نهضة عاشوراء، قدوة الأحرار
(كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء)
لقد علّم سيد الشهداء (عليه السلام) الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة، فرغم أنه كان يعلم منذ البداية بأن عليه أن يضحي ــ في طريقه الذي سلكه ــ بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلاّ أنه كان يعرف عاقبة ذلك أيضاً.
علاوةً على ذلك فقد علّم الجميع على مر التاريخ وأرشدهم إلى أن هذا هو الطريق الصائب. علّمهم أن لا يخشوا قله العدد، فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم للإمام، الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم ومقاومتهم، فهذا هو الموصل إلى الهدف. من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلاّ أنهم قد يكونون خاوين أو ليسوا بالمستوى المطلوب.
ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً إلاّ أنهم أقوياء أشداء وشامخو الهامات.
*****
لقد علمنا إمام المسلمين أنه عندما يحكم المسلمين طاغوتٌ جائر فعلى المسلمين وعلينا أن ننهض بوجه حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها، علينا أن نقوم ونستنكر، علّمنا أن نضحي ونسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عُرضةً للخطر.
*****
لقد علّمنا سيد الشهداء (عليه السلام) بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب وخلفها، وماذا يجب أن يعلمه أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يؤدّون ذلك.
تعلمنا من الحسين (عليه السلام) كيفية النضال والجهاد الذي تقوده قلة من الناس بوجه جحافل الظلمة، وكيف يكون ثلة قليلة بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مناحي الحياة.
هذه أمور تعلمها شعبنا من سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته، كما تعلّم من ابنه الجليل الفذ الإمام السجاد (عليه السلام) ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة، هل ينبغي الاستسلام؟ هل يجب التخفيف والتقليل من حدة النضال والجهاد؟ أم أن علينا أن نقتدي بزينب (عليها السلام) التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب، فوقفت بوجه الكفر والزندقة، وتكلمت وخطبت كلما تطلب الموقف وكشف الحقائق، ومثلما مارس الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) دوره التبليغي رغم المرض الذي كان يعاني منه.
*****
لقد حدد سيد الشهداء (عليه السلام) وأنصاره وأهل بيته تكليفنا وهو التضحية في الميدان، والتبليغ في خارجه.
فنفس القيمة التي تحملها تضحية الحسين (عليه السلام) عند الله (تبارك وتعالى) ونفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته، تحملها ــ أو تقاربها ــ خطب الإمام السجاد (عليه السلام) وزينب (عليها السلام) أيضاً.
فتأثيرها يقرب من تأثير تضحية الحسين (عليه السلام) بدمه.
لقد أفهمونا أنه لا ينبغي للنساء ولا للرجال أن يخافوا في مقابل حكومة الجور. فقد وقفت زينب (سلام الله عليها) أمام يزيد ــ في مجلسه ــ وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يذقه بنو أمية قاطبة طيلة حياتهم.
كما أنها والسجاد (عليهما السلام) قد تحدّثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، وما قام به الإمام السجاد (عليه السلام) من الخطابة وكشف الحقائق فأكد على أن الأمر ليس مواجهة الباطل ضد الحق، وأن الأعداء قد شوهوا سمعة النهضة، وحاولوا أن يتهموا الحسين (عليه السلام) بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله !! هكذا أعلن الإمام السجاد (عليه السلام) الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، وهكذا فعلت زينب (عليها السلام) أيضاً.
وهكذا الأمر اليوم فسيد الشهداء (عليه السلام) قد حدد واجبنا وعيّن تكليفنا، وعلمنا أن لا نخشى قلة العدد في المواجهة ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق بما يتناسب مع ذلك الهدف.
*****
لقد ضحى الإمام الحسين (عليه السلام) ــ رغم قلة عدد أنصاره ــ بكل شيء، ووقف بوجه امبراطورية كبرى وقال: لا.
