ب ـ البعد الديني في موقف أصحابه (عليه السلام)
وإذا ما تتبعنا الدوافع التي دفعت بأنصار الحسين عليه السلام للوقوف إلى جانبه ونصرته إلى آخر رمق في حياتهم ، وجدناها دوافع انبثقت من الشعور بالمسؤلية الشرعية ، والتي تأخذ بأعناقهم جميعا وتلزمهم بالتضحية معه مهما كلفهم الامر.
وقد أفصحت مواقفهم في هذه الليلة عن نواياهم الصادقة النبيلة ، وعلى طهارة نفوسهم فارتقوا بذلك إلى أرقى الكمالات النفسية ، إذ لم يمازح أهدافهم تلك أي نوع من الأهداف الشخصية ، أو المنافع المادية ، أو المطامع الدنيوية ، أو حب الجاه والشهرة.
بل كانت غايتهم رضى الله تعالى ونصر الرسول صلى الله عليه واله في شخص الحسين عليه السلام فأصبحوا مصداقا لقوله تعالى : ( إنهم فتية آمنو بربهم وزدناهم هدى ، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) (1)
وإذا أمعنا النظر في أفعالهم وأقوالهم في هذه الليلة ، وجدناها تفصح عن دوافعهم الأيمانية وشعروهم بالمسؤلية الشرعية التي لا مناص من الالتزام بها ، وهذا ما كان واضحاً جلياً في كلماتهم التي عاهدوا فيها الحسين عليه السلام على الشهادة حينما أذن لهم بالانصراف ، فمن تلك الكلمات ما يلي : ____________
(1) سورة الكهف : الاية 13 و 14.
===============
( 112 )
1 ـ كلمة مسلم بن عوسجة والتي يقول فيها : أنحن نصلي عنك ولما نَعذٌر إلى الله في أداء حقك.
وهذا صريح في أن هذا الامر واجب وفرض لا مناص منه ولِذا ابتدأ كلمته هذه بالاستفهام الانكاري قائلاً : أنحن نخلي عنك ؟! موضحاً أن الاعذار إلى الله تعالى لا يتُم إلا بنصر الحسين (عليه السلام) والوقوف معه وأنه ملزم بالاعذار تجاه الله تعالى وإنها مسؤلية شرعية ، معنى هذا أنه لو تخلى عنها هو وأصحابه فلا يكونون معذورين عند الله تعالى ، وجاءَ في رواية الشيخ المفيد ـ عليه الرحمة ـ بدل قوله : « ولمَّا نعذَر إلى الله » وبمَ نعتذر إلى الله في أداء حقك ، فبعدَ الاعتراف والاقرار بأن للحسين (عليه السلام) حقاً عليهم معنى هذا أنهم إذا لم يَنصرُوه ولم يؤُدوا حقَه كانُوا مسؤلين أمام الله تعالى وليس لهم حينئذ حجةٌ أمامَه يعتذرونَ بها.
2 ـ كلمةُ سعد بن عبد الله والتي يقول فيها : والله لا نُخليك حتى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك(1).
وهذه صريحة أيضاً كسابقتها في الدلالة في أن الامر لا يَعدو كونَه تكليفاً شرعياً يتضمن الالتزام بحفظ غيبة النبي (صلى الله عليه وآله) ـ والتي لا يختلف فيها اثنان ـ والمتمثلة في شخص الحسين (عليه السلام) الذي هو امتدادٌ لرسالة النبي (صلى الله عليه وآله).
وهذا ما أشار إليه أيضاً زهير بن القين في كلمته التي يقول فيها : فلما رأيتُه ذَكرتُ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه(2).
3 ـ كلمة جماعة من أصحابه والتي يقولون فيها :فإذا نحن قُتلنا كُنا وَفينا ____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص318 ، الارشاد للشيخ المفيد : ص231.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص316 ، وقعة الطف لابي مخنف : ص194.
===============
( 113 ) وقضينا ما علينا(1).
وهذه الكلمة تفصح أيضاً عن إيمانهم العميق بلزوم مؤازرته ، وشعورهم بالمسؤلية الشرعية التي تلزمهم بالدفاع عنه الذي هو الحق للحسين عليه السلام عليهم كالدين الشرعي والذي لا يتحقق قضاؤه إلا بالقتل معه فإذا تم ذلك قضوا ما عليهم من الالتزام ووفوا بما عاهدوه عليه.
إلى غير ذلك من كلماتهم والتي أفصحوا فيها عن إحساسهم وشعورهم بالمسؤلية الشرعية الدينية ، والجري نحوها مهما كلف الامر ، ولذا عاهدوه على الشهادة معه في سبيل الله تعالى. ____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص318.
===============
( 114 )
|