(3) المعلّبات والمنتجاب في الدول الأوروبية
تزخر الأسواق في البلاد الإسلامية بجملة من معلبات اللحوم والأسماك والأجبان ، قد يكتب على بعضها بالنسبة للحوم عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) ولكنها مستوردة من الدول غير الإسلامية ، وقد تذبح الشركات المتعاقدة مع المسلمين كميات من الدجاج بالأجهزة الحديثة إلا أن المباشر لذلك مسلم يكبّرعند الذبح ، وقد نجد الأجبان المصنوعة في بلد أوروبي وهي تشتمل على أنفحة الحيوانات التي لا نعلم طريقة ذبحها ، وقد تتوافر الأسماك من خلال صيد السفن الكبيرة المعدّة لذلك الأمر ، وقد نبصر الجلاتين والصابون ، والأول يشتمل على مادة عظمية ، وقد نبصر الجلاتين والصابون ، والأول يشتمل على مادة عظيمة ، وقد يشتمل الثاني على شحوم الخنزير ، كل هذه الإشكالات في إيرادها يجيب عنها سماحة سيدنا المفدّى بما يقطع الشك ، وفي هذا المجال ، فإننا نورد أسئلة المقام ، ومن ثم الإجابة عليها.
1ـ تكتب عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) على لحوم منتجة في دول إسلامية من قبل شركات غير إسلامية ، فهل يجوز تناولها ؟ وهل يجوز تناولها إذا كان منشأ هذه اللحوم شركة
( 162 ) إسلامية في دولة غير إسلامية ؟ ثم ما هو الحال لو كان المنشأ شركة أجنبية في دولة أجنبية ؟
* لا اعتبار بالكتابة ، فإن كان المنتج لها مسلماً أو انتجت في بلد يغلب فيه المسلمون ، ولم يعلم أن المنتج لها من غير المسلمين جاز تناولها. وأما إذا كان المنتج غير مسلم ، أو أنتجت في بلد ليست غالبيته من المسلمين ، ولم يعلم كون المنتج مسلماً ، فلا يجوز تناولها.
2ـ ندخل بعض الأسواق الكبيرة بأوروبا ، فنجد لحوماً معلبة منتجة من قبل شركة أوروبية مكتوب على العلبة عبارة ( حلال ) أو ( مذبوحة على الطريقة الإسلامية ) فهل يجوز شراؤها وأكلها ؟
* لا أثر للكتابة إذا لم توجب الاطمئنان.
3ـ تذبح الشركات كميات كبيرة من الدجاج مرة واحدة ، فإذا كان مشغل الجهاز مسلماً يكبر ويذكر اسم الله عند الذبح مرة واحدة للجميع ، فهل يحلّ أكلها ؟ وإذا شككنا في حلية أكلها ، فهل نستطيع أكلها ونعتبرها طاهرة ؟
* إذا كان يكرر التسمية ما دام الجهاز مشتغلاً بالذبح كفى ، ومع الشك في الحلية من جهة الشك في وقوع التسمية تعتبر طاهرة ويحلّ أكلها.
4ـ ترمي سفن الصيد الكبيرة شباكها فتخرج أطناناً من السمك وتطرح صيدها في الأسواق ، وقد بات معروفاً أن طريقة الصيد الحديثة تقوم على أساس إخراج السمك من الماء حيّاً ، بل
( 163 ) ربما ترمي الشركات السمك الذي يموت في الماء خوفاً من التلوث : فهل يحق لنا الشراء من المحلات التي تبيع فيها غير المسلمين هذا السمك ؟ وهل يحق لنا الشراء من المحلات التي يبيع فيها المسلمون غير الملتفتين للحكم الشرعي هذا السمك ، علماً بأن إحراز أن هذه السمكة التي أمامي قد أخرجت حيّة من الماء ، أو تحصيل شاهد مطلّع ثقة يقول بذلك ، أمرٌ صعبٌ جداً ، بل هو غير عملي ولا واقعي.
فهل هناك من حلّ لمشكلة المسلمين المتثبتين الذي يعانون صعوبة في إحراز تذكية لحوم الدجاج والبقر والغنم فيهرعون إلى السمك ؟
* لا بأس بشرائها من مسلم أو غير مسلم ، كما لا بأس بأكلها إذا وثق بأن صيدها يتم على النهج المذكور ، وأحرز أيضاً كونها من ذوات الفلس(1).
والآن نلقي ضوءً على مسألة المعلبات وما بحكمها :
1ـ هناك بعض أنواع الصابون المستورد ، يستعمل في جزء من تركيباته شحوم خنزير ولكن في النهاية لا يبقى فيه سوى خمسة في المائة ، فهل في هذه الحالة يجري عليه حكم الاستحالة ، ويحكم بطهارته أم يبقى على نجاسته ؟
* يبقى على نجاسته ، والله العالم.
