ثامنا : استشهاد الإمام علي عليه السلام :
كانت آخر موقعة خاضها الإمام علي عليه السلام هي موقعة النهروان ، حيث خاض بها قتالا ضد المجموعة التي فرضت التحكيم عليه في صفين ، ولكنها ندمت بعد عدة أيام ، فنكثت عهدها وخرجت من بيعة الإمام ،
وقد عرفوا فيما بعد باسم " الخوارج " أو " المارقين " ، وقد انتصر عليهم الإمام عليه السلام ، وكان يتهيأ لاستئناف قتال المتمردين في الشام بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء بين الحكمين ، بيد أن الإمام عليه السلام استشهد على يد أحد أفراد
الخوارج وهو " عبد الرحمن بن ملجم " عندما طعن الإمام بسيف وهو في سجوده ، عند صلاة الفجر في مسجد الكوفة صبيحة اليوم التاسع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة بعد خمسة أعوام من الحكم .
وقد بقي الإمام عليه السلام يعاني من علته ثلاثة أيام ، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط عليه السلام ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة .
وهذا الاستخلاف لم يكن بلحاظ أن الحسن عليه السلام كان ابنا لعلي عليه السلام ، أو أنه كان الأصلح للخلافة بنظره ، وإنما عملا بأمر الله تعالى الذي اختار خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله الاثني عشر - كما مر سابقا - حيث كان الإمام الحسن عليه السلام ثانيهم .
تاسعا : معاهدة الصلح واستشهاد الإمام الحسن عليه السلام :
بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام ، اعتلى الإمام الحسن عليه السلام المنبر ونهض أهل الكوفة وبايعوه خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وإماما للأمة ، إلا أن ذلك لم يدم سوى ستة شهور ، فعندما وصل الشام نبأ استشهاد الإمام علي عليه السلام ،
تحرك معاوية بجيش كبير نحو الكوفة ليأخذ بيده زمام المسلمين ، ويجبر الإمام الحسن بن علي عليه السلام على الاستسلام . ولم يجد الإمام الحسن عليه السلام مناصا سوى المسالمة وعقد ميثاق
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 75 |
صلح مع معاوية .
وأما الأسباب التي فرضت عليه عقد مثل هذا الصلح فقد كانت تفكك جيشه ووضع العراق الداخلي المضطرب من جهة ، والامبراطورية الرومانية التي كانت تتحين الفرصة لضرب الإسلام وقد تأهبت بجيش عظيم لحرب المسلمين من جهة أخرى ، مما يؤكد أنه لو نشبت حرب بين معاوية والإمام الحسن عليه السلام في ظل هذه الظروف لكان المنتصر فيها إمبراطورية الروم وليس الإمام الحسن عليه السلام ولا معاوية .
وهكذا فإن الإمام الحسن عليه السلام بقبوله السلام قد أزال خطرا كبيرا كان يهدد الإسلام ، وأما بنود معاهدة الصلح فكانت :
1 - يسلم الحسن بن علي عليه السلام الحكومة وأزمة الأمور إلى معاوية على شرط أن يعمل معاوية وفق مبادئ القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله .
2 - تكون الخلافة بعد موت معاوية حقا خاصا بالإمام الحسن عليه السلام ، وإذا حدث له حادثة فإن الخلافة ستكون لأخيه الإمام الحسين عليه السلام .
3 - تمنع الشتائم وكافة الإساءات ضد الإمام علي عليه السلام سواء على المنابر أو غيرها .
4 - ينفق مبلغ خمسة ملايين درهم الموجودة في بيت المال في الكوفة تحت إشراف الإمام الحسن عليه السلام ، ويجب على معاوية أن يرسل سنويا مليون درهم من الخراج إلى الإمام الحسن عليه السلام ، ليوزعها على عوائل أولئك الذين استشهدوا في معركتي الجمل وصفين إلى جانب الإمام علي عليه السلام .
5 - يتعهد معاوية بأن يدع الناس قاطبة من أي جنس وعنصر في منأى من الملاحقة والأذى ، ويتعهد أيضا أن ينفذ بنود هذا الصلح بدقة ويجعل الملة عليه شهيدا .
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 76 |
إلا أن الإمام الحسن عليه السلام استشهد في سنة 50 ه بعد أن دست له زوجته ( جعدة بنت الأشعث بن القيس ) السم ، والتي كانت تنسب إلى إحدى الأسر المخالفة للعلويين .
وقد حرضها معاوية على اقتراف هذه الجريمة السوداء بإرساله إليها مائة ألف درهم ، ووعده إياها بأن يزوجها بابنه يزيد إذا دست السم للحسن عليه السلام .
وقد فرح معاوية فرحا كبيرا عندما علم باستشهاد الإمام الحسن عليه السلام ، إذ كان يرى أن أكبر عقبة بوجه مآربه - وخصوصا توطيد الحكم للأسرة الأموية - قد زالت من الوجود .
وهكذا فقد تم لمعاوية بعد ذلك ما أراد ، وتمكن من تنصيب ابنه المراهق الخليع يزيد على الأمة قهرا .
فأين هذا من اعتقاد أهل السنة بأن الخلافة هي بالشورى ؟
أو لم يرفضوا النصوص التي تدل على استخلاف أئمة أهل البيت بحجة أن الخلافة هي بالشورى ؟
أو ليس يدل هذا على أن الخلافة - على رأيهم - إن لم تكن بالشورى فهي غير شرعية ؟
ولكن لماذا اعتبروا أن خلافة يزيد شرعية ؟ وكيف قبلوا تسميته بأمير المؤمنين ؟
وتأمل فيما يلي لترى شيئا من صفحات تاريخنا الإسلامي السوداء ، وسردا لقبس من قبسات حياة " أمير المؤمنين " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ! !
|