متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اللقاء الرابع : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم
الكتاب : ومن الحوار اكتشفت الحقيقة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

اللقاء الرابع

كان اللقاء الرابع محددا من قبل السيد لتكملة الحوار والمناظرة في قضايا الخلاف ومعرفة الحقيقة حيث كنت ألح على السيد بالنقاش .


المؤلف : سماحة السيد أريد جوابا منكم لقوله تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ( 1 ) أليس الخلفاء ممن تحدثت الآن عنهم من الذين كانوا أشداء على الكفار وكانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فهذا توجيه الآية

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة الفتح آية 26 . ( * )

 

 

 ص 84

الكريمة ومفادها فما هو جوابكم وما تقولون في أن الخلفاء أبا بكر ، وعمر وعثمان ( رض ) من وجوه أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وزعماء من كان معه وإذا كان كذلك فهم أحق الناس بما دلت عليه الآية من وصف المؤمنين والمدح لهم والثناء عليهم وذلك يمنع الحكم عليهم بالانحراف والخطأ .


السيد البدري : أقول : أولا يا أستاذ إن الآية بعمومها الإطلاقي شاملة لطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي هريرة ، وأبي عبيدة عامر بن الجراح ، وأبي الدرداء وسعد ، وسعيد ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي سفيان وعمرو بن العاص ،

والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية ، ومالك بن نويرة وأبي معيط ، ويزيد ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن سلول وغيرهم ن الناس لأن هؤلاء كلهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وآله لا خصوص الخلفاء الثلاثة فقط الذين ذكرتهم يا أستاذ . لأن الآية الكريمة

جاءت على صيغة الاطلاق العمومي لكل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله ( محمد رسول الله والذين معه ) لم تحدد أو تخصص الآية فقط الخلفاء الثلاثة . وذلك فإن كل ما أوجب دخول الخلفاء : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ( رض ) في

القرآن وثنائه ، فهو يقتضي بوجوب دخول كل من ذكرنا في الآية لأن هؤلاء كلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا جميعا من الذين معه وكان لأكثرهم من الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله والنصرة للإسلام ، ما لم يكن

شئ منه للخلفاء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ( رض ) ، فكيف يتسنى لأحد تخصيص الآية بالخلفاء ( رض ) وحدهم ؟ وبماذا يا ترى اختص الخلفاء الثلاثة ( رض ) بما خرج عنه أولئك والجميع بمستوى واحد ، وفي ميزان واحد ؟ وهل تجد لذلك يا أخي وجها إلا التخصيص بلا مخصص والترجيح بلا مرجح ، الباطلين
 

 ص 85

عقلا ؟ ! . فإن قلت لي إن الآية تريد كل من كان مع النبي صلى الله عليه وآله في الزمان أو المكان أو بظاهر الإسلام فقد صرت إلى أمر كبير وهو مدح الكافرين والمنافقين الذين ( معه ) صلى الله عليه وآله في المكان وكانوا يتظاهرون له صلى الله عليه وآله بالإسلام ويبطنون النفاق كما نطق به القرآن .


المؤلف : مقاطعا السيد : نحن لا نريد أن ننتقص الصحابة ( رض ) ولكن أقبل الدليل من القرآن أو من السنة .

السيد البدري : فهاك نماذج من مخالفات الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله من القرآن والسنة . نماذج من مخالفات الصحابة للرسول صلى الله عليه وآله

منها : إنهم أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وآله صلح الحديبية وتكلموا بكلمات مزعجة على ما حكاه البخاري في صحيحه ( 1 ) .

منها : إنهم أسرعوا إلى رمي عفاف أم المؤمنين عائشة لما تأخرت وصفوان بن المعطل في غزوة بني المصطلق ( 2 ) حتى نزل فيهم قوله تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) ( 3 ) .

منها : إنهم تجرؤوا على النبي صلى الله عليه وآله وأنكروا عليه صلاته على ابن أبي

  * هامش *  
 

( 1 ) صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 974 ، ح 2581 و 2582 ، باب الشروط في الجهاد .
( 2 ) صحيح البخاري ، ج 4 : 1517 ، ح 3910 ، باب حديث الإفك .
( 3 ) سورة النور : آية 11 . ( * )

 

 

 ص 86

( المنافق ) حتى جذبوه من ردائه وهو واقف للصلاة عليه ( 1 ) .

