متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فكرة الحاكمية
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

فكرة الحاكمية


ومثلما كان تيار التكفير أحد العوامل التي دفعتني نحو التحرر من الماضي كانت أيضا فكرة الحاكمية دافعا آخر لا يقل أهمية عن سابقه . فقد شكلت الحيرة الكبيرة التي كان يعيشها تيار الجهاد في مواجهة الحكومة وتأرجحه ما بين الخروج والطاعة .


استفزازا كبيرا لي دفع بي إلى البحث في مسألة الحاكمية والمواقف من الحكومات في فقه السلف وكانت النتيجة التي خرجت بها قد بررت في نظري حيرة هذا التيار وتذبذبه بين ضرورة المنابذة ورفع راية الجهاد وبين الاستسلام للواقع .


إذ وجدت الأطروحة السلفية منحازة بالكامل للقوى الحاكمة داعمة موقفها بكثير من النصوص النبوية التي تبرر هذا الانحياز وتضفي المشروعية عليه . . ( 8 ) وبالطبع فقد كشفت عملية البحث هذه الكثير من الأمور والقضايا التي زادتني يقينا بأن

هناك أيد خفية عبثت بالإسلام وطوعت قواعده ومفاهيمه لأغراض سياسية . . وفكرة الحاكمية التي هي محل جدل بين التيارات الإسلامية حتى وقتنا الراهن وتتفاوت مواقف هذه التيارات منها ما بين رافض لها كالتيار السلفي وتيار الأخوان ومتبن لها كتيار الجهاد وتيار القطبيين .


هذه الفكرة تعد المتسبب الأول في انتكاسة الحركة الإسلامية المعاصرة وفشلها في الانتشار والتمكن على ساحة الواقع . بل فشلها في ممارسة العمل السياسي ( 9 ) .


وسر ذلك يكمن في اعتماد الحركة على فقه الماضي كمستند ومصدر وحيد لتفسير هذه الفكرة . فتيار السلفيين والأخوان اعتمد على رؤية فقهاء السلف المنحازة
 

 

* هامش *

 

 

( 8 ) - سوف نعرض لهذه النصوص في باب رحلة الشك .
( 9 ) - أنظر هذا الأمر بتوسع في كتابنا عقائد السنة وعقائد الشيعة . وكتابنا الإسلام والعمل السياسي .

 

- ص 27 -

للحاكم المتحالفة معه .

وتيار الجهاد تبنى وجهة ابن تيمية المعادية لبعض الحكام الذين ارتدوا من بين التتر الذين أسلموا وهي رؤية شاذة في الفقه السني .
 

بينما تبنى الخط القطبي رؤية انعزالية متشددة تعتمد أساسا على اجتهادات سيد قطب . . ( 10 ) ويعد تيار الأخوان هو التيار الوحيد من بين هذه التيارات الذي دخل معترك العمل السياسي حاملا فكرة الحاكمية ودخل في تحالفات مع الحكومة والأحزاب لم تحقق له نجاحا يذكر .


بينما آثرت التيارات الأخرى أن تتبنى رؤية انعزالية تجاه الواقع ووصل الأمر ببعضها إلى تكفير الذين يمارسون العمل السياسي من الإسلاميين ( 11 ) .


ومثل هذا التخبط في تحديد ماهية الحاكمية بين التيارات الإسلامية المعاصرة إنما يعود إلى تخبط فقهاء السلف في تحديد ماهيتها حيث وقفوا أمام قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( المائدة : 44 ) موقفا تبريريا يطوع النص لغير غرضه الظاهر حيث قالوا : كفرا دون كفر ولم يجرؤ أحد منهم على توجيه هذا النص نحو حكام زمانه .


وقد انتقلت هذه الرؤية إلى التيارات الإسلامية المعاصرة وتبناها تيار الأخوان والسلفيين بينما نبذها تيار الجهاد والقطبيين على أساس أن حكام اليوم غير حكام الأمس .


وإذا لم يكن حكام الأمس قد تجاوزوا حدود الإسلام فإن حكام اليوم تجاوزوها ودخلوا دائرة الكفر البواح التي جعلها فقهاء الأمس شرطا أساسيا لوجوب الخروج على الحكام حسبما نص الحديث النبوي . . ( 12 )


مثل هذه المواقف التي تبناها فقهاء الأمس من الحكام والتي بنيت في مجملها على أساس مجموعة من الأحاديث المنسوبة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) والتي لا يستريح لها قلب المؤمن ولا عقله ، أثارت الشك في نفسي وزكت نزعة الاعتقاد بأن السياسة تدخلت في صياغة الإسلام .


