أُمّه عليها السلام :
أما أُمّه ، فهي أم ولد اسمها ( سبيكة ) ، نوبيّة . وقيل : سكن المريسية (1) . وقيل أيضاً : إنّ الاِمام الرضا عليه السلام لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم « خيزران » ، وهي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وعلى كلِّ حال . . فقد كانت من الجلال والقدر أن عُدَّت في زمانها أفضل بنات جنسها ، وإليها أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يذكر الاِمام محمداً التقي عليه السلام بقوله : « بأبي ابن خيرة الاِماء ، ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم » (2) .
ويدلُّ على مكانتها وجلالة قدرها أيضاً ، أن الاِمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام طلب من يزيد بن سليط أن يبلغها منه السلام إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ، فقد ورد في الخبر أن الاِمام الكاظم عليه السلام التقاه في طريق مكة وهم يريدون العمرة . فقال له : « إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ . فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأما علي الآخر فعلي بن الحسين . . يا يزيد فإذا مررت بالموضع ولقيته ، وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل مارية القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام ، فافعل ذلك » . والرواية سنوردها بتمامها بعد قليل في موضوع النص على إمامة الجواد عليه السلام .
وفي خبر آخر أورده المحدِّث الشيخ حسين بن عبدالوهاب في « عيون ____________ 1) نسبة إلى مرّيسة وهي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة . 2) اُصول الكافي 1 : 323 | 14 .
(20)
المعجزات » بسند ذكره ، عن كلثم بن عمران (1) ، قال : قلت للرضا عليه السلام : ادع الله أن يرزقك ولداً . فقال : « إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني » . فلما ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام لاَصحابه : « قد ولد لي شبيه موسى بن عمران ، فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ، تقدّست أُمٌّ ولدته ، قد خُلقت طاهرة مطهّرة » (2) .
كنيته :
وكُنّي بأبي جعفر من يوم مولده ، وما كان الاِمام الرضا عليه السلام يدعوه إلاّ بها ، وهي الكنية المشهور بها (3) ، ثم عرّفه الرواة والمحدِّثون بالثاني لتمييزه عن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام . ويكنّى أيضاً بأبي عليّ ، ولا يُعرف بها .
حليته :
كان عليه السلام شديد الاَُدْمَه (4) ، ضاوي الجسم (5) قصيره ، قطُّ الشعر مثل حلك الغراب (6) ، وطبيعي جداً أن يكون الاِمام أبو جعفر عليه السلام ـ وهو من بين أب حجازي وأمّ نوبية ـ حائل اللون ، ولا ريب في ذلك ، هذا وإن كان الاِمام الجواد عليه السلام حائل اللون إلاّ أنّه : ____________ 1) وجاء في مصادر اُخرى باسم : كليم . وبأي الاسمين ورد فهما واحد . 2) عيون المعجزات : 121 . وعنه الاَنوار البهية | المحدّث الشيخ عباس القمي : 209 . 3) الكافي 1 : 320 ، 469 . وإثبات الوصية : 183 ـ 194 . وتهذيب الاَحكام 6 : 90 باب 37 وما بعده . 4) دلائل الاِمامة : 384 | 342 ، و404 | 365 . 5) مناقب آل أبي طالب 4 : 387 . ودلائل الاِمامة : 404 | 365 . 6) راجع : دلائل الاِمامة : 397 | 346 . وفي مقاتل الطالبيين : 456 جاء أيضاً ما هذا نصّه : وزوّج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده ..
(21)
مشتقة مـن رسول الله نبعتُهُ * طابت مغارسُهُ والخيمُ والشِّيمُ
وأما ما انفرد به ابن الصباغ من أن صفته أبيض معتدل ، ووافقه بعض من كتب في سيرة الاِمام الجواد عليه السلام ، ورجّح قوله ، استثقالاً منه أن يقول بسمرة الاِمام ، فهو خلاف المشهور من صفته عليه السلام (1) . ألقابه الشريفة :
تميّز إمامنا الجواد عليه السلام بألقاب عديدة من أخصّها به قديماً لقب ( التقي ) (2) ثمّ بعد ذلك ( الجواد ) (3) قال ابن شهر آشوب:
فديت إمامي أبا جعفر * جواداً يلقّب بـالتاسعِ
وبين هذين اللقبين عدّدوا له ألقاباً اُخرى منها : المنتجب والمرتضى والزكي والقانع والرضي والمتوكل وغيرها (4) . أولاده :
ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أن الجواد عليه السلام ( خلّف بعده من الولد عليّاً ابنه الإمام من بعده ، وموسى ، وفاطمة ، وأُمامة ابنتيه ، ولم يخلّف ذكراً غير من ____________ 1) حياة الاِمام محمد الجواد عليه السلام | باقر شريف القرشي : 24 . 2) عيون المعجزات : 121 . ودلائل الاِمامة : 396 . واعلام الورى 2 : 91 . وتاج المواليد | الطبرسي : 52 . والدعوات | الراوندي : 89 | 224 و 106 | 234 . ومناقب ابن شهر آشوب 4 : 379 و 410 ـ 411 . 3) دلائل الاِمامة : 396 . ومناقب ابن شهر آشوب 4 : 379 و 410 ـ 411 . وكشف الغمة 3 : 137 . والنجوم الزاهرة 2 : 321 حوادث سنة 219 . 4) راجع : الاِرشاد 2 : 295 . ودلائل الاِمامة : 396 . وإعلام الورى 2 : 91 .
