متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
12 ـ الاستاذ شفيق العبادي
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

12 ـ للشاعر الأستاذ شفيق العبادي(1)

الى سيدتي الذكرى
اطلّي...
فقد أينع الشوقُ وانداحَ عطرُ الحنين
وجئنا على الوعد ياامرأة زادُها الحزن والذكرياتْ
لأبنائها الراحلينْ
مع الشمس كي يُشعلوا ظُلمات المساءْ
لنقطف من شجر القلب أشهى القصائدْ
وننثُرها بين كفيك يُنبوع ماءْ
قرابينَ
لكنها...
ـ يالفرط البلاهة ـ
من أحرف مطفآت
لكيما...
____________
(1) هو : الشاعر الاستاذ شفيق معتوق العبادي ، ولد سنة 1385 هـ فى تاروت ـ القطيف اكمل الثانوية العامة ، يعمل حاليا موظفا فى كلية الطب بجامعة الملك فيصل بالدمام ،يكتب الشعر والمقالة وا لقصة وينشر نتاجه الادبي في الصحف المحلية وبعض الصحف العربية ، كتب عنه في عدد من الكتب التي تناولت ادب المنطقة وفي الدوريات الادبية وله مشاركات بارزة على الصعيد الادبي والثقافي.

===============

( 263 )

تُضمّد أحزانها وتطيرْ
وتبقين وحدك في وحشة الدرب
ترعين غرس الدماءْ

***

ولكنه العشق سيدتي فاعذريني
إذا ما خدشت حياء القصيدةْ
فجاءتْك ترقص في موكب الحزن مأنوسة بالجراحْ
وقد راح غيري يروّيك بالأدمع الخاثراتْ
ففي حضرة الوجد مَنْ ذا يُطيق إغتصاب الحروفْ ؟

***

إذا ما انتحيت عن السرب حلّقتُ وحدي
أُعير جناحيَّ للريح كيما تحلّقَ بي للفضاءْ
فلا أُفق.. غير العيون المليحات يستوطن الشعرْ
لا شيء يُطرب هذا اليراع المعنّى
سوى لغة منكِ تذكي لظاهْ
ليرحلَ نحو النجومِ البعيدةْ

===============

( 264 )

ويبحث عن لغة طعمها العشق
عن لغة لونها العشق
كي يستعير القوافي
ليستلهم الذكريات العذارى
ويروي الحروف الظماءْ
ويعزف من وجع القلب ذكرى هواهْ
وذكرى صباهْ
وذكرى الليالي الجميلةْ
فأنت العيون التي ألهمت ريشتي كلّ هذا الغناءْ

***

وأنت العيون التي شاغلتني خطاها طويلاً
وأوسعتها غزلاً
ذبت فيها جوى
سرت من أجلها في دروب المنافي
تأرجحت فوق حبال المشانقِ
خالفت في شرعة الحب كلّ القوانينِ
عارضت كلّ رجالِ القبيلةْ
فلولاك..

===============

( 265 )

لولاك..
يا حلوتي ما تجشمت هذا العناءْ

***

وسافرت بين سواحلها الزرق
أبحث عن نورس أنكرته الشواطيء
ضاقت بعينيه كلّ الدروبْ
وقص جناحيه برد المدينةْ
جزيرته في أقاصي البحار
وأعراقها في حنايا السماءْ
يجيء على فرس الريح في كلّ عام اليها
ليُسمِعها الأغنيات الحزينةْ
ويحمل ما بين عينيه ذكرى جديدةْ
لملحمة الكبرياء
ليغرس
أعشاشها في الذرى
ويرحل عنها لُقىً في العراءْ

شفيق العبادي
20|2|1417 هـ تاروت



===============

( 266 )

الأستاذ شفيق العبّادي

شفيق العبادي حسٌّ نابض بحيوية العاطفة وصدقها ، بجرأة المواجهة يُغنّي موّالاً مفرداً بأسى عميق لكن بلا دموع ، فهو يحتفل بحزنه الخاص على طريقته الخاصة أيضاً ، لذا فهو يعزف تحت شرفة الذكرى ، يعزف على أوتار الشوق اليانع والحنين المعطّر لكي تُطلّ عليه الليلة بحزنها وذكرياتها ليتمّ لقاؤه بها ، فينثر بين كفيها قصائده النابعة من القلب بإحرفها المطفآت ليعبّر لها عن الخيبة والمرارة لأنه صادق العواطف لكنّه يصاب بالبله أمام جلالها الآسر فلا يمنحها إلاّ خواء قصائده التي تضمّد أحزانها بعد اللقاء وتطير في سماواتها لتبقى الذكرى وحدها في عملية مستحيلة لغرس الدماء.
ويرجع العبادي ثانية ليعزف على وتر آخر هو وتر العشق ليرقّص قصيدته المخدوشة في حيائها في الموكب العام للحزن ، في الإحتفالية الجماعية بقدوم الذكرى.
يحس العبادي بتفرده فيسلك سلوكاً مغايراً للسائد والمتعارف وكل ذلك بسبب من علاقة حضور صوفية أسماها (الوجد) تضيع فيها اللغة وتعود للحروف بكارتها الاولى فلا يستطيع الواجد الصوفي أن يرى إغتصاب الحروف فيلجأ إلى نوع من الصمت الناطق بالحيرة والذهول والتفرّد والإنتحاء عن السرب والتحليق المنفرد التائه لأنه يعير أجنحته للريح لضياع أمكنته فلا أفق له ، لكن عيون الذكرى تستوطن الشعر وتشعل إنطفاءاته ليبتديء البحث عن لغة حسيّة بطعم العشق ولونه

===============

( 267 )

فتكتمل أدوات الشاعر ليعزف على وتر الوجع ، تكتمل أدوات الفن كلها ، ريشة ملهمة تغني ووتر يعزف ، ويبدأ عزف آخر على وتر الغزل لتنكشف تضحيات الشاعر وعناؤه وذوبانه ثمّ نفيه ثم بحثه عن قناع يندرج تحت ظلاله فيجده في نورس منفي تنكره بيئته البحرية وتمنعه المدن بظواهرها غير الطبيعية من الطيران فيعاني غيبة وانقطاعاً عن المكان ، لكنه يتواصل مع الذكرى تواصلاً حياً دفّاقاً ، له موعد محدد يجدّد الذكرى التي يحملها مابين عينيه ويغرس حنوّه والتحامه معها ثم يرحل أيضاً.
والعبادي يحاصر تجربته بجوّ محزن حادّ ويمسحها بجناح رومانسي محلّق ويطوّع نَفَساً ونبرة إيقاعيتين متبادلتين ومتعامدتين في تتابع مقاطع القصيدة ، فمع أفقية النَفَس (الذي لا يفارق القافية بيسر بل يختم مقاطع القصيدة بقافية همزية متكررة ـ الدماء ، الفناء ، العناء ، العراء ـ وهذه الظاهرة فيها بصمات الإكثار من النظم على طريقة العمود) تقفز تلك النبرة المتخفية لتلملم شتات التداعيات ليسلم تأمله الشارد من أضطرابات اللاشعور الذي يكشف رغبات وأماني الشاعر المكبوتة في تجاوز الألم التقليدي وإكتشاف شعائر أخرى للتعامل مع المتخيَّل عند الجماعة ، فهو تجنّب السطحية والتقريرية والمباشرة لصالح الغموض وعَمَه الرموز الذي قد يؤدي إلى العجز عن تصور أو تشكيل رموزه عند المتلقين مما يحقق فجوة عريضة على مستوى التوصيل.

===============

( 268 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net