القول بخلق القرآن :
في ربيع الاَول من عام ( 212 هـ ) أظهر المأمون لاَول مرة القول بخلق القرآن الكريم ، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنّه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم بعد فترة أصدر ( مرسوماً ) ملوكياً وعممه على كافة ولايات الامبراطورية الاِسلامية يدعو فيه القضاة والمحدِّثين للقول بخلق القرآن ، وإلاّ رُدّت شهاداتهم ، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه ، وكان يومها في الرقة .
أما السبب الذي قاد إلى أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين والعلماء الذين لم يكونوا ميالين إلى السلطة السياسية ، ولم يستطيعوا خوض نضال سياسي واجتماعي مكشوف مع السلطة خوفاً على استمرارية وجودهم في الحياة ، لِمَا تميّز به الدور الاَموي من طابع قمعي استبدادي . ____________ 1) تاريخ الطبري 7 : 189 ـ 190 .
(43) فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطوّر الفلسفة الاِسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر ، واعتماده الجدل المنطقي ، والقياس في مناقشة القضايا الكلامية . ثم كان من مقولاتهم : المنزلة بين المنزلتين ، وحرية الاختيار ( التفويض ) ، وأخيراً خلق القرآن .
وبوصول نوبة الخلافة إلى المأمون ودعمه مذهب الاعتزال ، حدا به الموقف ( السياسي ـ العقيدي ) إلى اتّباع وسائل إدارية قسرية لفرض وإشاعة هذا المذهب ، حتى بلغ الاَمر أن أصدر مرسومه السلطاني ـ فيما بعد ـ بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال والقائلين بخلق القرآن .
هذه الاَطروحة الفكرية العقائدية التي كان يُراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية ، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون والمعتصم والواثق ، يُعاقَب من لم يقل بها ويتّخذها مبدأً له . وفعلاً فقد شكّل هذا المقطع الزمني ( محنة ) بالنسبة لغير ( فقهاء السلطان ) . فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر والمعتقد إلى مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوّح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية ، وضرب المعارضة الفكرية في آن واحد .
والتأريخ لم يحدثنا عن موقف للاِمام الجواد عليه السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل ونقاش سنين عديدة .
|