*****
بينما كانت شهادة سيد الشهداء (عليه السلام) أعظم خسارة، فإنه كان يعلم ماذا يفعل، بأي اتجاه يسير، وما هو هدفه، فقد ضحى واستشهد، وعلينا نحن أيضاً أن نعقد أملنا ونهتدي بتلك التضحيات، ولنرَ ماذا صنع سيد الشهداء (عليه السلام) وكيف طوى بساط الظلم ودمر بُنيانه وأزال أركانه، ثم ماذا فعلنا نحن!
*****
عندما رأى سيد الشهداء (سلام الله عليه) حاكماً ظالماً يحكم بين الناس بالجور والظلم صرّح (عليه السلام) قائلاً:
"أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
تُرى هل أن دمنا أثمن وأغلى من دم سيد الشهداء (عليه السلام)؟ لماذا نخاف من أن نضحي بدمنا وأرواحنا؟ والأهم أن هذه التضحية إنما هي في سبيل دفع السلطان الجائر الذي يقول: إنني مسلم.
إن إسلام يزيد كإسلام الملك محمد رضا، وإن لم يكن أسوأ فليس بأحسن منه، ولأنه عامَلَ الشعب بتلك المعاملة وكان امرءً ظالماً جائراً غشوماً وأراد أن يرغم الناس على إطاعته دون مسوغ، فإن سيد الشهداء (عليه السلام) رأى أن عليه أن ينهض بوجه ذلك السلطان الجائر حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بحياته.
*****
إن منهج الإمام الحسين (سلام الله عليه) وأوامره الموجهة للجميع "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" تقضي بأن نستمر في الثورة والقيام والنهوض، امتداداً لتلك النهضة وذلك المنهج، فالإمام الحسين (عليه السلام) ثار ومعه فئة قليلة العدد من الأنصار، ووقف بوجه امبراطورية كبرى وضحى بكل شيء من أجل الإسلام، وأكّد: أنه ينبغي أن يستمر هذا الرفض والقيام في كل زمان ومكان.
*****
إن مقولة "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" مقولة كبرى لكنها تُفْهَمُ فهماً خاطئاً، فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم، لكن محتواها غير هذا.
لو نظرنا ما هو دور كربلاء، ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء، حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك، أن تمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميداناً خاض فيه سيد الشهداء (عليه السلام) غمار الحرب ومعه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا وقاوموا ظلم يزيد وتصدوا للحكم الجائر لذلك العصر وضحّوا وقتلوا، ورفضوا الظلم وهزموا يزيد ودحروه.
هكذا ينبغي أيضاً أن تكون بقية البلدان، وينبغي أن يحصل هذا الرفض للظلم في كل يوم، وعلى شعبنا أن يجسد ذلك في كل يوم ويشعر بأنه يوم عاشوراء، وينبغي لنا أن نقف بوجه الظلم ونعتبر أن هذه أيضاً أرض كربلاء وعلينا أن نعيد فيها دور كربلاء.
فليست كربلاء محصورة في أرض معينة ولا في أفراد معينين، وقضية كربلاء لا تقتصر على جمع من الأشخاص لا يتجاوز الاثنين والسبعين شخصاً أو في رقعة جغرافية صغيرة، بل على جميع البلدان أن تؤدي الدور نفسه وفي كل يوم ينبغي أن لا تغفل الشعوب عن الوقوف بوجه الظلم والتصدي للجور.
*****
لا تقلقوا ولا تضطربوا وأبعدوا عنكم الخوف والهلع، فإنكم أتباع عظماء استقاموا وصبروا بوجه المصائب والمآسي، وما نراه نحن اليوم لا يعد شيئاً يذكر بالقياس لذلك.
لقد اجتاز عظماؤنا أحداثاً كبرى كتلك التي حصلت في يوم عاشوراء وليلة الحادي عشر من المحرم، وتحمّلوا مثل تلك المصائب في سبيل دين الله. فماذا واجهتم أنتم اليوم؟ ومم تخشون؟ وعلام أنتم قلقون؟
إنه من المخجل لمن يدّعون أنهم أتباع أمير المؤمنين والإمام الحسين (عليهما السلام) أن يفقدوا السيطرة على أنفسهم في مقابل هذا النمط من الأعمال الدنيئة المفضوحة للنظام الحاكم.
