متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ج ـ الرضا والتسليم لله تعالى
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

ج ـ الرضا والتسليم لله تعالى.
وهو : ترك الاعتراض والسخط باطناً وظاهراً ، وَقولاً وَفعلاً ، وهو : من ثمراتِ المحبة ولوازمها ، إذ المُحب يَستحسنُ كُلمَا يصدر عن محبوبه ، وصاحبُ الرضا يستوي عندَهُ الفقرُ والغنى ، والراحةُ والعناء ، والعزُ والذل ، والصحةُ والمرض ، والموتُ والحياة ، ولا يُرجحُ بعضَها على بعض ، ولا يثقلُ شيءُ منها على طَبعه ، إذ يرى صُدورَ الكل من الله سبحانه ، وقد رسخ حُبه في قلبه ، بحيث يُحب افعالَه ، ويَرجُح على مُراده مُرادُه تعالى ، فيرضى لكل ما يكون ويرد.
وروي : أن واحداً من أرباب الرضا عمَّر سبعين سنةً ، ولم يَقل في هذه المُدة لشيء كان : ليتَهُ لم يكن ، ولا لشيء لم يكن : ليته كان.
وقيل لبعضهم : ما وجَدتَ من آثار الرضا في نفسك ؟
فقال : ما فيَّ رائحةٌ من الرضا ! ومع ذلك لو جعلني اللهُ جسراً على جهنَّم ، وعبرَ عليه الاولون والاخرون من الخلائق ودخلوا الجنة ، ثم يلقوني في النار ، وملأ بي جهنَّم ، لاحببت ذلك من حُكمه ، ورضيتُ به من قسمه ، ولم يختلج ببالي أنه لِمَ كان كذا ، وليت لم يكن كذا ، ولِمَ هذا حظي وذاك حظهم.
وصاحبُ الرضا أبداً في رَوح وراحة ، وسُرور وبهجة ، لانَهُ يشاهدُ كلَ شيء بعين الرضا ، وينظرُ في كلِ شيء إلى نور الرحمة الالهية ، وسر الحكمة الازلية ، فكأن كلَ شيء حصل على وفق مُراده وهواه.
وفائدةُ الرضا ، عاجلاً ، فراغُ القلبِ للعبادة والراحة من الهموم ، وآجلاً ،

===============

( 115 )

رضوان الله والنجاة من غضبه تعالى.
والرضا بالقضاء أفضل مقاماتِ الدين ، وأشرف منازل المقربين ، وهو بابُ الله الاعظم ، ومن دخلهُ دخلَ الجنة ، قال الله سبحانه : ( رَضيَ اللهُ عنهُمْ ورَضوا عَنهُ )(1).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله)أنه سأل طائفةً من أصحابه : ما أنتم ؟ فقالوا : مؤمنون. فقال : ما علامةُ إيمانكم ؟ فقالوا : نَصبرُ على البلاءِ ، ونشكُر عند الرخاء ، ونرضى بمواقع القضاء. فقال : مؤمنون ورب الكعبة .
وقال (صلى الله عليه وآله) : إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن رضي اصطفاه(2).
ذلك هو الرضا والتسليم لله تعالى في قضاءه وقدره من خير أو شر ، والذي هو من سمات وصفات الاولياء وأهل الايمان والذين ينظرون إليه تعالى ـ بعين الرضا وكأنه حصل وفق مرادهم.
وهذا الجانب الايماني العظيم ظهر وبشكل بارز وواضح في سلوك أهل البيت (عليهم السلام) كما نراه واضحاً في سلوك سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) والذي ما انَفك عنه في كُل أحواله وأفعاله وأقواله ، ولم يظهر عليه أيُ أثر خلاف ذلك.
بل كان في أعلى درجات الرضا والتسليم للخالق تعالى ، فكانت حكمتهُ في الحياة : رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبرُ على بلائه ، ويوفّينا أجور الصابرين (3).
وقد روي انه(عليه السلام) فَقدَ له ولداً في حياته فلم يُرَ عليه أثراً للكآبة فقيل له
____________
(1) سورة المائدة : الاية 122.
(2) جامع السعادات للزاقي : ج3 ، ص202.
(3) اللهوف : ص26 ، بحار الانوار : ج44 ، ص367.

