دوره في ترسيخ العقائد الإسلامية |
الكتاب :
الإمام محمد الجواد عليه السلام سيرة و تاريخ | القسم :
مكتبة التاريخ و السيرة
|
|
دوره في ترسيخ العقائد الاِسلامية :
في هذا المقطع التاريخي الذي عاصره الاِمام الجواد عليه السلام كانت حمّى ظهور المذاهب الكلامية والعقائدية تأخذ بالانتشار هنا وهناك ، يساعد على ذلك توجه الحاكم نفسه إلى اللعب بالورقة المذهبية من جهة وظهور طبقة من وعّاظ السلاطين نظّمت نفسها وكيّفتها على نمط خاص للدخول في اكمام السلطان والعيش تحت آباطه ، قانعين بما ينالهم من نتانة الموقع ، والاِذلال والصغار ، مقابل أن لا يُحرموا من بذخ القصور ، ودعة العيش ، وفاخر الثياب ، وبدر الدراهم .
وتموج الاُمّة في ضلال تيارات عقيدية وفكرية عديدة فمن مشبّهة إلى معطّلة إلى مجبرة إلى غير ذلك من العقائد الباطلة والدعاوى المنحرفة ، التي أثيرت في عصره عليه السلام ، مما لا تتسع له صفحاتنا هذه ، وكان للاِمام الجواد عليه السلام ____________ 1) وقيل في ترتيبها غير ذلك . 2) تهذيب الاَحكام 9 : 83 | 354 .
(103) دور بارز في ترسيخ العقائد الاِسلامية والدفاع عنها ، وتصحيح معتقدات الناس مما قد يخطر في أذهانهم من تصورات خاطئة حول اُصول الاعتقاد . التوحيد والصفات:
فعندما يُسئل من قبل عبدالرحمن بن أبي نجران عن التوحيد حين قال له : أتوهّم شيئاً ؟
أجابه الاِمام عليه السلام من فوره : « نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الاَوهام .
كيف تُدركه الاَوهام وهو خلاف ما يُعقل ، وخلاف ما يُتصوّر في الاَوهام ؟ إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود » (1) .
ويُسأل الاِمام عليه السلام أيضاً عن الباري تبارك وتعالى أنه يجوز أن يقال له : إنّه شيء ؟
(قال : « نعم ، يُخرجه من الحدين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه » ) (2) .
وفي الكافي أيضاً أن عبدالرحمن بن أبي نجران كتب إلى أبي جعفر عليه السلام أو سأله قائلاً : (جعلني الله فداك ، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الاَحد الصمد ؟
فقال : « إنّ من عبد الاِسم دون المسمّى بالاَسماء أشرك وكفر وجحد ، ولم يعبد شيئاً ، بل اعبُد الله الواحد الاَحد الصمد المسمّى بهذه الاَسماء ، دون ____________ 1) اُصول الكافي 1 : 82 | 1 باب إطلاق القول بأنه شيء من كتاب التوحيد . 2) اُصول الكافي 1 : 82 | 2 . وراجع : التوحيد | الصدوق : 107 .
(104) الاَسماء . إنّ الاَسماء صفات وصف بها نفسه » ) (1) .
وفي إطار الاَسماء والصفات لله تبارك وتعالى ، يسأله داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري عن معنى الواحد . فيجيبه الاِمام عليه السلام قائلاً : « إجماع الاَلسن عليه بالوحدانية ، كقوله تعالى : ( ولئن سألتَهُم من خَلَقَهُم ليقولُنَّ الله ) » (2) .
وروى داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري أنّ رجلاً ناظر الاِمام الجواد عليه السلام في أسماء الله تعالى وصفاته ، فقال : ( كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الربِّ تبارك وتعالى ، له أسماء وصفات في كتابه ؟ وأسماؤه وصفاته هي هو ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : « إنّ لهذا الكلام وجهين :
إن كنت تقول : هي هو ، أي أنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك .
وإن كنت تقول : هذه الصفات والاَسماء لم تزل فإنّ ( لم تزل ) محتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها ، فنعم .
وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها ، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها ـ أي الاَسماء ـ وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ، ويعبدونه وهي ذكره .