*****
كانت انتفاضة الثاني عشر من المحرم والخامس عشر من خرداد التي انطلقت لتهدَّ عروش الملك وأسياده الأجانب ــ والتي تعد امتداداً للنهضة الحسينية المقدسة ــ حركة مدمرة وبناءة للغاية. وقد أعطت للمجتمع مجاهدين ومضحين ضيّقوا الخناق على الظالمين والخونة وأطبقوا عليهم وأحالوا نهارهم إلى ليل حالك، وأمدوا الشعب بالوعي والتحرك والتآزر، الأمر الذي أقض مضاجع الأجانب وعملائهم، وحول الحوزات العلمية والجامعات والأسواق التجارية إلى خنادق منيعة للدفاع عن العدالة وعن الإسلام والمذهب المقدس.
*****
إن الأمر المهم الذي نواجهه اليوم، هو من الأمور التي ينبغي التضحية من أجلها حتى بالنفس، ذلك الأمر الذي دفع سيد الشهداء (عليه السلام) للتضحية بنفسه في سبيله، وهو ذات الأمر الذي دفع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لبذل الجهود الدءوبة من أجله مدة ثلاثة وعشرين عاماً، وهو ذات الأمر الذي دفع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمواجهة معاوية ثمانية عشر شهراً من أجل تحقيقه، في حين أن معاوية كان يدعي الإسلام وكذا وكذا. فلماذا وقعت تلك الحرب؟
لقد وقعت الحرب من أجل القضاء على حكم جائر ونظام ظالم متعسف. فضحى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكثير من أصحابه، وقتل كثيراً من أعدائه آنذاك، لماذا؟ لأجل إقامة الحق والعدل.
*****
نحن لسنا بأعلى درجة من سيد الشهداء (عليه السلام)، وسيد الشهداء (عليه السلام) قد عمل بواجبه وقتل.
*****
إن ذكريات وأحداث السابع عشر من شهريور عام 1357 [8 أيلول 1978م][1] ذكريات وأحداث مؤلمة ــ مثل غيرها من الأحداث والمصائب التي مرت بها الأمة ــ لكن ثمرتها الطيبة هي تهاوي قصور الاستكبار والاستبداد وارتفاع راية جمهورية العدل الإسلامية عالياً.
وإلاّ ألا ينبغي للأمة الإسلامية الإقتداء بالمنهج السامي "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"؟ إن النهضة العامة الشاملة ينبغي أن تحصل في كل يوم، وفي كل أرض، ففي عاشوراء وقعت نهضة أقدم عليها قلة من التواقين إلى العدالة، يدفعهم إيمانهم العظيم وحبهم الفريد لله، إلى الوقوف في مقابل الطغاة الناهبين الجائرين من سكان القصور. إن الأمر الوارد إلينا هو أن يكون ذلك قدوة لحياة أمتنا في كل عصر ومصر.
إن الأيام التي مرت بنا كانت تكراراً لعاشوراء، وكل الساحات والميادين والأزقة والشوارع التي سفكت عليها دماء أبناء الإسلام كانت تكراراً لكربلاء.
وهذا الأمر يعد تكليفاً وبشرى لنا.
تكليف من حيث أن المستضعفين مكلفون ــ وإن قلّ عددهم ــ بالنهوض ضد المستكبرين ــ وإن كثر عددهم وعدتهم ــ مثلما فعل سيد الشهداء (عليه السلام).
وبشرى من حيث أنها تجعل شهداءنا في مصاف شهداء كربلاء.
وبشرى من حيث أن الشهادة رمز الانتصار.
إن ما حدث في مجزرة 17 شهريور [8 أيلول 1978] كان تكراراً لعاشوراء، و(ساحة الشهداء) هي كربلاء أخرى، وشهداؤنا كشهداء كربلاء، وأعداؤنا هم أشباه يزيد وجلاوزته.