منها : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ جاءت عير لقريش قد أقبلت من الشام ومعها من يضرب الدف ويستعمل ما حرمه الإسلام ، فتركوا رسول الله قائما على المنبر وانفضوا عنه إلى اللهو واللعب رغبة فيه

وزهدا في استماع مواعظه وما يتلوا عليهم من آيات القرآن الكريم حتى أنزل الله تعالى فيهم ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) ( 2 ) .


ومنها : إنهم قد تشاتموا مرة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وتضاربوا بالنعال بحضرته ، على ما أخرجه البخاري في صحيحه ( 3 ) وتقاتل الأوس والخزرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذوا السلام واصطفوا للقتال - كما ذكره

الحلبي الشافعي في سيرته الحلبية ( 4 ) مع علمهم بقول رسول الله ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) على ما حكاه البخاري في صحيحه ( 5 ) ، وعلمهم بما أوجبه الله تعالى عليهم من التأدب بحضرته صلى الله عليه وآله وأن لا يرفعوا

أصواتهم فوق صوته ، فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر
 

  * هامش *  
  ( 1 ) صحيح البخاري ، ج 5 : 2184 ، ح 5460 ، باب لبس القميص .
( 2 ) سورة الجمعة الآية : 11 .
( 3 ) البخاري ، 2 : 958 ، ح 48 ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر .
( 4 ) البخاري ، 2 : 107 .
( 5 ) صحيح البخاري ، ح 48 ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر . ( * )
 

 

 ص 87

بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) ( 1 ) . وهناك مخالفات كثيرة وقعوا فيها مما يضيق المجال لذكرها الآن

المؤلف : سماحة السيد لماذا لم تذكر فضيلة الخليفة أبي بكر ( رض ) عندما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار ( والذين معه ) ألم يكن مع رسول الله في الغار لتحقيق معنى الآية . . .

ولماذا تنكرون ذلك أنتم الشيعة ؟ ألم يكن له شرف الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وهذه من أكبر الفضائل للخليفة الأول ألم تنزل عليه السكينة في الآية ؟ لماذا تغفل هذه الأمور ولم تناقشها ألم يكن تعصبا ودفاعا عن الشيعة ؟


السيد البدري : إن ما ذكره الطبري في تاريخه : إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبي صلى الله عليه وآله فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبي صلى الله

عليه وآله فرآه في الطريق فأخذه النبي صلى الله عليه وآله معه . فالنبي صلى الله عليه وآله إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول وقال بعض المحققين : إن أبا بكر بعدما التقى بالنبي صلى الله عليه وآله في الطريق اقتضت الحكمة

النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرا ، كما نوه به الشيخ أبو القاسم ابن الصباغ ، وهو من كبار علمائكم . قال في كتابه ( النور والبرهان ) . أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر عليا فنام على فراشه ،

  * هامش *  
 

( 1 ) صحيح البخاري ، ح 48 ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر . ( * )

 

 

 ص 88

وخشى من أبي بكر أن يدلهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار !

السيد البدري : أسألك يا أستاذ أن تبين لي محل الشاهد من الآية الكريمة وتوضح الفضيلة التي سجلتها الآية لأبي بكر ؟ !

المؤلف : الآية تبدأ من قوله تعالى ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) ( 1 ) . محل الشاهد ظاهر والفضيلة أظهر وهي :

أولا : صحبة النبي صلى الله عليه وآله فإن الله تعالى يعبر عن الصديق صلى الله عليه وآله بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله .
ثانيا : جملة : ( إن الله معنا ) .
ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه وتعالى على سيدنا أبي بكر ( رض ) ومجموعها تثبت أفضلية سيدنا الصديق وأحقيته بالخلافة . وأنت صرحت أيها السيد لا أحد ينكر أن أبا بكر كان من كبار الصحابة ومن شيوخ المسلمين وأنه زوج ابنته من النبي صلى الله عليه وآله .


السيد البدري : ولكن كل هذه الأمور لا تدل على أحقيته بالخلافة . وكذلك كل ما ذكرت من شواهد ودلائل من الآية الكريمة لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إن صحبة الأخيار والأبرار لا
 

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة التوبة الآية 40 . ( * )

 

 

 ص 89

تكون دليلا على البر والخير ، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء وخاصة في الأسفار . الصحبة ليست فضيلة فإنا نقرأ في سورة يوسف الصديق عليه السلام أنه قال : ( يا صا حبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد

القهار ) ( 1 ) . لقد أتفق المفسرون أن صاحبي يوسف الصديق عليه السلام هما ساقي الملك وطباخه وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبي يوسف الصديق عليه السلام ولم يؤمنا بالله حتى أنهما خرجا من السجن كافرين

، فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسف عليه السلام تعد منقبة وفضيلة لهما ؟ ! ثانيا : ونقرأ في سورة الكهف : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) ( 2 ) . ذكر المفسرون : أن المؤمن - كان

اسمه : يهودا - قال لصاحبه - واسمه : براطوس - وكان كافرا ، وقد نقل المفسرون - منهم - الفخر الرازي محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنفيها سؤال : فهل تعد صحبة براطوس ليهودا ، فضيلة أو شرفا يقدمه على أقرانه ؟ ! أو هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) ؟ !
 

