِّيك إجلالاً وأنشـدُك الحُبّـــا * أتُحرمُ عذبَ الوِرد يا مورداً عذبـا
ويا عنصر الألطاف من روح أحمد * بأوردة الدنيا يُكلّلهــا الخصبــا
ويا عبقا من رحمة الوحي فاتحــاً * تَنشَّقَ منه الماحلُ النسـمَ الرطبــا
ويا قبسا في العيـن يُثقلهــا رؤى * تفرَّسُ بالايمان تختـرقُ الحُجبــا
ويُكحلها التقوى حيــاءً وعفّــة * ويسكبُ فيها من هواه المدى سكبـا
فأنت الذي في العين يُذكي سناءَهـا * فتحلوا إذا ترنو أو اثّاقلت هدبـــا

===============

( 282 )

لأن مراسيهــا هواكــم ونورُكــم * وإكسيــرُها فيضُ المـودة في القربـى
أفدِّيك يا من الهبَ الشمـسَ والسمــا * نجيعاً فذابــا في قداستــهِ ذوبــــا
على أنّ مُحمــرّ السمــاءِ تألَّــقٌ * لتُزجي به من فيضك الشـرق والغربــا
أفديك يا فرع الرسالــة يا هــوى * لأحمد في الآفـاق يملـــؤها حُبّـــا
ويا مبسماً يحكـي شفــاهَ مُحمــدٍ * وريــاه ما قلت ولا عطرُها أكبـــى
عليه ولا أدري أتقبيـــل عــودةٍ * بها شغـفٌ أم رام يوسعــه ضربـــا
ويا كبدا حرى تفـرَّت من الظمـــا * وفيها الفراتُ انساب سائغــهُ شُربـــا
ويا صارما لولا الحنــانُ أعاقــه * لَقَدَّ الدنـــى قَدّاً وقَطَّعهَـــا إربــا
بمهجته الغيرى وان نــزَّ جُرحُهــا * يرصُّ معانـي المجــد مملوءةً لبـــا
ويا صامداً ما زعزعتْ من كيانـــه * صنوفُ الردى بل لم تحرَّك له هدبـــا
ويا مقلة ما زال يعصرهـــا الأسى * لترويْ بقايــا الآهِ والــدمَ والجدبــا
بكت قاتليهـا والذيــن تَجمَّعُـــوا * لثاراتِ بـدرً ضدَّه اجتمعـــوا إلبــا
رأت روحُك الاسلامَ جرحاً فلم تطـقْ * هواناً وصبراً فاعتلتْ تُعلـنُ الحربـــا
وتلثمُ صابَ الدهرِ جذلـى ولا تـرى * جراحاً تنزُّ الآه قـد ذربــت ذربـــا
وسالت على جرح الهدى اعتصمتْ به * وصبَّت حياة القدس في فمـه صبّـــا
اُفدِّيك يا من قبَّل السيـفُ نَحـــرَه * ففاض وأضفى وانثنى يكرَهُ النصبـــا
ويا واحدا لا نِدَّ شاركَـــهُ المــدى * وَوهْجَ الجهادِ الحـرِّ والـدمَ والدربـــا
اُنبِّيكَ ما زال الزمــانُ مـــردداً * صداكَ ملأتَ البحرَ والأُفقَ والرحبـــا
وأنَّ سيــاجــاً من دماك وجمرِها * وأحمرِهــا ما زالَ متقَّــداً شهبـــا
يحيطُ الطواغيتَ اللئــام بلفحِـــهِ * فيصبُغُهمْ ذعرا ويملؤهــم رعبــــا

===============

( 283 )

إلى الان وقـعُ اسم الحسين بسمعِهمْ * وأحرفِهِ ما زالَ مستصعباً صعبــا
تصارعُ أحقـابُ الدهورِ ونفسهــا * على ان ترى ندّاً يجــدده وثبــا
يعيد لميدان الجـهـاد وميضَـــه * ويُذكى أواراً من سوى فيك ما شَبـّا
ويوقظُ افكاراً عليهـا من الونــى * تراكمُ أحقـابٍ مخثـرةٍ حجبـــاً
ويروي بسلسالِ النجـيعِ عقيــدةً * بغيرِ دماكَ الطهرِ لم تعرفِ الخصبا
ويصنعُ يا مولاي ما كـنتَ صانعاً * ويهمي علينا من بسالتِه صوبـــا
ولكنه الدهرُ الذي عَقمـتْ بـــه * لياليـهِ أن تأتــي بمثلكَ أو تُحبى
ولو رام نِدّاً لاستشــاركَ عنــوةً * لأنَّك أولى مَنْ يخطّطُـه لحبـــا
وأدرى به علمـاً وأجلـى به رؤىً * ولكنــه يأبـى وإنك لا تأبـــى
لقد خسر الدهرُ الرهـانَ فلم يطـق * محالٌ عليه اليوم ان كرر الذنبـــا
وقد صدَقَ الحُسادُ أنَّ يـزيدَهــم * تكرر في الأزمان ممتلئا عُجبـــا
ونحن نقولُ السبطُ مـا زال باقيـاً * هو السبطُ لا قولَ افتراءٍ ولا كذبـا


عبد الكريم آل زرع
28 / 10 / 1416 هـ
تاروت ـ القطيف




===============

( 284 )

