مقتل الخليفة عثمان :
لقد أثير كلاما كثيرا حول مقتل الخليفة عثمان ، وتضاربت الأقوال والروايات في ذلك ، وخصوصا بما يتعلق بالفئة التي كانت تحرض على قتله ، والأسباب التي كانت تدفعهم لذلك الأمر ، وبلوغ تلك الأحداث ذروتها بمقتله .
على أن أرجح التفسيرات لذلك تكمن في الممارسات على صعيد سدة الحكم ، وتعيين الولاة من أقرباء الخليفة عثمان وصرف الأموال لهم من خزينة الدولة الأمر الذي أثار ضده ملامة اللائمين وثورات الثائرين .
يقول الكاتب المعروف خالد محمد خالد : " بل لا نكاد نشك في أن عثمان كان يدرك أيضا أن أكثر الذين رحبوا باختياره للخلافة لون علي كرم الله وجهه . . . إنما فعلوا ذلك رغبة منهم في الانعتاق من تزمت الحياة وتقشف المعيشة اللذين طالت
معاناة الناس لهما ، واللذين سيفرضان عناء هما من جديد لو تسنم الأمر علي بن أبي طالب الذي كان بمنهجه الصارم وعدله المكين وتقشفه وورعه يمثل امتدادا لصرامة عمر وعدله وتقشفه وورعه . . . " ( 1 ) .
وقد لعبت أيادي أقرباء الخليفة عثمان من بني أمية بأموال الدولة للدرجة أن البعض يعتقد بأن الدولة الأموية بدأ حكمها منذ اختيار الخليفة عثمان ومبايعته ،
وهذا أبو سفيان يؤكد هذا الرأي أيضا بقوله للخليفة عثمان بعد أن عقدت البيعة له : " يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو
|
* ( هامش ) * ( 1 ) خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص 276 ط الثامنة . ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 63 |
سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة " ( 1 ) .
وفي رواية أخرى : " تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار " ( 2 ) .
وكان من ضمن الذين اعترضوا على الخليفة عثمان فضلاء الصحابة أشهرهم : كأبي ذر الغفاري ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، حيث وقف منهم الخليفة موقفا متشددا ، وأجرى عليهم عقابا مريرا .
فأما أبو ذر فقد لاقى النفي إلى الربذة عقابا له بسبب اعتراضه على معاوية - وإلي الخليفة على الشام - في كنزه للذهب وتبذيره للمال على حساب بيت مال المسلمين .
فعن زيد بن وهبة قال : " مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له : ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في - ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " - .
قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب . فقلت : نزلت فينا وفيهم . فكان بيني وبينه في ذلك ، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني . فكتب إلي عثمان : أن أقدم المدينة فقدمتها : فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك .
فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريبا . فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ، ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت " ( 3 ) .
وأما عبد الله بن مسعود صاحب بيت المال في الكوفة ، فقد لاقى كسرا في أضلاعه بعد أن ضربه غلام عثمان عقابا بسبب اعتراضه على الوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخو الخليفة عثمان لأمه وواليه على الكوفة بعد عزله لسعد بن أبي وقاص - لأخذه ( ابن أبي معيط ) مالا من بيت مال المسلمين دون إرجاعه ( 4 ) .
وأما عمار بن ياسر ، فقد لاقى الفتق نتيجة للضرب المبرح من غلام
|
* ( هامش ) * ( 1 ) تاريخ الطبري ، المسعودي ، ابن الأثير ، الإستيعاب .
( 2 ) ابن الأثير ، المسعودي ، تاريخ الطبري .
( 3 ) صحيح البخاري ج 2 ص 278 كتاب الزكاة .
( 4 ) البلاذري في أنساب الأشراف ، الواقدي ، تاريخ اليعقوبي . ( * ) |
|
حقيقة الشيعة الاثني عشرية - أسعد وحيد القاسم ص 64 |
عثمان عقابا له لصلاته على ابن مسعود ودفنه دون إعلام الخليفة عثمان بذلك . إلا أن عمار فعل ذلك بوصية من ابن مسعود حتى لا يصلي عليه الخليفة ( 1 ) !
وغيرهم الكثيرين ممن اعترضوا على تبذير أقرباء الخليفة من بني أمية لأموال الدولة العامة ، فمروان بن الحكم مثلا أخذ لوحده خمس خراج إفريقيا ! وراجع المزيد عن الخليفة عثمان من كتاب " خلافة وملوكية " للعلامة المودودي .
وقد كان لغضب أم المؤمنين عائشة ( رض ) واعتراضها على الخليفة عثمان ، بل وتحريضها على قتله بقولها : " اقتلوا نعثلا فقد كفر " ( 2 ) بعد أن اتهمته بتغيير سنة النبي صلى الله عليه وآله ما عمل على ازدياد الثورة ضده ، فاجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر والشام والكوفة ، فقتلوه .
بيعة الإمام علي عليه السلام :
بعد مقتل الخليفة عثمان ، تهافت الناس على الإمام علي عليه السلام يطلبون يده للبيعة ، فقالوا له : إن هذا الرجل قد قتل ، ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك . وتمت البيعة .
ولما أراد الإمام علي عليه السلام أن يقيم العدل بين الناس فيجعل الضعيف يساوي القوي لا فرق بينهما ، وأن يقيم الحدود التي أنزلها الله في كتابه ، فعارضه بعضهم ، وقاموا ضده وأثاروا الفتن وسيروا الجيوش معلنين العصيان والتمرد عليه ، وكان ذلك في عدة مواقع أهمها موقعتي الجمل وصفين .
|
* هامش * ( 1 ) شرح ابن أبي الحديد ، تاريخ اليعقوبي .
( 2 ) الطبري ج 4 ص 277 ط القاهرة 1357 ه ، النهاية لابن الأثير وغيرها . ( * ) |
|