متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
11 - الصراع الأمويين و مبادئ الإسلام
الكتاب : نظرات في الكتب الخالدة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

11 - الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام
----------------------------- ص 156 -----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
----------------------------- ص 157 -----------------------------

في هذا الكتاب يقدم لنا المؤلف الدكتور نوري جعفر عن عقيدة أخلصها وصفاها لمبادئ الإسلام - العديد من مساوئ بني أمية التي كانت ثلمة لا ترأب في صرح الإسلام المجيد وهي لا تزال إلى اليوم وهي وصمة تاريخهم منذ أمسكوا بزمام الحكم حتى سقطت دولتهم على يد العباسيين سنة 132 هـ‍ .

وقيمة هذا الكتاب تتجلى في أن مؤلفه أضاف شيئا جديدا على الكاتبين في هذا الموضوع ، ذلك أنه وثق كل ما جاء من مواقف بني أمية ضد مبادئ الإسلام السمحاء بالعديد من الروايات المبثوثة في المصادر والمراجع كما أتحف هوامش الكتاب بالكثير من تراجم الأعلام الذين ورد ذكرهم في ثنايا كتابه لقد كتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ - شيخ كتاب القرن الثالث الهجري - كما كتب غيره الكثير عن أخبار بني أمية وعن مساوئهم ومناوأتهم للبيت الهاشمي ، ولكن الذي كتبه الجاحظ وغيره لا يعدو أن يكون من الرسائل المقتضبة ، تناول فيها الجاحظ والمقريزي وغيرهما إبراز الصورة الفنية فيما كتبوا قبل أن يقدموا للقراء روايات مدعمة بالأدلة والبراهين ويشفعوا ما كتبوه بمقارنات تاريخية مدعمة بالمراجع التي استمدوا منها دراساتهم

- ص 158 -

فالصورة الفنية عند هؤلاء كانت هدفا في ذاته و من ثم كانت كتبهم لونا من ألوان الأدب قبل أن تكون مصدرا من مصادر التاريخ يصح الاعتماد عليه في كل شئ .

تناول المؤلف في هذا الكتاب العديد من القضايا التي خرج فيها بنو أمية عن المثالية الإسلامية التي وضع الرسول أساسها وسار عليها الخلفاء الراشدون كل بقدر اجتهاده حتى بلغت في خلافة على القمة التي لا يعلوها قمة من أخلاقيات الإسلام ومبادئه وقيمة لولا أن هذا النهج المثالي الذي شرعه على وبرأ فيه نفسه عن ادعاء الكمال حينما أسندت إليه الخلافة سرعان ما هوجم من معسكر البغي والعدوان من بني أمية وأعوانهم لقد تناول في كتابه الكثير من هذا الموقف المضاد الذي أحدثه الأمويون ضد الحكومة الراشدة ، وزادوا عدوانا وعصيانا على عدوانهم وعصيانهم في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسبب واضح عند نقاد التاريخ .

وهو أن بني حرب كانوا دائما في موقف مضاد لبني هاشم الذين كانت لهم الريادة والرفادة والسدانة للكعبة والبيت الحرام وكانت لهاشم جد هذا البيت رحلتا : الشتاء والصيف وهما الرحلتان المذكورتان في سورة ( قريش ) وخص الله بهما بني هاشم قبل غيرهما فلما كان الإسلام تحول التنافس إلى عداء شديد لا يطاق وسبب هذا العداء - كما هو معلوم أن الله أرسل نبيه من بني هاشم ولم سل من بني حرب جد الأمويين ولئن كانت قريش تضم الأسرتين المتنافستين في الجاهلية والمتنازعتين

- ص 159 -

في الإسلام إلا أن العنجهية القرشية في آل هاشم تختلف كل الاختلاف عن العنجهية القرشية في آل حرب فأخلاق الهاشمين أخلاق تعتمد على الإباء والنجدة والمروءة والسؤدد وازدادت في الإسلام حين بعث الله حبيبه محمدا كمالا على كمالها وارتقت أخلاقهم من مراتب النجدة والشجاعة إلى مراتب الايثار ، ونكران الذات والعمل بما جاء من آداب المؤمنين في القرآن فكان النبي ومن حوله من الهاشميين وفي مقدمتهم : الإمام علي مركز إشعاع لهذه الأخلاق الإسلامية أما آل حرب فكانوا أقرب إلى النقيض من هذه الأخلاق على الرغم من كونهم أبناء عمهم ويجمعهم في النسب من قريش عبد مناف بن قصي والد هاشم جد هؤلاء السادة وأمية جد معاوية بن أبي سفيان وقد ألمعنا السطور السابقة أن التنافس بين الأسرتين تحول إلى عداء مستحكم .

ولكن هذا العداء لم يكن آتيا من الهاشميين وكيف يصدر عنهم ؟ وهم : المتخلقون بأخلاق القرآن وفيهم سيد الأنبياء وعلي بن أبي طالب ، ابن عم النبي ، والعباس بن عبد المطلب عم النبي وإنما كان مبعث هذا التنافر والتحدي محصورا في آل حرب ( بني أمية ) ذلك أنهم رأوا أن السؤدد والدين كله في ظاهره باطنه في الهاشميين وأن هؤلاء حملوهم الإسلام حملا وقد نالوا منهم في موقعة بدر فقتلوا الكبار من آل أمية كما قتلوا أبناءهم وأعمامهم فتحول انتصار آل هاشم على آل أمية تحت راية الإسلام في موقعة بدر إلى كره عنيف وحقد دفين في قلوبهم

- ص 160 -

وتركز هذا البغض والعداء في رواسبهم النفسية ، فكان ما كان من معداة للإمام علي في الصورة المؤلفة التي بسطتها كتب التاريخ ومن هذا المنطلق العقائدي أو العقدي ولدت الفتن والملاحم بين الأسرتين القريشيتين ولقد حاول المؤلف أن يفصح عن موقف الأمويين ضد مبادئ الإسلام ، فأفاد في الكثير مما كتب .