لقد قوضت كربلاء ــ بالدماء ــ قصر الظلم وأركان الاستكبار الإبليسي، لذا علينا نحن وارثي هذه الدماء وذوي الشبان والشهداء المضرجين بدمائهم، أن لا نركن إلى القعود حتى نوصل تضحياتهم إلى نتيجتها ونصفِّي ونزيل ــ بضربة قاضية وإرادة حاسمة ــ بقايا النظام الظالم وحثالات المتآمرين عملاء الشرق والغرب وندفنهم عند أقدام شهداء الفضيلة.
في ذكرى هذه الفاجعة المشئومة المصادفة لذكرى 15 خرداد [5 حزيران 1963] فجر شعبنا العظيم ــ واستلهاماً من عاشوراء ــ تلك النهضة الكبرى، ولولا عاشوراء وحرارتها وحماستها لا ندري هل كان ممكناً وقوع تلك النهضة العظيمة وبدون خلفية وتنظيم مسبق؟ إن واقعة عاشوراء العظيمة وبِدءاً من عام 61هــ ق وحتى خرداد 1361هــ ش [1982م] ومنها حتى نهضة المهدي العالمية وظهور بقية الله الأعظم ــ أرواحنا لمقدمه الفداء ــ تمثل منطلقاً للثورة والملاحم.
*****
وإنكم تشاهدون ما يعرضه التلفزيون عن جند الإسلام وترون كيف أنهم يحفظون للجبهات حرارتها وتماسكها، يدفعهم إلى ذلك عشقهم للإمام الحسين (عليه السلام).
*****
لقد أدرك شعبنا الآن ما هو معنى أن "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" فمجالس الدعاء التي يقيمها جند الإسلام وتضرعهم ومناجاتهم تعيد إلى الأذهان دعوات ومناجات الحسين (عليه السلام) في ليلة عاشوراء.
*****
في نفس الوقت الذي نتعرض فيه لفقد شُبّانِنا ورجالنا الأشاوس، فإننا كسبنا وربحنا ما هو أثمن وأغلى من هذه الأمور، وهو ذات الشيء الذي ضحى سيد الشهداء (سلام الله عليه) بأبنائه وإخوته وحرائره من أجله، وهو نفس الشيء الذي أنفق رسول الله (صلى الله عليه وآله) حياته من أجله وعانى في سبيله جميع أئمتنا المعصومين (عليهم السلام) كل تلك المعاناة.
*****
[1] إن السابع عشر من شهريور عام 1357هــ ش (8/9/1978) والمشهور بالجمعة السوداء يعد واحداً من الأيام المليئة بالذكريات المرّة في تاريخ الثورة الإسلامية للشعب الإيراني.
فبعد المظاهرات الحاشدة المنقطعة النظير في يوم 13 شهريور (4/9/1978) بعد صلاة عيد الفطر في طهران، خرجت مظاهرات مشابهة في يوم 16 شهريور (السابع من سبتمبر) في طهران، وتقرر أن تقام مظاهرات أخرى في صباح اليوم التالي (صباح الجمعة) في ميدان جاله (ميدان الشهداء) في طهران. وتحركت الجماهير صباح يوم الجمعة نحو هذا الميدان ووصل عدد المجتمعين إلى مائة ألف شخص وذلك في حدود الساعة السادسة صباحاً.
حاصرت قوات الملك الميدان المذكور من جميع الجهات، ووجهوا فوهات البنادق نحو الجماهير. وفي هذه الساعة بالذات أعلن في الراديو بشكل مفاجئ عن قيام الأحكام العرفية في طهران وعشر مدن أخرى! وفتحت قوات النظام النار ضد الناس، واستشهد في هذا اليوم أكثر من أربعة آلاف شهيد إضافة إلى مئات الجرحى. وأعلن النظام الملكي أن عدد القتلى هو 58 شخصا والجرحى 25 شخصاً.
|