وكان الله ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل ، والاَسماء والصفات مخلوقات . والمعاني والمعنيُّ بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا : الله ____________ 1) اُصول الكافي 1 : 87 | 3 باب المعبود من كتاب التوحيد . 2) اُصول الكافي 1 : 118 | 12 . والآية من سورة الزخرف : 43 | 87 .
(105) قليل ، ولا كثير ، ولكنه القديم في ذاته؛ لاَنّ ما سوى الواحد متجزّئ ، والله واحد لا متجزئ ، ولا متوهّم بالقلة والكثرة ، وكلّ متجزئ أو متوهَّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالٌّ على خالقٍ له .
فقولك : ( إنّ الله قدير ) ، خبّرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه . وكذلك قولك : ( عالم ) ، إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه . وإذا أفنى الله الاَشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ، ولا يزال من لم يزل عالماً » .
فقال الرجل : فكيف سمّينا ربّنا سميعاً ؟
فقال الاِمام : « لاَنّه لا يخفى عليه ما يُدرك بالاَسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سميناه بصيراً؛ لاَنّه لا يخفى عليه ما يُدرك بالاَبصار . من لون أو شخص أو غير ذلك ، ولم نصفه ببصر لحظة العين .
وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك ، وموضع النشوء منها ، والعقل والشهوة للسفاد والحدب على نسلها ، وإقام بعضها على بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والاَودية والقفار . فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفية للمخلوق المكيّف .
وكذلك سمّينا ربّنا قوياً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً .
فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا
(106) تبصار بصر . ومحرّم على القلوب أن تُمثّله ، وعلى الاَوهام أن تحدّه ، وعلى الضمائر أن تكوّنه جلّ وعزّ عن أداة خلقه ، وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً » ) (1) . الفرق المنحرفة:
في رجال الكشي عن علي بن مهزيار قال : ( سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول ـ وقد ذُكر عنده أبو الخطّاب (2) ـ : « لعن الله أبا الخطّاب ، ولعن أصحابه ، ولعن الشاكّين في لعنه ، ولعن من وقف فيه ، وشك فيه . . . » (3) .
وبالاِضافة إلى لعن الاِمام عليه السلام لاَبي الخطّاب وأصحابه ، فإنّه عليه السلام وقف موقفاً حاسماً من الفرقة الواقفية وغيرها . فقد أورد الكشي بسنده عن محمد بن رجاء الحنّاط ، عن محمد بن علي الرضا عليه السلام أنّه قال : « الواقفة حمير الشيعة » . ____________ 1) اُصول الكافي 1 : 116 | 7 . وراجع : التوحيد | الصدوق : 193 . 2) أبو الخطّاب : هو محمد بن أبي زينب مقلاص الاَسدي الكوفي الاَجدع . كان في بادئ أمره من أصحاب الاِمام الصادق عليه السلام ، ثم انحرف عن خط أهل البيت عليهم السلام ، بل وعن الدين ، فأخذ ينسب أباطيله وعقائده الفاسدة إلى الاِمام الصادق عليه السلام كذباً وزوراً ، وتبعه عدد من المضلّلين والنفعيين حتى شكّلوا فرقة سمّيت فيما بعد بالخطّابية . من عقائدهم زعموا أن الصلاة والصيام والتكاليف الاُخرى ، والخمر والزنا والسرقة وغيرها هي أسماء رجال ، والآيات القرآنية الآمرة بأداء تلك الاَعمال والناهية عنها ، إنّما هي آمرة بمحبة أولئك الرجال أو النهي عن محبتهم فقط . كما أظهروا كثيراً من البدع والضلالات والاِباحات ، حتى وصل بهم الاَمر إلى الدعوة إلى نبوّة أبي الخطاب . بعث إليهم والي المدينة جيشاً ـ بعد أن استفحل أمرهم ـ فقاتلوهم حتى أبادوهم عن آخرهم إلاّ رجلاً واحداً منهم نجا من القتل . 3) اختيار معرفة الرجال : 528 | 1012 .
(107)
ثم تلا قوله تعالى : ( إنْ هُم إلاّ كالاَنعام بل هُم أضَلُّ سبيلاً ) (1) .
كما تجلّى موقفه الحاسم هذا في نهيه عن التعامل مع الفطحية والواقفة ولم يجوّز الصلاة خلف أحدهم (2)
|