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة يوسف : الآية 39 . ( 2 ) سورة الكهف الآية 2 . ( * )

 

 

 ص 90

فالمصاحبة وحدها لا تدل على فضيلة وشرف يميز صاحبها ويقدمه على الآخرين . وأما استدلالك على أفضلية أبي بكر ، بالجملة المحكية عن النبي صلى الله عليه وآله : ( إن الله معنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد لأن الله تعالى لا يكون مع

المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا لقوله تعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا . . . ) ( 1 ) . فبحكم هذه الآية الكريمة فإن الله عز وجل يكون مع المؤمن والكافر والمنافق .


المؤلف : عفوا سماحة السيد المقصود ( إن الله معنا ) أي أن الله مع الذين يعملون لطاعته وعبادته والألطاف والعناية أي تشملنا هذا هو المراد وإلا في الحقيقة والواقع الله سبحانه وتعالى مع الجميع ويعلم ما في قلوب الجميع وإلا هذا الاستدلال الذي أتيت به غير مقنع . حقائق لا بد من توضيحها وكشفها

السيد البدري : أقول لك ( لا مناقشة في الأمثال ) لأن الأمثال تضرب ولا تقاس ، أعطيك أمثلة على ذلك .

 1 - إبليس - فإنه عبد الله تعالى عبادة قل نظيرها من الملائكة - وقد شملته الألطاف الإلهية والعناية الربانية ولكن لما تمرد عن أمر خالقه واتبع هواه واغتر
 

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة المجادلة الآية 7 . ( * )

 

 

 ص 91

خاطبه الله تعالى قائلا : ( قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) ( 1 ) .
 

 2 - وبرصيصا . . في بني إسرائيل كان مجدا في عبادة الله سبحانه وتعالى حتى أصبح من المقربين ، وكانت دعوته مستجابة ، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة فترك عبادة رب العالمين وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين فقال الله تعالى فيه : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ) ( 2 ) . فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدل على أن ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأن عاقبة أمره تكون خيرا ولذا ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام : ( اللهم أجعل عواقب أمورنا خيرا ) .


 2 - ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنه كما ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) ( 3 ) . قالوا : إنه تقرب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاء الاسم الأعظم
 

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة الحجر الآية 24 و 25 . ( 2 ) سورة الحشر الآية 16 . ( 3 ) سورة الأعراف الآية 175 . ( * )

 

 

 ص 92

وأصبح ببركة اسم الله سبحانه دعاؤه مستجابا ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبني إسرائيل وأمما كثيرة في الوادي . ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، وأتبع الشيطان ، وخالف الرحمن وسلك سبيل البغي والطغيان وصار في المخلدين في النيران . ومن أحب تفصيل قصته فليراجع تفسير الفخر الرازي : 4 / 462 فإنه يروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل .


المؤلف : إستأذنت بالخروج من الجلسة وما عدت أتحمل الحوار ولا الإصغاء إلى هذا الكلام القاسي بحق تشبيهه الخلفاء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بإبليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا ووقفت ووصلت إلى الباب فركض سماحة السيد خلفي وقال ألم أقل لك إصبر إصبر يا أخي فقلت له من فضلك تغير محور النقاش سماحة السيد الجليل .


السيد البدري : أنا إنتهيت من هذه القصص ألم أقل لك في بداية الجلسة على أن الأمثال تضرب ولا تقاس ( ولا مناقشة في الأمثال ) ولكن يا أخي إن الأمثلة تضرب لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من

جميع الجهات بل يكفي تشابههما من جهة واحدة وهي التي تركز عليها موضوع الحوار . وإني أشهد الله يا أخي ! بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد ، بل البحث والحوار يقتضي في بعض المواقع أن أذكر شاهدا لكلامي وأبين المطلب والمراد والمقصود .


