متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ترتيب القرآن
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ترتيب القرآن .

من خلال ما سبق تبين لنا أن مصحف عثمان يختلف عن مصاحف الصحابة . وأن الصحابة عارضوه وعلى رأسهم ابن مسعود وربما الإمام علي غير أن روايات القوم لا تؤكد ذلك إنما تؤكد العكس وهو أن الإمام عليا تعاون مع عثمان في مصحفه وأثنى على فعله ( 21 ) .


ومن الطبيعي أن يظهر القوم أية صورة من صور الخلاف بين الإمام علي وعثمان حول المصحف فإن ظهور مثل هذا الأمر ليس في صالح عثمان ولا في صالح مصحفه وليس في صالح الخط الذي ساد من بعد الرسول . . ونظرا لكون المصاحف تختلف فيما بينهما حول ترتيب السور فسوف نناقش هنا مسألة الترتيب هل هي توفيقية - أي موحى بها - أم اختيارية ؟ .


في رواية عائشة السابقة قالت للعراقي السائل : وما يضرك أية آية قرأت ؟ . وفي هذا التصريح إشارة إلى أن مسألة الترتيب مسألة اختيارية . . وينقل ابن حجر عن ابن بطال قوله : لا نعلم أحدا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها ( 22 ) . .
 

 

* هامش *

 

 

( 21 ) يروي القوم على لسان الإمام علي قوله : لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل . أنظر كتب تاريخ القرآن .
( 22 )
فتح الباري ( ج 9 / 40 ) باب تأليف القرآن .

 

- ص 203 -

ونقل أن ترتيب السور اجتهادي وليس بتوقيف من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو قول الجمهور واختاره القاضي الباقلاني قال : وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم فلذلك اختلفت المصاحف فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن ( 23 ) . .


وينقل عن الباقلاني قول أيضا : يحتمل أن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي أمر بترتيبه هكذا . ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة . ثم رجح الأول ( 24 ) . .


ويقول ابن حجر : ترتيب بعض السور على بعض أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة ( 25 ) .


ويروي أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن ابن عباس قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المبين فقرنتموهما بهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع

الطوال ؟ فقال عثمان : كان رسول الله كثيرا ما ينزل عليه السورة ذات العدد فإذا نزل عليه الشئ - يعني منها - دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا . وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة

من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بها فظننت أنها منها وقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها ( 26 ) . .


ويعلق ابن حجر على هذه الرواية بقوله : فهذا يدل على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان توقيفيا ولما لم يفصح النبي بأمر براءة أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادا منه ( 27 ) . .

وعلى ضوء الرواية السابقة يمكن القول أنه إذا كان الرسول ( صلى الله عليه

 

* هامش *

 

 

( 23 - 27 ) المرجع السابق ( ص 42 ) .

 

- ص 204 -

وآله وسلم ) يقول ضعوا هذه الآية في سورة كذا فمعنى ذلك أنه كان يشرف بنفسه على جمع القرآن وترتيبه . وهذا يعني أن الرسول قد ترك القرآن مرتبا مجموعا .

 إذن ماذا كان يفعل أبو بكر وماذا فعل عثمان ؟

 وإذا كان الأمر كذلك فكيف يموت الرسول دون أن يبين موضع سورة براءة ؟ .

إن مثل هذه الحيرة أوقعت ابن حجر في تناقض فعلى الرغم من تبنيه فكرة أن الترتيب توقيفي بأمر الرسول لم ينف عن عثمان اجتهاده في ترتيب براءة وراء الأنفال وأقر فعله وهو بهذا يدين أبا بكر وعثمان لتدخلهما في أمر القرآن بما يخالف ما ترك

الرسول وأمر الترتيب لا يمكن إلا أن يكون اختيارا وهو ما فتح الباب لعثمان ليرتبه على طريقته . ولو كان توقيفيا ما استطاع عثمان أن يقوم بعمله هذا ولأعتبر فعله تحريفا صريحا للقرآن وما كان وافقه على ذلك أحد بل ما كان جرؤ على ذلك من الأصل . .


يروي البخاري أن جبريل كان يعرض على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) القرآن كل عام مرة . فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه ( 28 ) . . وهذه الرواية تعارض كل ما صنع القوم وتجعلنا بين أمرين . .

 إما أن نقف إلى جوار أبي بكر وعثمان ونتبنى مصحفه . .

 وإما أن ننكر هذه الروايات التي تدعم موقفهما وبالتالي سوف نرفض مصحف عثمان .

فهذه الرواية تؤكد أن القرآن كان موضع اهتمام جبريل والرسول حتى قبض . وليس هناك مجال لأحد من بعد الرسول كي يبذل جهدا فيه . فهو كامل مجموع وموجود . .


من هنا بدأت الأبصار تتجه إلى حقيقة حاول القوم إخفاءها وهي ضرورة أن يكون الرسول قد ورث القرآن مجموعا كاملا لواحد من صحابته تتوافر به صفات حفظه ورعايته وإيصاله إلى الناس بأمانة . . ومن بين صحابة النبي لا يوجد من تتوافر به هذه الصفات سوى الإمام علي .


ومنذ أن توصلت لهذه الحقيقة فهمت سر الربط الذي ربطه الرسول بين القرآن والعترة . فهذا الربط إنما يوحي بشئ محدد وهو أن القرآن عند هؤلاء العترة وليس عند سواهم وعندما تغيب فكرة العترة من ذهن المسلم تغيب عنه حقيقة القرآن
 

 

* هامش *

 

 

( 28 ) البخاري باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي .

 

- ص 205 -

ويسقط فريسة للحيرة والشك وسط هذا الكم من الروايات المتناقضة حول القرآن . . ولو كانت فكرة آل البيت ( ع ) واضحة من خلال القرآن الذي جمعه عثمان ما تمكن بنو أمية من ضربهم وعزلهم عن الأمة ومحو علومهم .. لو كانت فكرة آل البيت واضحة ما ظهرت كل هذه الرموز الفقهية التي استعان بها الخط الأموي في إثبات مشروعيته .


وما ظهرت هذه الروايات الباطلة التي استثمرت في التمويه على القرآن ودعم الحكام والتفريق بين آل البيت وبين المسلمين .

إن تجريد المصحف من التفسيرات المنقولة عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالإضافة إلى ترتيبه هذا الترتيب المغرض من قبل عثمان قد شكل أكبر دعم لبني أمية ولسائر الحكام من بعدهم فلولا عثمان ومصحفه ما قامت لبني أمية

قائمة وما ساد الخط الذي ابتدعوه وسيروا الأمة على أساسه . . لقد كان الهدف من عمل عثمان هو التمويه على مصحف قائم وموجود وهو مصحف آل البيت الذي تناوله الصحابة من الإمام علي ودفع المسلمين إلى هجره . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net