وإذا كان الرسول من الممكن أن يقول هذا الكلام فما هو دور الإسلام إذن . وهل جاء ليقر الظلم ويمنح الحاكم سلطة استعباد الناس والاستيلاء على أموالهم . . ( 13 ) إن مواقف فقهاء الأمس السلبية من الحكام والمبررة لأفعالهم وممارساتهم المتناقضة مع الإسلام قد انعكست على واقع الحركة الإسلامية اليوم وعلى تصوراتها
 

 

* هامش *

 

 

( 10 ) - أنظر كتابنا الحركة الإسلامية في مصر . ولابن تيمية فتوى شهيرة تجيز مقاتلة معطلي الشرائع من الحكام وقد بناها على أساس حكام التتر الذين أسلموا وحكموا فيما بينهم كتاب " الياثق " وهو كتاب من وضع جنكيز خان ويحوي أحكاما من التوراة والإنجيل والقرآن ومن عنده . وقد اعتمد تيار الجهاد على هذه الفتوى في تبرير صدامه مع الحكومة المصرية . أنظر فتاوى ابن تيمية . وكتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج أحد الخمسة الذين أعدموا في قضية اغتيال السادات . . ( * )

( 11 ) - أنظر الحركة الإسلامية . والإسلام والعمل السياسي . وقد صدرت عدة منشورات من التيار السلفي والتيار الجهادي تهاجم الذين يمارسون العمل السياسي من الإسلاميين . منشور صدر عن التيار السلفي تحت عنوان : القول السديد من أن دخول مجلس الشعب مناف للتوحيد . وأصدر تيار الجهاد منشورا تحت عنوان : أإله مع الله . إعلان الحرب على مجلس الشعب . .

( 12 ) - ربط الحديث في إباحة الخروج على الحكام بقيد : إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان . وهذا يعني استحالة الخروج وقطع السبيل على الخارجين . أنظر مسلم . .

 

- ص 28 -

ومواقفها تجاه الواقع والحكام .

هذه المواقف والأحاديث التي استندت عليها كانت السبب المباشر في إخفاق الحركة في مواجهة الواقع وسقوطها فريسة سهلة في قبضة القوى الحاكمة المتربصة .
 

وهي أيضا من الأسباب المباشرة في تميع فكرة الحاكمية وتذبذبها لدى التيارات الإسلامية اليوم . . ( 14 ) لقد توطن في نفسي أمر رفض هذه الأحاديث والروايات المتعلقة بالحكام وانبنى على هذا الرفض نبذ أقوال فقهاء السلف وتفسيراتهم لهذه

النصوص وبالتالي نبذ مواقفهم من حكام زمانهم مما مهد الطريق لنبذهم بالكلية فيما بعد . . ولا شك أن مثل هذا الأمر كان من الصعب بل ومن الخطورة الجهر به في تلك الفترة وكان أقل ما يمكن أن يحدث لي هو منحي رتبة كافر أو زنديق .


إلا أنني حاولت نقد هذه النصوص وضربها بصورة لا تثير الشك ولا تدفع إلى نبذي آنذاك وهذه الصورة تمثلت في معارضة هذه النصوص بنصوص أخرى واردة على لسان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وتقول بعكس ما تقول هذه النصوص التي

تقول بوجوب طاعة الحكام وهي النصوص التي تقول بوجوب الخروج عليهم والتي لم يجد هؤلاء الفقهاء من حل في مواجهتها سوى العمل على تقييدها . . ( 15 )


ولعل أبرز صورة للتخبط والحيرة التي سببتها هذه النصوص للحركة الإسلامية تجلت في تيار الجهاد بمصر ذلك التيار الذي عجز عن اتخاذ الموقف الشرعي من نظام السادات والحكم عليه بالكفر البواح وتاه بين مقولات السلف وتفسيراتهم لهذه

النصوص حتى اهتدى لفتوى ابن تيمية الخاصة بوجوب قتال معطلي الشرائع فبنى عليها موقفه من السادات وقام بتطبيقها عليه خاصة بعد أن أعلن علمانيته وهاجم الحجاب وأظهر عداءة للتيار الإسلامي في أواخر عهده . . ( 16 )


وكأن القوم كانوا ينتظرون من السادات أن يعلن الكفر البواح حتى يعلنوا الخروج عليه ويقرروا استباحة دمه . أو بمعنى أدق كانوا يريدون تطبيق قواعد السلف حول مسألة الخروج وجهاد الحاكم على السادات حتى ينفوا عن أنفسهم الحرج الشرعي . . إن القاتل الحقيقي للسادات هو ابن تيمية ولم يكن خالد الإسلامبولي سوى
 

 

* هامش *

 

 

( 13 ) - أنظر باب رحلة الشك .
( 14 ) - أدت هذه الروايات إلى حدوث انشقاقات وصدامات فكرية بين التيارات الإسلامية وبعضها خاصة بين تيار الجهاد
           وتيار الأخوان والسلفيين .
( 15 ) - أنظر باب رحلة الشك .
( 16 ) - القاتل الحقيقي للسادات هو ابن تيمية فلولا فتواه ما وجد هؤلاء الفتية مبررا لقتله .

 

- ص 29 -

أداة حملت البندقية ووجهتها إلى صدره .

ولأجل ذلك فإن الحادثة لم تتجاوز حد المنصة التي كان فيها السادات مع أن الطريق كان مفتوحا نحو القصر الجمهوري .

ولكنه فقه الماضي الذي حال دون تمكن الحركة في الحاضر ولا يزال يحول .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net