(22)
سمّيناه ) (1) .
ونقل ابن شهرآشوب عن الشيخ الصدوق إنهنَّ : حكيمة وخديجة وأم كلثوم (2) . وزاد عليهن السيد ضامن بن شدقم في ( تحفة الاَزهار ) : فاطمة .
وفي ( الشجرة الطيبة ) للمدرس الرضوي المشهدي أن بنات الاِمام الجواد عليه السلام : زينب ، وأم محمد ، وميمونة ، وخديجة ، وحكيمة ، وأم كلثوم . وقال آخر : ولد الجواد عليه السلام عليّاً ، وموسى ، والحسن ، وحكيمة ، وبريهة ، وأُمامة ، وفاطمة (3) .
إذن ، المشهور أنّ للاِمام الجواد عليه السلام ابنة يقال لها ( حكيمة ) كانت جليلة القدر ، رفيعة المقام ، عالية الشأن . أوكل إليها أخوها الاِمام الهادي عليه السلام جاريته ( نرجس ) كي تعلمها معالم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتؤدّبها بالآداب الاِلهية .
وزوّج الاِمام الهادي عليه السلام نرجس من ولده الاِمام العسكري عليه السلام فانجبت له الاِمام المهدي عليه السلام وقامت حكيمة بمهمّة القابلة لاُمّه ليلة ولادته (4) ، وصرّحت بمشاهدة الاِمام المهدي عليه السلام بعد مولده (5) .
وكان لحكيمة دور مهم بعد استشهاد الاِمام الحسن العسكري عليه السلام ، حيث كانت تقوم بدور السفارة بين الشيعة وبين الاِمام محمد المهدي عليه السلام ____________ 1) الاِرشاد 2 : 295 . وإعلام الورى 2 : 106 . 2) مناقب آل أبي طالب 4 : 380 . 3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : هامش ص 199 . 4) كمال الدين 2 : 424 | 1 ط2 . والغيبة | الشيخ الطوسي : 234 | 204 . 5) اُصول الكافي 1 : 330 | 3 . وكمال الدين 2 : 433 | 14 .
(23)
في غيبته الصغرى ، فكانت تقوم باستلام الكتب والمسائل وتوصلها إلى الاِمام عليه السلام ثم تستلم منه توقيعاته الشريفة وتوصلها إلى الناس (1) .
أضف إلى ذلك أنّها تروي حرز الاِمام الجواد عليه السلام ، وقد توفيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامراء ، ودفنت عند رجلي الاِمامين العسكريين عليهما السلام ، وقبرها مشهور معروف .
وغريب من مثل الشيخ المفيد أن يفوته التعرض لذكر اسمها ضمن تعداده لاَبناء الاِمام أبي جعفر الجواد عليه السلام ، مع أنّه ـ عليه الرحمة ـ ذكرها في « الاِرشاد » في ثاني خبر له في باب ذكر من رأى الاِمام الثاني عشر عليه السلام ، فقال : أخبرني أبو القاسم ، عن محمد بن يعقوب ـ وهو الكليني ـ ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن رزق الله ، قال : حدثني موسى بن محمد ابن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي ـ وهي عمة الحسن عليه السلام ـ أنّها رأت القائم عليه السلام ليلة مولده وبعد ذلك (2) .
وأما ولده موسى المعروف بالمبرقع ، وإليه ينتهي نسب السادة الرضويين ، فقد عاش في المدينة ، وبعد شهادة أبيه انتقل إلى الكوفة فسكنها مدة ، ثم هاجر إلى قم فوردها سنة ( 256 هـ ) قاصداً استيطانها ، فكان أول سيد رضوي تطأ أقدامه هذه المدينة ، وكان من أهل الحديث والدراية . توفي في ربيع الآخر سنة ( 296 هـ ) ودفن في بيته .
|