2ـ الأجبان المستوردة من الدول غير الإسلامية إن علم ____________ (1) فقه المغتربين |147 وما بعدها.
( 164 ) باشتمالها على أنفحة العجل أو الجدي هل يجوز أكلها ؟
* يجوز أكلها إذا لم تكن الأنفحة لحيوان غير مذكى حيث يجب غسل ظاهر الأنفحة فإن شك فيه حكم بنجاسته ، وينجس به الجبن.
3ـ تصنع مادة الجلاتين وتدخل في العديد من المشروبات والمأكولات في الغرب ، فهل يجوز لنا تناولها ، ونحن لا نعلم ما إذا كانت مستخلصة من النبات أو الحيوان ، وإذا كانت من الحيوان ، فهل هي مستخلصة من عظامه أو مما يحيط بالعظام من الأنسجة ، ثم لا ندري هل إن ذلك الحيوان محلّل الأكل أو محرّمه ؟
* يجوز تناولها فيما لو شك في كونها مستخلصة من الحيوان أو من النبات(1). والجيلاتين الحيواني إن لم يحرز نجاسة أصله ـ كما لو احتمل كونه مأخوذاً من المذكى ـ حكم بطهارته ولكن لا يضاف منه إلى الأطعمة إلاّ بمقدار مستهلك فيها عرفاً ـ ما لم يحرز كونه مأخوذاً من المذكى المحلل لحمه ، أو يُحرز استحالته ـ بلا فرق في ذلك بين كونه مأخوذاً مما تحلّه الحياة كالغضروف وغيره كالعظام على الأحوط في الأخير.
وأما إذا أُحرز نجاسة أصله ( كما لو علم كونه مأخوذاً من نجس العين ، أو من غضاريف غير المذكى ، أو من عظامه قبل تطهيرها ، فإنها تكون متنجسة بملاقاة الميتة بالرطوبة ) فالحكم ____________ (1) فقه المغتربين |149.
( 165 ) بطهارته وجواز استعماله في الأطعمة منوط باحراز استحالته ، وهذا مما يرجع فيه إلى العرف ، وقد تقدم بيان ضابطه.
4ـ إن بعض غذاء الدواجن يخلط فيه 30% من عظام الخنزي مما يرفع وزن الدجاجة خلال أربعين يوماً إلى زنة كيلوين ، فما الحكم في هذا ، وهل فيه إشكال ؟
* لا يمنع ذلك من حلية أكل لحمه وطهارته بالتذكية ، لكن الأولى تجنيب الحيوان من هذا الغذاء ، والله العالم.
5ـ يلزم صانعو الأغذية والمعلبات والحلويات بذكر محتويات البضاعة التي تباع للمستهلك ، وبما أن الأغذية معرضة للفساد فإنهم يضيفون إليها ( مواداً حافظة ) قد يكون أصلها حيوانياً ويرمزون لها بحرف E مقترناً بأعداد مثل E450 وهكذا.
فما هو الحكم في الحالات الآتية :
أ ـ لا يعلم المكلّف حقيقة هذه المكونات.
ب ـ شاهد المكلّف قائمة صادرة ممن لا يعرفون شيئاً عن الاستحالة تقول بأن أرقاماً معينة يذكرونها محرّمة لأنها من أصل حيواني.
ج ـ التحقيق في جملة منها ، والتأكد من أنها لم تبق على حالها بل تبدلت صورتها النوعية واستحالت إلى مادة أخرى.
* أ ـ تحل له المأكولات المشتملة عليها.
ب ـ إذا لم يحرز كونها من أصل حيواني ـ وإن ادعي ـ
( 166 ) جاز أكلها ، وكذا إذا أحرز ذلك ولكن لم يحرز كونها من الميتة النجسة وكان ما يضاف منها إلى الأطعمة بمقدار مستهلك فيها عرفا.
ج ـ لا إشكال في الطهارة والحلية مع صدق الاستحالة بتغير الصورة النوعية وعدم بقاء شيء من مقومات الحقيقة السابقة(1).
ومما يلحق بهذا الباب القول بطهارة الجلود المأخوذة من غير المسلم ، وجواز بيع اللحوم والشحوم والجلود المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، وإليك نص فتوى سماحة السيد طال عمره الشريف :
* يجوز بيع الجلود واللحوم والشحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، والمأخوذة من يد الكافر ، وكذا يحكم بطهارتها وجواز الصلاة فيها فيما إذا احتمل احتمالاً معتداً به أن تكون من الحيوان المذكى ، ولكن يحرم أكلها ما لم يعلم ذلك ، إلا إذا كان مصنوعاً في أرض الإسلام أو مسبوقاً بسوق المسلمين ، أو بيد المسلم بالشرط المتقدم ، وهكذا الحال فيما أخذه من يد المسلم إذا علم أنه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته(2). ____________ (1) فقه المغتربين | 153 وما بعدها. (2) السيد السيستاني | المسائل المنتخبة 258.
( 167 )
|