===============

( 116 )

ذلك ؟!
فقال (عليه السلام) : إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا ، فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا(1).
وتشهدُ له بهذا أيضاً المواقف المريرة ، ـ يوم العاشر ـ والتي يقول فيها : وقوله أيضاً عند اشتداد المصائب عليه وذلك لما قُتل رضيعه : هَوّنَ عليِّ ما نَزَل بي أنَّهُ بعين الله(2).
وقوله(عليه السلام) لما اُصيب بسهم : اللهم إن هذا فيك قليل(3).
يقول الشيخ الوائلي :

ومشت فـي شفاهك الغر نجوى * نمّ عنهــا التحمـيد والتهليل
لك عتبي يارب ان كان يرضيك * فهـذا إلـى رضــاك قليـل

وقال آخر على لسان حال الحسين عليه السلام :

تركت الخلق طراً في هواكا * وأيتمت العيال كي اراكا
فلو قـطعتـني بالحب إرباً * لما مال الفؤاد إلى سواكا

فكان ـ صلوات الله عليه ـ في أعلى درجات الايمان والذي من إشعاعه الرضا والتسليم لامر الله تعالى وقضائه.
وأما ظهور هذا الامر في هذه الليلة العظيمة ، فأمرٌ واضح في سلوكه (عليه السلام) ، مع ما هو فيه من البلاء العظيم الذي يحذق به وبأهله وأصحابه ، فكان كلما اشتد عليه
____________
(1) حياة الامام الحسين (عليه السلام) للقرشي : ج1 ، ص123
(2) اللهوف لابن طاووس : ص50 ، بحار الانوار : ج45 ، ص46.
(3) حياة الامام
الحسين
للقرشي : ج3 ، ص284.

===============

( 117 )

الامرُ يكثر وقاره ، ويزيد اطمئنانه ، ويشرقُ لونه ، وتهدأُ جوارحه ، وتسكن نفسه(1) لأنه ـ صلوات الله عليه ـ يشاهد كل ما يجري عليه وعلى أهل بيته بعين الرضا والتسليم .
وكيف لا تطمئن نفسه وهو ينظرُ إلى في كل شيء بنور الرحمة الالهية ، ولذا اختص بنداء خاص(2) بقوله تعالى :( يا أيتُها النَفسُ المطمئنةُ ارجعي إلى ربك ) واختص برضاه عن ربّه ورضاه عنه بقوله : ( راضيةً مرضيةً ) ، واختص بعبودية خاصة وجنة خاصة منسوبة الى الله بقوله : ( فادخُلي في عبادي
____________
(1) جاء في معاني الاخبار للصدوق ـ عليه الرحمة ـ ص 288 باب معنى الموت ( ونقله في بحار الانوار أيضاً : ج44 ، ص297 ) : عن أبي جعفر الثاني ، عن أبائه (عليهم السلام) قال : قال علي بن الحسين (عليه السلام) : لمَّا اشتدَّ الامر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم ، لانّهم كلما اشتدُ الامر تغيرت ألوانُهم ، وارتعدت فرانصُهم ووجلت قلوبُهم ، وكان الحسين (عليه السلام) وبعضُ مَنْ معه من خصائصه تشرقُ ألوانُهم ، وتهدأُ جوارحُهم ، وتسكن نفوسُهم.
فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يُبالي بالموت !! فقال لهم
الحسين
(عليه السلام) : صبراً بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لاعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، إنَّ أبي حدثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. والموت جسر هؤلاء الى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذبت ولا كُذبت.
(2) روي عن دارم بن فرقد قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إقرءوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم ، فإنها سورة
الحسين بن علي (عليهما السلام) وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى ، فقال له أبو اُسامة وكان حاضرَ المجلس : وكيف صارت هذه السورة للحسين(عليه السلام) خاصّة ؟ فقال : ألا تسمع إلى قوله تعالى ( يا أيّتها النّفسُ المطمئنّة) الاية ، إنّما يعني الحسين بن علي (عليهما السلام) فهو ذو النّفس المطمئنّة الرّاضية المرضيّة ، وأصحابه من آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم الراضون عن الله يوم القيامة ، وهو راض عنهم. بحار الانوار : ج44 ، ص218

