سادسا : موقعة الجمل وخروج أم المؤمنين :
عندما علمت أم المؤمنين بمقتل الخليفة عثمان ومبايعة الناس لعلي
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 65 |
قالت لعبيد الله بن كلاب الذي أخبرها بذلك : " والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ويحك أنظر ما تقول " فقال لها عبيد : هو ما قلت لك يا أم المؤمنين . فولولت ، فقال لها : ما شأنك يا أم المؤمنين ، والله ما أعرف أحدا أولى بها منه ، فلماذا تكرهين ولايته ؟ وصاحت أم المؤمنين : ردوني ، ردوني .
فانصرفت إلى المدينة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه ! فقال لها عبيد : ولم ؟ فوالله أول من أحال صرفه لأنت ، فقد كنت تقولين " اقتلوا نعثلا فقد كفر " ، قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول ، فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد واجتمع الناس إليها وقالت : يا أيها الناس ، إن عثمان قتل مظلوما ، والله لأطلبن بدمه ( 1 ) .
وقد وافق غضب أم المؤمنين عائشة غضب طلحة والزبير بعد أن استرد الإمام علي عليه السلام عهد ولايتي اليمن والبحرين منهما ، فنكثا عهديهما للإمام علي عليه السلام ، وذهبا إلى مكة يحثون أم المؤمنين للسير إلى قتال علي ، فخرجوا وقد سار
معهم جيش كبير بقيادة أم المؤمنين متوجهين نحو البصرة حيث دارت رحى معركة عرفت باسم ( معركة الجمل ) ، وقد كان الظفر فيها بجانب جيش الإمام وقتل فيها طلحة والزبير وثلاثة عشر ألفا من المسلمين ، وكل هؤلاء ذهبوا ضحية دعوة أم
المؤمنين بالاقتصاص من قتلة عثمان والذين ادعت أنهم اندسوا في جيش الإمام . ومهما يكن الأمر ، أولم يكن الأجدر بها أن تدع كل ذلك لولي الأمر ؟ وخصوصا أن الله تعالى أمرها ( وقرن في بيوتكن ) ( 2 ) .
وما هي وذاك ؟ فعثمان رجل من بني أمية ، وهي من تيم . إلا إذا كان لخروجها سبب آخر غير ذلك ! ؟ وبالرغم من أن واقع هذه الحادثة يجيب على هذه التساؤلات بوضوح
|
* ( هامش ) * ( 1 ) الطبري ج 5 ص 172 ، ابن الأثير وابن سعد .
( 2 ) الأحزاب : 32 . ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 66 |
فإنه يضاف إلى ذلك تنبؤ الرسول صلى الله عليه وآله لهذه الفتنة وإشارته إلى مسببيها .
فعن عبد الله قال : " قام النبي ( ص ) خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال : ها هنا الفتنة ، ثلاثا ، من حيث يطلع قرن الشيطان " ( 1 ) .
وقد اعتبر عمار بن ياسر أن طاعة عائشة في هذا الفعل كانت على حساب طاعة الله جل وعلا .
فعن ابن زياد الأسدي قال : " . . . فسمعت عمار يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله إنها لزوجة نبيكم ( ص ) في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ؟ " ( 2 ) .
وحتى قبل هذه الحادثة بأمد بعيد ، فإن عائشة ( رض ) عرف عنها غيرتها الشديدة من علي ، وكانت لا تطيق حتى ذكر اسمه
فعن عبيد الله بن عتبة ( إن عائشة قالت : لما ثقل النبي ( ص ) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له ، فخرج النبي ( ص ) بين رجلين تخط رجلاه في الأرض ، بين عباس ورجل آخر ، قال عبيد الله : فأخبرت عبد الله بن عباس فقال : أتدري من الرجل الآخر ؟ قلت : لا ، قال : هو علي ) ( 3 ) .
ولعل ما سمعته عائشة ( رض ) من قول علي لرسول الله صلى الله عليه وآله بشأنها في حادثة الإفك كان سببا لهذه الغيرة والضغينة ، فعن عبيد الله بن مسعود قال : " . . . وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير " ( 4 ) .
|
* ( هامش ) * ( 1 ) صحيح البخاري ج 4 ص 217 كتاب الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي .
( 2 ) صحيح البخاري ج 9 ص 171 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر .
( 3 ) صحيح البخاري ج 1 ص 133 كتاب الوضوء باب صب النبي وضوء على المغمى عليه .
