(1) السفر إلى البلدان الأوروبية والأجنبية
تقتضي حياة الإنسان الاقتصادية أو السياسية أو المَرضية أن يهجر بلده الإسلامي هجرة موقتة أو دائمة ، وهذا مما لا مانع فيه بشروطه وأحكامه كما سيأتي ، بل قد يستحسن إذا كان الهدف منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة شرائع الدين ، ولكنه قد يحرم إذا استلزم التعرب بعد الهجرة ، ونقص الدين ، والاستهتار بشريعة سيد المرسلين ، نعم إذا حكمت الضرورة على المسلم أن يهاجر إلى البلاد غير الإسلامية مع علمه بأن تلك الهجرة تستوجب نقصاناً في دينه ، كما لو سافر لإنقاذ نفسه من الموت المحتّم أو غير ذلك من الأمور المهمة ، جاز له السفر حينئذٍ بالقدر الذي يرفع الضرورة دون ما يزيد عليها(1). ولكن لا مانع أن يقيم في البلدان الأوروبية والاجنبية وهو ملتزم بدينه ، غير مخلًّ بواجباته الشرعية ، وغير معرض نفسه وأهله وأبناءه لمخاطر الانحراف عن الجادة السليمة. أما إذا لم يأمن مع بقاءه بتلك ____________ (1) فتوى خطية مصورة لسماحة السيد في حوزة المؤلف.
( 134 ) البلدان على دينه ولم يأمن أن يؤدي إلى تقصير شرعي في أداء واجباته ، أو يؤدي إلى عدم حفاظ أبنائه وعائلته على المستلزمات الشرعية ، فيجب عليه العودة إلى بلاده حيث لا يحتمل تفريطه بالدين(1).
ومن هنا فقد أفتى سماحة السيد دام ظله ، وقال :
يحرم السفر إلى البلدان غير الإسلامية أينما كانت في شرق الأرض وغربها ، إذا استوجب ذلك السفر نقصاناً في دين المسلم ، سواء أكان الغرض من ذلك السفر : السياحة أم التجارة أم الدراسة أم الإقامة الموقتة أم السكنى الدائمة ، أم غير ذلك من الأسباب(2).
هذا المناخ المتقلب في ظروفه ودواعيه ومشكلاته أولاه سماحة السيد دام ظله العالي أولويات اهتماماته العلمية من أجل إيضاح الأمر بين يدي السالكين ، وليكون كل عند موقعه المناسب معرفة بأحكامه الشرعية ، ومتدبراً لأمره فلا ينقض اليوم ما أبرمه بالأمس ، ولا يتجاوز حدود ما سمحت به الشريعة الغراء ، ليكون على سلامة من دينه ، وبصيرة من أمره ، وقد أجاب سماحة السيد دام ظله الوريف على عدة مسائل في هذا الشأن ، نختار أعلقها بالموضوع صلة :
1ـ ما معنى التعرب بعد الهجرة الذي هو من الذنوب الكبيرة ؟ ____________ (1) مضمون فتاوى خطية لسماحة السيد في حوزة المؤلف. (2) فقه المغتربين |54.
( 135 )
* قيل إنه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد التي ينقص فيها الدين ؛ والمقصود هو أن ينتقل المكلّف من بلد يتمكن فيه من تعلم ما يلزمه من المعارف الدينية والأحكام الشرعية ، ويستطيع فيه أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدسة ، وترك ما حُرّمَ عليه فيها إلى بلد لا يستطيع فيه على ذلك كلاً أو بعضاً.
2ـ يشعر الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بغربته عن أجوائه الدينية التي نشأ عليها وتربى فيها ، فلا صوت للقرآن يسمع ، ولا صوت الأذان يعلو ، ولا الزيارة للمشاهد المقدسة وأجوائها الروحية موجودة. فهل يعدّ تركه لأجوائه الإسلامية في بلده وما يصاحبها من أعمال خيرية ، ثم معيشته هنا بعيداً عنها ، نقصاناً في الدين ؟
* ليس ذلك نقصاناً يحرم بسبب السكن في تلك البلدان نعم الابتعاد عن الأجواء الدينية ربما يؤدي بمرور الزمن إلى ضعف الجانب الإيماني في الشخص إلى الحد الذي يستصغر معه ترك بعض الواجبات ، أو ارتكاب بعض المحرمات.
فإذا كان المكلّف يخاف أن ينقص دينه بالحد المذكور جرّاء الإقامة في تلك البلدان ، لم يجز له الإقامة فيها.
3ـ ربما لا يقع الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بمحرمات لا يقع بها لو بقي في بلده الإسلامي ، فمظاهر الحياة العادية بما فيها من إثارة ، تجرّ المكلّف إلى الحرام عادةً ، حتى لو لم يكن راغباً بذلك.
فهل يعدّ هذا نقصاناً في الدين يوجب حرمة السكن تبعاً ؟
( 136 )
* نعم ، إلا إذا كانت من الصغائر التي تقع أحياناً ومن غير إصرار.
4ـ لو ازدادت حالات الوقوع في الحرام عما كانت عليه سابقاً من مبلّغ إسلامي حريص على دينه ، وذلك لخصوصيات البيئة والمجتمع ، كانتشار حالات التبرج وأمثالها.
فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه ، فيتحتم عليه ترك التبليغ والعودة لوطنه ؟
* إذا كان يبتلى ببعض الصغائر اتفاقاً ، لم يحرم عليه البقاء فيها ، إذا كان واثقاً من عدم انجراره إلى ما هو أعظم من ذلك.
5ـ لو خاف المهاجر من نقصان دين أولاده ، فهل يحرم عليه البقاء في بلدانٍ كهذه ؟
* نعم كما في الحال بالنسبة إلى نفسه.
6ـ لو استطاع المكلّف أن يدعو غير المسلمين للإسلام ، أو أن يزيد في تثبيت دين المسلمين في البلدان غير الإسلامية من دون خوف من النقصان في دينه ، فهل يجب عليه التبليغ ؟
* نعم يجب كفايةً عليه ، وعلى سائر من يستطيع ذلك.
7ـ هل يجوز البقاء في دول غير إسلامية على ما فيها من منكرات تعرض للإنسان في الشارع أو المدرسة أو التلفزيون أو ما شاكل ذلك ، مع إمكانه الانتقال إلى دول إسلامية ، ولكن الانتقال يسبب له مشاكل في الإقامة وخسارة مادية ، وضيقاً في الأمور الدنيوية ، ونقصاً في الرفاهية ، وإذا كان لا يجوز له البقاء ، فهل
( 137 ) يجوزه له كونه مهتماً بأمور التبليغ بين المسلمين هنا ، مذكراً لهم ببعض واجباتهم ، ومنبهاً إلى ما يجب عليهم تركه من محرمات ؟
* لا تحرم الإقامة في تلك البلاد إذا لم تكن عائقاً عن قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة إلى نفسه وعائلته فعلاً ومستقبلاً ، وإلاّ فلا تجوز وإن كان قائماً ببعض الأمور التبليغية ، والله العالم(1). ____________ (1) فقه المغتربين | 57 ـ 61.
( 138 )
|