الشيخ عبدالكريم آل زرع

الشاعر آل زرع يختبر طاقاته التعبيريه والتوصيلية إختباراً مطوّلاً مع بحر عصيّ وقافية غير مطواعة عاصت جهده ودأبه في أكثر من موضع ، فتراكيبه وأبنيته تُظهره لنا صائغاً يحاول أن يتفرّد في استخدامه للألفاظ والعبارات ، فيرفع عن كفيه أصابع الآخرين حين الكتابة ، وهذه المحاولة جادّة وظاهرة عنده فقصيدته لها شخصية متميزه لعلها لا تُحاكي أحداً ولا تُصغي لقول الآخرين الشعري بحيث تبدو بصمات الغير على قماش القصيدة أو إطارها ، وأمام آل زرع مهمة شاقّة لأن قصيدته طرق متأنٍّ على حجر صلد يحاول الشاعر أن يقنعنا أنه قد شكّل أو كوّن مايمكن معرفته ، لكنّي أقول إنه متعجّل في التعامل مع مادّته الشعرية ، فهو يطهو على نار هادئة لكنّه يُنزل قدره قبل النضج بفترة وجيزة ـ إن صحّ التشبيه ـ وهذا واضح عند تأمّل أبياته فهو صاحب بيت شعري متماسك الصدر دائماً لكنه يتعب في عجز البيت غالباً فيصل القافية منهكاً ، فنلاحظ هذا الصدر المتجاوز للمألوف بصياغته المتفرّدة
يقضّي بها صحبُ الحسينِ دُجاهمُ...دوياً.....
فما أجمل هذه المحاذاة الناقلة لحالة ( دويّ النحل ) لكن آل زرع تعجّل بإلصاق عبارة تشبيهية تُضر بجمال ما تقدّم وهي عبارة ( كمن يحصي بجارحة تعبى ) فما علاقة الإحصاء بالجارحة التعبى بحالة العبادة والخشوع التي يؤدّيها الأصحاب في اُفق الإنتظار ، ونلاحظ أيضاً هذا البيت :

===============

( 285 )

وقد قايضوا الارواح بالخلد والظما برشف فِرَنْدٍ.....
فينتقل من الرشف وهو شرب على رقة للسوائل من المشروبات الى الاحتساء الذي هو شرب أيضا ولكنّه للأغذية الصلبة التي اُسيلت فتشرب حارة عادةً ، فدخل البيت الى منطقة القلق في المعاني بعبارة ( يحتسون بها الصهبا ) فكان الجمال في التصور والتأمل لكنّ الألفاظ خانت التعبير.
وكذلك الحال في أكثر من موضع حيث تنقلب الأعجاز على الصدور الجميلة فتخنقها فمثلاً :
على وجلٍ يخفقن من كلِ همسةٍ....
فأنت الذي في العين يُذكي سناءها.....
ويا مبسماً يحكي شفاه محمد.....
من أين تأتّى لهذا الغرّيد الفذّ أن يكبو هذه الكبوة ؟
في نظري أن آل زرع إختار أن يتحدّى قالباً شعرياً من أعسر القوالب في إختياره بحر الطويل التام وفي إختياره لحرف الباء المفتوح كرويّ لقصيدته ، فبحر الطويل التام أطول بحور الشعر العربي قاطبة وخصوصاً في الأعجاز التي يستمر الشاعر في النظم عليها الى نهاية القصيدة ، فعلى الشاعر أن يحشو فيه بكثرة لكي يصل الى آخره ، فلم يستطع الافذاذ من شعراء العربية أن يكتبوا به نتاجهم الأفضل منذ إمريء القيس في :

ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البـــالي * وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟

وهذا الحكم سائر على القصيدة العربية المنظومة به كقاعدة قابلة للإستثناء.
وإذا أضفنا أن آل زرع إختار حرف الباء المفتوح كرويّ لقافيته فستزداد

===============

( 286 )

الصعوبة ويتعسّر الطلب ، وللشاهد سنذكر قصيدتين كانتا على بحر الطويل التام وزناً وعلى حرف الباء المفتوح رويّاً لنثبت ـ على سبيل المثال ـ ما قدمنا.
القصيدة الاولى للسيد حيدر الحلي ومطلعها :

لحى الله دهراً لو يميل الى العتبى * لأوسعت بعد اليوم مسمعه عتبا

والقصيدة الثانية للسيد مصطفى جمال الدين بعنوان ( معلم الأمة ) والتي مطلعها :

جذورك في بغداد ضامئة سغبى * وظلك في طهران يحتضن العربا

فالمتتبع لنتاج الشاعرين يرى بوضوح أن هاتين القصيدتين ليستا من جيد شعرهما مما يؤكّد ما ذهبنا اليه في أن الشاعر عبد الكريم آل زرع ركب المركب الصعب.
وعلى قسوة هذه الملاحظات فإنها تشد على يد الشاعر بإخلاص للتأني وعدم العجلة فإن في قصيدته المزيد من الموفقية ولعلي أختم بإبداء إعجابي بأكثر أبيات القصيدة توفيقاً وهو :

لان مراسيها هواكم ونوركم * واكسيرها فيض المدوة في القربي

===============

( 287 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net