وحق له أن يتحدث عن مساوئهم وعما عرفوا به من خيانة ، وغدر بالقيم واقتراف للكثير من الجرائم الأخلاقية كالزنا ومعاقرة الخمر وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن فضلا عن الاحتيال في الدين ونقض للعهود وكذب على الله وآل بيت نبيه ، واستحلالهم للعن الإمام علي الذي فيه يقول الرسول : من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى .

استعرض المؤلف كل هذه الثغرات الأخلاقية التي تدين بني أمية وتضعهم في موضع غير كريم من تاريخ الإسلام إلا أني كنت أحب أن يفلسفه الخلاف بين الهاشميين والأمويين وأساس هذا الخلاف الذي تفاقم خطية في العهد الأموي أن الإمام علي ومن حوله ومن بعده من الهاشميين كانوا يمثلون المعسكر المثالي في الإسلام الذي يؤمن بالمثل والمبادئ والقيم وهو المبدأ الذي يؤثر فيه المثاليون القيم الإسلامية على حظوظ الدنيا بينما كان الأمويون يمثلون المعسكر الواقعي المتطرف الذي لا يرى الأشياء إلا بالمنظار المادي وأتباع هذا المعسكر يضحون بكل شئ من أجل الدنيا ، ولا بأس عندهم من أن يبيعوا دينهم من أجل عرض زائل من الدنيا

- ص 161 -

ولا مانع في نظرهم أيضا من اصطناع الكذب والخيانة والرشوة وقتل النفسي التي حرم الله إلا بالحق ليصلوا إلى دنياهم بالطريق غير المشروع والتاريخ شاهد على هذه الآثام التي ارتكبت على حساب الدين

وهل هناك أفظع من التحايل على الإسلام حين رفع معاوية وعمرو وصحبهم المصاحف على الرماح بغيا للفتنة التي قال في شأنها الإمام علي : ( حق أريد به باطل ) ! .

وهل هناك أفظع عند الله من تقديم الدنيا على القيم والعقيدة واصطناع الحيل كما فعل معاوية وعمرو ؟ ثم ما أجرم فيه أصحاب معاوية من دس السم للإمام الحسن ، ودس السم لمالك الأشتر وقول معاوية : إن لله جنودا من العسل مما لا تقره المروءة والنخوة الإسلامية ثم ما كان بعد ذلك من أهوال لا تطيقها الجبال من قتل ابن بنت رسول الله ظلما وعدوانا ، وضرب يزيد للكعبة بالمنجنيق ، واستحلال المدينة ، إلى غير ذلك من الفظائع الأموية إلى غير ذلك مما أشار إليه المؤلف في كتابه .

أما الأحاديث التي أشار المؤلف إليها ، وما ظنه أنه من الأحاديث التي صنعها بنو أمية للدفاع عن أغراضهم المادية ، فإن الأمر في ذلك ينشطر إلى ثلاثة أقسام :

 الأول : أحاديث تتعلق بالسياسة والثناء على بني أمية ، والمبالغة في مناقب معاوية ، فإن مثل هذه الأحاديث تستحق النظر وينبغي ألا يصدق شئ منها إلا في حالتين ، الأولى صحة السند والثاني متابعته على غيره من الأحاديث وإلا كان موضع شك لا يحتمل .

 الثاني : أحاديث جاءت في الغزو عند الدنيا وطاعة الرؤساء ولو كانوا من الظلمة فإن مثل هذه الأحاديث أصح من الأولى بلا جدال لسبب واحد

- ص 162 -

وهو أن هناك أحاديث كثيرة جاءت بهذا المعنى ولعل المراد منها هو : إيثار وحدة المسلمين على انقسامهم في حالة خروج بعض الأمة على رؤسائها وينبغي أن نكون على حذر في تكذيب مثل هذه الأحاديث ، لأن الانكار بالقلب على من خرج على أحكام الشرع من خاصة الأمة وعامتهم من الأمور المأثورة في الدين ويؤيده حديث . . ( من رأى منكم منكرا ) .

 الثالث : الأحاديث المروية عن أبي هريرة هي في الحقيقة أصح من القسمين السالفين ، باعتبار أن أبا هريرة لم يكن طرفا في النزاع بين المعسكر المثالي الذي يؤثر القيم والمعسكر الواقعي الذي يؤثر الدنيا والتحايل على كسبها ، لأجل ذلك أرى أن الحذر في تكذيب ما روي عن أبي هريرة أمر واجب وهناك بعض أحاديث رواها قد يتصور بعض الناس أنها تتنافى والذوق العام كحديث الذبابة ، ومع ذلك فأنا أحكم بصدق روايتها عن النبي لأنه لا نستطيع أن نقيس الأحاديث على ذوقنا الخاص فربما كانت هناك علل علمية وأسباب كونية قد تخفى علينا اليوم ويثبت العلم صحتها في المستقبل ، وقد حدث مثل ذلك كثيرا ، وبذلك يصح الحديث ويبطل قول المتقولين هذه لفتة صغيرة لا أفرضها على المؤلف الفاضل ولكني أذكرها إتماما للفائدة وإحقاقا للموضوعية التي يتعصب لها كل باحث وبعد فإني أحمد للباحث هذا الجهد الكبير الذي أتحفنا به وأضاف فيه جديدا على ما أورده أبو عثمان الجاحظ في رسالته ، وما أشار إليه تقي الدين أحمد المقريزي في كتابه : ( النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net