===============

( 118 )

وادخلي جَنَّتي )(1)(2).
ومن كلمات الرضا التي ظهرت في كلماته الشريفة في هذه الليلة قوله(عليه السلام) في ضمن أبيات أنشدها مراراً :

وإنما الامر إلى الجليل * وكلُ حيٍّ سالكٌ سبيلي

قالها بكل ثقة واطمئنان مذكّراً بأنّ هذا سبيل كلّ إنسان ، وأن الامر ينتهي إليه تعالى فلا رادَّ لقضائه ولا دافعَ لحكمته ـ عزّوجّل ـ.
ولما خطب في أصحابه هذه الليلة ابتدأها بكلماتِ الرضاء والتسليم لله تعالى وبالثناء عليه والشكر له تعالى قائلاً : أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء وأحمدَهُ على السّراء والضراء ، اللهم إني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً فاجعلنا من الشاكرين(3).
إنه بِحق أعظم موقف في مقام الشكرِ والامتنان لله تعالى على ما أعطاه ومنحهُ من نِعَم ، كما يثني عليه ويحمده على السراء والضراء الامر الذي يدل على تسليمه لامر الله ـ تعالى ـ ورضاه بقضائه في جميع الاحوال.
ومنها إيضاً قوله (عليه السلام) : في موقف مع أصحابه وأهل بيته (عليهم السلام) فإنَّ اللهَ لا يُخليني من حُسنِ نظره كعادته في أسلافنا الطيبين(4) ، والذي يدل على ارتباطه
____________
(1) سورة الفجر : الاية 27 ـ 30.
(2) الخصائص الحسينية للتستري : ص54.
(3) تاريخ الطبري : ج4 ، ص317 ، الارشاد للشيخ المفيد : ص231.
(4) أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص223.

===============

( 119 )

الشديد بالله ، وثقته العظيمة به وأنّ ما يجري عليه هو بنظره تعالى.
ومن كلماته عليه السلام في ذلك لهم : فاعلموا أن الله إنما يَهبُ المنازلَ الشريفة لعباده باحتمال المكاره ، وإن الله وإن كان قد خصَّني مع مَنْ مضى من أهلي الذين أنا آخرُهُم بقاءً في الدنيا من الكرامات ، بما سهّل معها على احتمال الكريهات ، فإن لكم شطرَ ذلك من كرامات الله ، واعلموا أن الدنيا حُلوها مرُّ ، ومرُّها حُلوٌ ، والانتباه في الاخرة ، والفائز مَنْ فازَ فيها والشقي من يشقى فيها(1).
إذ أخذ ـ صلوات الله عليه ـ يرغبهم في احتمال المكاره ، وأنه تعالى يَهبُ المنازلَ باحتمالها وأنه يحتملُها كرامةً لله ـ تعالى ـ ، كما أخذَ يُنَبهُهم من أمر الدنيا ، ويبين حقيقتها فالانسان فيها إمّا أن يُسعد أو يشقى ، فسعادته هي سيّرهُ وفقاً لما أراده الله عزوجل وسعياً لتحقيق الاهداف التي من أجلها خُلق ووجد ، وشقاؤه من اتباع شهوات الدنيا والتعلق بحبائلها والانشغال بزخارفها.
وأوضح (عليه السلام) أن مرارة الدنيا وصعوباتها حين تكون في طريق الله سبحانه تتسم في نظر المؤمن بالحلاوة والجمال ، فالمؤمن مُحب لله ويستحسن كلما يجري عليه من أجل محبوبه.
____________
(1) أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص223.

===============

( 120 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net