المؤلف : إذا كنت سماحة السيد قد بينت لي في قوله تعالى ( إن الله معنا )

 ص 93

وشرحت أن المقصود من أن الله سبحانه تعالى مع الكافر والمؤمن والمنافق فأين تذهب بهذا الدليل القاطع الذي يعد منقبة وفضيلة عظيمة لسيدنا أبي بكر ( رض ) . ألا وهو قوله تعالى ( فأنزل الله سكينته عليه ) فإن الضمير في ( عليه ) يرجع لأبي بكر الصديق وهذا شرف من الله ومقام عظيم قد كرمه به فلماذا تحاول طمس هذه الحقيقة ؟


السيد البدري : الضمير التي ذكرته في هذه الكلمة يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وليس لأبي بكر بقرينة الجملة التالية في الآية ( وأيده بجنود لم تروها ) . وقد صرح جميع المفسرين : أن المؤيد بجنود الله سبحانه هو النبي صلى الله عليه وآله .


 المؤلف : ونحن نقول : أن المؤيد بالجنود النبي لا شك بذلك ولكن أبا بكر كان مؤيدا مع النبي صلى الله عليه وآله لمصاحبته في الغار .

السيد البدري : إذا كان الأمر كما تقول يا أستاذ وقلت لي في أول الجلسة بأنك تدرس اللغة العربية ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إن الألطاف والعنايات الإلهية كالنصرة والسكينة شملت أبا بكر دون رسول الله صلى الله عليه وآله . . فينحصر القول بأنها شملت رسول الله دون صاحبه ! !


المؤلف : سماحة السيد إن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس بحاجة إلى السكينة ، لأن السكينة موجودة معه ولا تفارقه ، ولكن سيدنا أبي بكر ( رض ) كان بحاجة ماسة إلى السكينة فأنزلها الله عليه .

السيد البدري : يا أخي لماذا تضيع الوقت بتكرار الكلام .
 

 ص 94

وبأي دليل تقول إن النبي صلى الله عليه وآله لا يحتاج إلى السكينة الإلهية ؟ ! بينما الله سبحانه وتعالى يقول : ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها ) ( 1 ) . وذلك في غزوة حنين .

ويقول الله تعالى في آية أخرى : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) ( 2 ) . وذلك في فتح مكة المكرمة .

لاحظ أيها الأستاذ الكريم أن الله تعالى في الآيتين الكريمتين يذكر النبي صلى الله عليه وآله ويذكر بعده المؤمنين . فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الذين تشملهم السكينة الإلهية ، لكان الله عز وجل قد ذكره بعد ذكر النبي صلى الله عليه وآله

أو قال تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليهما ) . هذا وقد صرح كثير من كبار علمائكم : بأن ضمير ( عليه ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله لا إلى أبي بكر ، راجع كتاب : ( نقض العثمانية ) للعلامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي

وهو أستاذ ابن أبي الحديد وقد كتب ذلك الكتاب القيم في رد وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ . وأزيدك أدلة أخرى أيها الأستاذ المحاور . إننا نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولك !
 

  * هامش *  
 

( 1 ) سورة التوبة الآية 26 . ( 2 ) سورة الفتح : آية 26 . ( * )

 

 

 ص 95

سؤال ؟ ! قال تعالى في محكم كتابه : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن ) . فالنبي هنا ينهى صاحبه عن الحزن .

فالسؤال الذي أوجهه إليك أيها المحاور : هل أن حزن أبي بكر كان طاعة لله ولرسوله أم معصية ؟ !

المؤلف : طبعا حزن سيدنا أبي بكر ( رض ) كان طاعة لله فكيف يكون معصية معاذ الله ؟

السيد البدري : ما دام حزن الخليفة أبي بكر طاعة لله كما ذكرت فلماذا نهاه رسول الله عن هذه الطاعة ؟ وقال له لا تحزن ، و ( لا ) هنا للنهي والنهي يأتي عن المعصية وليس عن الطاعة فالآية لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمه

وقدحه ! وصاحب السوء لا تشمله العناية والسكينة الإلهية لأنهما تختصان بالنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين ، وهم أولياء الله الذين لا يخشون أحدا إلا الله سبحانه ومن أهم علامات الأولياء كما في قوله تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم

ولا هم يحزنون ) . ولما وصلنا إلى هذه النقطة كان الوقت ما يقرب من آذان صلاة المغرب وأجلت الجلسة بسبب تعب الطرفين لأن هناك تكملة لبحوث أخرى .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net