الردّ على الاَحاديث الموضوعة:
وفي إطار البحوث العقائدية ردّ الاِمام الجواد عليه السلام على جملة وافية من الاَحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة ، التي روّج لها بنو أُمية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان ، وصرفوا الاَموال الطائلة في سبيل وضعها ونشرها ، وذلك لبلوغ أهدافهم السياسية والمحافظة على أركان ملكهم واستمرار تسلطهم غير المشروع على الخلافة الاسلامية .
فقد روي أن ابن أكثم ناظر الاِمام أبا جعفر عليه السلام بمحضر المأمون وجماعة كبيرة من أركان دولته وخاصته ، فقال يحيى للاِمام عليه السلام : ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا محمد إنّ الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : سل أبا بكر هل هو راضٍ عني ، فإنّي راضٍ عنه ؟
فقال عليه السلام : « لست بمنكر فضل أبي بكر ، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع : قد كثُرت عليَّ الكذابة وستكثر ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به . وليس يوافق هذا الخبر ____________ 1) سورة الفرقان : 25 | 44 . 2) راجع : تهذيب الاَحكام 3 : 28 | 98 .
(108) كتاب الله ، قال الله تعالى : ( وَلَقَد خَلَقنا الاِنسانَ ونَعلمُ ما توسوِسُ بِهِ نفسُهُ ونحنُ أقربُ إليهِ من حَبلِ الوريدِ ) (1) فالله عزَّ وجلَّ خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سرّه ؟ ! هذا مستحيل في العقول » .
ثم قال يحيى بن أكثم : وقد روي أنّ مثل أبي بكر وعمر في الاَرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء .
فقال الاِمام عليه السلام : « وهذا أيضاً يجب أن يُنظر فيه؛ لاَن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان ، لم يعصيا الله قط ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة . وهما ـ أي أبو بكر وعمر ـ قد أشركا بالله عزَّ وجلّ ، وإن أسلما بعد الشرك ، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله ، فمحال أن يُشبِّههما بهما . . » .
قال يحيى : وقد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فما تقول فيه ؟
فقال عليه السلام : « وهذا محال أيضاً؛ لاَنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شباباً ، ولا يكون فيهم كهل ، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن والحسين بأنّهما سيدا شباب أهل الجنة » .
فقال يحيى بن أكثم : وروي أن عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنة .
فقال عليه السلام : « وهذا أيضاً محال؛ لاَنّ في الجنة ملائكة الله المقربين ، وآدم ، ومحمداً وجميع الاَنبياء والمرسلين ، لا تضيء بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر ؟ ! » .
قال يحيى : وروي أنّ السكينة تنطق على لسان عمر . ____________ 1) سورة ق : 50 | 16 .
(109)
فقال عليه السلام : « لست بمنكر فضائل عمر ، لكنّ أبا بكر ـ وأنه أفضل من عمر ـ قال على رأس المنبر : إنّ لي شيطاناً يعتريني ، فإذا ملتُ فسدّدوني » .
فقال يحيى : قد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لو لم أُبعث لبُعث عمر .
فقال عليه السلام : « كتاب الله أصدق من هذا الحديث ، يقول الله في كتابه : (وإذ أخَذنا من النبيِّينَ ميثاقَهُم ومنكَ ومن نوحٍ ) (1) فقد أخذ الله ميثاق النبيين ، فكيف يمكن أن يستبدل ميثاقه ؟ وكان الاَنبياء لم يشركوا طرفة عين ، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك ، وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله ؟ ! وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نُبِّئتُ وآدم بين الروح والجسد » .
قال يحيى : وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : ما احتبس الوحي عني قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب .
فقال عليه السلام : « وهذا محال أيضاً؛ لاَنّه لا يجوز أن يشكّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نبوّته ، قال الله تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ) (2) . فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممن اصطفاه الله إلى من أشرك به ؟ » .
قال يحيى : روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر .
فقال عليه السلام : « وهذا محال أيضاً ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَمَا كان الله لِيُعذِّبَهُم وأنتَ فيهم وما كان اللهُ مُعذِّبهُم وهم يستغفرون ) (3) فأخبر سبحانه أنه لايعذّب أحداً مادام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما داموا يستغفرون الله تعالى » . ____________ 1) سورة الاَحزاب : 33 | 7 . 2) سورة الحج : 22 | 75 . 3) سورة الاَنفال : 8 | 33 .
فأُفحم يحيى بن أكثم وسكت ، بعد أن أعيته أجوبة الاِمام عليه السلام عن إيجاد مخرج لما تورط فيه (1) .
|