متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
العمر و منصب الإمامة
الكتاب : الإمام محمد الجواد عليه السلام سيرة و تاريخ    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة
العمر ومنصب الاِمامة :
ليس غريباً إذا قلنا : إنّه لا مدخلية للعمر في تسنّم منصب الاِمامة ، ولو أن ظاهرة الاِمام الجواد عليه السلام كانت الاُولى من نوعها في الاِسلام على ما هو معهود ومعروف ! إلاّ أنها لم تكن الاُولى في العالم على مستوى حركة الاَنبياء والرسل وأوصيائهم السابقين ، فذاك عيسى بن مريم آتاه الله الحكمة والنبوة وكان في المهد صبياً ، وقبله كان يحيى ، فقد آتاه الله الحكم والكتاب وهو صبي ( وآتَينَاهُ الحُكمَ صَبِيّاً ) (1) .
(فإنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الاِمام وهي ظاهرة تولّي شخص للاِمامة وهو بعد في سن الطفولة ، على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أنّ الاِمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين . ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين ، هذه الظاهرة التي ظهرت لاَول مرة في حياة الاَئمة في الاِمام الجواد عليه السلام ) (2) .
وقد قدّمنا في الفصل الاَول الروايات التي تنصّ على أنّ الاِمام الرضا عليه السلام وهو الاِمام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير ـ وكان يشير إليه ـ سيكون الاِمام من بعده بالرغم من صغر سنِّه (3) ، وبذلك فقد حلَّ الاِمام الرضا عليه السلام إشكالية المسألة في حياته وأرجع أصحابه وشيعته وجميع
____________
1) سورة مريم : 19 | 12 .
2) من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سرّه في 29 ذي القعدة الحرام سنة 1388 هـ لم تنشر توجد ضمن مستندات ووثائق موسوعة الشهيد الصدر .
3) راجع النصوص المتقدمة آنفاً عن اُصول الكافي 1 : 321 | 10 و322 | 13 و383 | 2 . وإثبات الوصية : 185 .

(33)

المسلمين إلى ابنه الجواد عليه السلام .
ثم إنّ الاِمام الجواد عليه السلام نفسه قد أدرك الشك والحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الاَمر؛ لاَنّهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة ، وإلفات نظر المتردّدين إلى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم ، فقد روى الكليني بالاِسناد عن علي بن اسباط ، قال : خرج عليه السلام عليَّ فنظرت إلى رأسه ورجليه؛ لاَصف قامته لاَصحابنا بمصر ، فبينا أنا كذلك حتى قعد ، فقال : « يا عليّ ، إن الله احتجّ في الاِمام بمثل مااحتجّ في النبوّة ، فقال : ( وآتينَاهُ الحُكمَ صَبيّاً ) (1) ، قال : ( ولمَّا بَلَغ أشُدَّهُ
) (2) ، ( وبَلَغَ أربعينَ سَنَةً) (3) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبيّاً (4) ، ويجوز أن يُعطاها وهو ابن أربعين سنة » (5) .
وعندما يُسأل عن هذا الموضوع وهو ابن سبع سنين أو نحوها ، يجيب سائله إجابة قاطعة ليس فيها ترديد ولا تورية . . جواب واثق مطمئن من إمامته على الناس ، وهو ما رواه الكليني بالاِسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفر عليه السلام ـ عن شيء من أمر الاِمام ، فقلت : يكون الاِمام ابن أقل من سبع سنين ؟ فقال : « نعم ، وأقلّ من خمس سنين » .
فقال سهل : فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين
____________
1) سورة مريم : 19 | 12 .
2) سورة يوسف : 12 | 22 . وسورة القصص . 28 | 14 .
3) سورة الأحقاف : 46 | 15 .
4) في الرواية الاُخرى : الحكمة وهو صبي .
5) اُصول الكافي 1 : 494 | 3 ، ومثله أيضاً 1 : 384 | 7 باب حالات الأئمة في السن .

(34)

ومائتين (1) .
كما أنّه عليه السلام يردّ على المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما نقرأه في رواية الكليني الاُخرى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : قال علي بن حسان لاَبي جعفر عليه السلام : يا سيدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال : « وما ينكرون من ذلك ، قول الله عزَّ وجلَّ ؟ لقد قال الله عزَّ وجلَّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أدعُو إلى اللهِ على بَصيرَةٍ أنا وَمَن اتَّبعَني ) (2) فوالله ما تبعه إلاّ علي عليه السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين » (3) .
من خلال التأمل في الروايات التي مرَّ ذكرها يتبيّن لنا تركيز الاَئمة عليهم السلام على دور الاِمامة في حياة الاُمّة ، ومقارنتها بالنبوّة . وطبيعي أن تُقرن الاِمامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة ، فالاِمام عليه السلام إنّما يلفت نظر الناس إلى أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوّة والاِمامة؛ لاَنّهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه وتعالى ، والله تعالى لا يختار لرسالاته إلاّ المعصوم المتحصل لجميع الكمالات ، وعليه فهو تبارك وتعالى لايتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة والاُمّة ، ومدى الحاجة إلى الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة إليه هناك ماسة وضرورية .
نعم ، فالاِمام يريد أن يقول للناس : عليكم أن تنظروا للاِمام . . أن تتعاملوا
____________
1) اُصول الكافي 1 : 384 | 5 .
2) سورة يوسف : 12 | 108 .
3) اُصول الكافي 1 : 384 | 8 .

(35)

مع منصب الاِمامة ، كما تنظرون إلى مقام النبوّة وتتعاملوا معها . فالاِمامة امتداد طبيعي للنبوّة ، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لاَنّهما ـ كما قلنا ـ من مختصات السماء ، وما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة ، وأنها ـ أي الاِمامة ـ « . . أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً ، وأمنع جانباً ، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالونها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم . . » (1) .
ولما كان هذا حال الاِمامة والاِمام ، يجريان مجرى النبوة والاَنبياء ، فإنّه يجوز على الاِمام أن يتولى الاِمامة وهو ابن سنتين ـ مثلاً ـ أو أقل من ذلك أو أكثر ، كما جاز ذلك في النبوّة وهو ما عرفناه من قبل في مثال يحيى بن زكريا ، وعيسى بن مريم عليهما السلام .
والشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره في محاضرته التي أشرنا إليها قبل قليل يلفت النظر إلى أنّه لو تم دراسة ظاهرة إمامة الجواد عليه السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبيّن : ( أنّها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الاِمام الجواد عليه السلام ) . وهو طريق عقلي آخر يضاف إلى طرق إثبات الاِمامة وحصرها بأهل البيت عليهم السلام ، ثم يفترض السيد الشهيد قدس سره عدة افتراضات يمكن أن تُثار حول إمامة الاِمام الجواد عليه السلام ويجيب عنها منطقياً وتاريخياً ، لكنه قدس سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول : ( إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الاِمامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلِّ المجالات الروحية والفكرية والفقهية والدينية ) .
____________
1) اُصول الكافي 1 : 199 | 1 .
(36)


(37)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net