روى عن أبي حمزة الثمالي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام يقول : لمّا كان اليوم الذي اُستشهد فيه أبي عليه السلام جمعَ اهله واصحابه في ليلة ذلك اليوم ، فقال لهم : ياأهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملاً لكم وانجو بإنفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله ، فأنتم في حلٍّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيدنا يا أبا عبدالله ، لا خذلناك ابدا ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قُتل ، ونبلو بيننا وبين الله عُذراً ولا نخليك أو نُقتل دونك !! فقال لهم : ياقوم إني في غَد اُقتلُ وتُقتَلون كُلكُم معي ولا يَبقى مِنكم واحدٌ فقالوا : الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بنصرِكَ وشرّفَنَا بالقتل معك ، أولا ترضى أن نكون معكَ في درجتِكَ يا ابن رَسولِ اللهِ ؟ فقال عليه السلام جزاكم الله خيراً ! ودعا لهم بخير ، ـ فأصبح وقُتل وقُتلوا معه اجمعون ـ . فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام : وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه ، فقال له : يا بُني كيف الموت عندك ؟ قال : يا عم فيك أحلى مِنَ العسل ، فقال : إي واللهِ فداك عَمُكَ ، إنك لاحد من يُقتل من الرجال معي بعد أن تبلو ببلاء عظيم ، ويُقتل ابني عبدالله.
===============
( 33 )
فقال : يا عم ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمك ( يُقتل ابني عبدالله إذا جفت روحه عطشاً وصرت إلى خيمنا فطلبتُ له ماءً ولبناً فلا أجد قط فأقول : ناولوني ابني لاُشربه مِنْ فيَّ ) (1) ، فيأتوني به فيضعونه على يديَّ فأحمله لاُدنيه من فيَّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فأرفعه إلى السماء وأقول : اللهم صبراً واحتساباً فيك ، فتعجلني الاسنة منهم ، والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا ، فيكونُ ما يُريد الله ، فبكى وبكينا وارتفع البكاءُ والصُراخ من ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيم. ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي ، فيقولون : يا سيدّنا فسيدّنا علي ؟ فيشيرون اليَّ ماذا يكون من حاله ؟ ـ فيقول مستعبراً ـ : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه وهو أبُ ثمانية أئمة (2)
وفتية من بني عدنان ما نظـرت
*
عين الغــزالة أعلى منهمُ حسبـا
اكفُهم يخصبُ المرعى الجديب بها
*
وفي وجوههم تستمطــر السُحبـا
أكرم بهـم من مصاليت وليـدهمُ
*
بغير ضرب الصلى بالبيض ما طربا
____________ (1) كان في العبارة تصحيف وما بين القوسين هو ما أثبته صاحب معالي السبطين كما لا يخفى. (2) مدينة المعاجز للبحراني : ج4 ، ص 214 ، ح295 ، و ص 286 ، ط ـ قديم ، وروى هذه الرواية بإسناده إلى أبي حمزة ، ابن حمدان الحضيني في الهداية الكبرى : ص 43 ( مخطوط ) ، معالي السبطين للحائري : ج 1 ، ص 343 ـ 344 ، نفس المهموم للقميّ : ص343 ـ 344.