( 4 ) صحيح البخاري ج 6 ص 252 كتاب التفسير باب - لولا إذ سمعتموه - ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 67 |
وقد وصف أمير الشعراء أحمد شوقي غيرة عاثشة من خلال أبيات يخاطب بها الإمام علي عليه السلام :
يا جبلا تأبى الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك ربة الجمل أثأر عثمان الذي شجاها *
أم غصة لم ينتزع شجاها ذلك فتق لم يكن بالبال * كيد النساء موهن الجبال وإن أم المؤمنين لامرأة *
وإن تك تلك الطاهرة المبرأة أخرجها من كنها وسنها * ما لم يزل طول المدى من ضغنها
أسطورة عبد الله بن سبأ :
وموجز هذه الأسطورة : " أن هذا الشخص اسمه عبد الله بن سبأ وهو يهودي من اليمن ، أظهر إسلامه في عصر عثمان ليكيد بالمسلمين ، فتنقل في الحواضر الإسلامية مصر ، والشام ، والبصرة ، والكوفة مبشرا برجعة النبي ( ص ) ،
وأن عليا هو وصيه ، وأن عثمان غاصب حق هذا الوصي ، فمال إليه وتبعه جماعات من كبار الصحابة والتابعين من أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر ومحمد بن أبي حذيفة ، وغيرهم ، واستطاع أن يجيش الجيوش لقتل الخليفة عثمان حق تتلوه في
داره - وهكذا تسلسل حوادث هذه الأسطورة الموضوعة حق تنتهي بحرب الجمل حيث يأمر عبد الله بن سبأ أتباعه بالاندساس في جيش علي وعائشة دون علمهما ، فيثيروا الحرب ، وهكذا وقعت معركة الجمل " ( 1 ) .
وكما ذكر العلامة السيد مرتضى العسكري ( 2 ) والذي تصدى لكشف زيف هذه الأسطورة الخرافية : ( إن واضعها هو سيف بن عمرو التميمي البرجمي الكوفي المتوفى سنة 170 ه ، ومنه أخذ جميع المؤرخين ، ثم
|
* ( هامش ) * ( 1 ) أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري ص 272 .
( 2 ) وقد نفى أيضا وجود هذه الشخصية عدد من العلماء المحققين مثل الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى / ج 1 ، والدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصلة بين التشيع والتصوف / ج 1 . ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 68 |
اشتهرت القصة وانتشرت في كتب التاريخ مدى القرون حق يومنا هذا ، حتى أصبحت من الحوادث الشهيرة التي لا يتطرق إليها الشك ، وقد فات المعظم من الكتاب والمؤرخين الشرقيين والمستشرقين أن هذه الأسطورة وضعها راو واحد فرد لا
شريك له ، وأن الراوي هذا - سيف بن عمرو - مشهور عند القدامى من علماء الحديث بالوضع ومتهم بالزندقة ، حيث قال فيه أبو داود : " ليس بشئ ، كذاب " ،
وقال ابن عبد البر : " سيف متروك وإنما ذكرنا حديثه للمعرفة " ،
وقال فيه النسائي : " ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون " .
وقد أخذ عن هذا الراوي الطبري وابن عساكر وابن أبي بكر ومن الطبري أخذ سائر الكتاب والمؤرخون إلى يومنا هذا ) ( 1 )
ومن المعروف أن روايات الآحاد لا تفيد إلا الظن العلمي ، ولا تفيد يقينا ، فما بالك إذا كان هذا الراوي غير ثقة وقد اشتهر بكذبه وزندقته ، فهل تقبل روايته ؟
وكيف يقبل أن يحكم على طائفة كبرى من المسلمين بالاعتماد على روايات آحاد ثبت كذب أصحابها ، ويهمل ما تواتر عن رسول الله ( ص ) من أحاديث تثبت عكس ذلك ؟
وإنه لمن أكبر مهازل التاريخ أن ينسب التشيع إلى رجل أسطوري - عبد الله بن سبأ - زاعمين نشره لفكرة " علي الوصي " بالرغم من وجود ذلك الكم الهائل من النصوص الصحيحة التي تثبت بأن التشيع لم يكن إلا محمديا لا غير وراجع نصوص الإمامة في الصفحات السابقة لترى أين محل " عبد الله بن سبأ " فيها من الإعراب .
أعبد الله بن سبأ القائل : " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ؟ ،
أهو القائل : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ؟
أهو القائل باستخلاف الأئمة الاثني عشر ؟
وأي مهزلة هذه تقول بأن رجلا يهودية يأتي من اليمن ويعلن إسلامه
|
* ( هامش ) * ( 1 ) بتصرف عن كتاب عبد الله بن سبأ للعلامة السيد مرتضى العسكري . ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 69 |
نفاقا ، ثم يعمل كل تلك الأعمال الخارقة والتي تصل لحد تسييره لجيوش المسلمين ضد بعضها البعض دون علم أحد فيه ؟
وهل من المعقول أن يقع الإمام علي عليه السلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله : " أنا مدينة الحكمة وعلي بابها " ضحية لخدعة هذا اليهودي ؟
لا شك أن من يقول بذلك قد ضل ضلالا بعيدا
|