متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
8 - عبدالله بن سبأ
الكتاب : نظرات في الكتب الخالدة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

 8 - عبد الله بن سبأ
----------------------------- ص 100 -----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
الطبعة الأولى 1399 هـ 1979 م القاهرة
----------------------------- ص 101 -----------------------------

مضى ثلاثة عشر قرنا من حياة التاريخ الإسلامي كان ( أنصاف العلماء ) خلالها يصدرون أحكامهم على الشيعة مشبوبة بعواطفهم وأهوائهم وكان هذا النهج السقيم سببا في إحداث هذه الفجوة الواسعة بين الفرق الإسلامية ومن ثم خسر العلم الشئ الكثير من معارف أعلام هذه الفرق كما خسر الكثير من فرائد آرائهم ، وثمار قرائحهم وكانت خسارة العلم أعظم فيما يمس الشيعة و التشيع بسبب ما رماهم به مبغضوهم من نحل وترهات ، وخرافات ، هم في الحقيقة براء منها ولو أن هؤلاء ( الأنصاف ) ترفعوا بأنفسهم عن التعصب وطبقوا - وهم يكتبون عنهم ، أو يأخذون منهم - مناهج البحث العلمي الصحيح ، وآثروا حكم العقل على حكم القلب ، وقدموا الرأي على الهوى لجاءنا علم كثير عن الشيعة ولأنتفعنا بالكثير من تراث هذا المذهب .

إن الباحث المنصف للحقائق العلمية يأخذ عن مذهب الشيعة بقدر ما يأخذ عن غيرها من المذاهب الإسلامية الأخرى وهو مضطر - إن كان منصفا - إلى دراسة فقه الشيعة حين يدرس المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة ناهيك أن الإمام جعفر الصادق المتوفى سنة 148 ه‍ - وهو رافع لواء الفقه الشيعي - كان أستاذا للإمامين السنيين : أبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150 ه‍ ، وأبي عبد الله مالك بن أنس المتوفى سنة 179 ه‍ وفي ذلك

- ص 102 -

يقول أبو حنيفة مقرا له بالأستاذية ، وفضل السبق : ( لولا السنتان لهلك لنعمان ) يقصد بهما السنتين اللتين اغترف فيها من علم جعفر بن محمد ويقول مالك بن أنس : ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ) ولقد كانت الطامة أعظم حين خرج على الناس بعض المحدثين الذين ينتحلون لا نفسهم سمعة العلم ، ويأتزرون بإزار المعرفة ، وليتهم تواضعوا ، وتنزهوا عن رفع أنفسهم فوق قدرها لما أعلنوا الثورة على الفرق الإسلامية وأفردوا الشيعة بأعظم جانب منها .
فأفسدوا فيما كتبوا مناهج البحث العملي ، وأوصدوا دونهم أبواب العلم .

وكان - للأسف الشديد - أستاذنا أحمد أمين واحدا من هؤلاء النفر الذين حجبوا عن أنفسهم نور المعرفة في ركن عظيم من أركان الحضارة الإسلامية ذلك الركن الذي سبق فيه الشيعة غيرهم من بناة الحضارة الإسلامية ، والتراث الإسلامي ، فكان هذا المسلك هنة سجلها التاريخ الإسلامي كما سجلها على غيره ممن حذا حذوه من أساتذة الجامعات الذين آثروا التعصب الأعمى على حرية الرأي ، وجمدوا بآرائهم عند مذهب بعينه .

وليس ذلك بالطريق السوي الذي يسلكه المحققون من الباحثين ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغم عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة ( عبد الله بن سبأ ) فيما لفقوه من قصص أشرت إلى بعضها في مؤلفاتي ( 1 ) - وزعموا أن كل خرافة أو أسطورة .

 

 1 - أنظر مقدمة كتاب الدكتور حامد حفني داود ( مع أحمد أمين )

 
 

- ص 103 -

أو أكذوبة جاءت من فجر التاريخ الإسلامي كانت من نسج لخيال علماء الشيعة واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم وها هو البحاثة الجليل ( مرتضى العسكري ) ( يسجل لنا في كتابه ) عبد الله ابن سبأ إن هذه الشخصية لم تخرج عن كونها شخصية خرافية ، وإن ما أورده المؤرخون عنه من حكايات في ترويج التشيع لم يكون أكثر من أكذوبة سجلها الرواة حول هذه الشخصية الوهمية ليحملوا على الشيعة ما شاء لهم أن يحملوا ، وليغمزوا ما شاء لهم أن يغمزوا .

لقد جمع هذا البحاثة المقارن تحقيقاته العلمية ، وأبحاثه الشيقة من متفرقات الكتب ومنشورات الآثار ، وبطون المصادر ، وصال وجال في كل ميدان من ميادين التاريخ الإسلامي حتى وصل إلى هذه الحقيقة ناصعة جلية ، وقد حاول الأستاذ المحقق في كل مبحث من مباحثه التي جاء بها في هذا الكتاب أن يقيم الحجة الدامغة على أعداء الشيعة وخصومهم حين استشهدوا على آرائه العلمية بنصوص ثابتة من أقوال الخصوم أنفسهم ، فأقام الحجة عليهم من أقرب طريق والمطلع في هذا الكتاب يستطيع أن يقف في سهولة ويسر على التحقيقات العلمية التي أجراها المؤلف في أحاديث ( سيف بن عمر ) التي كانت تشغل أدمغة المؤرخين منذ ظهر التاريخ الإسلامي المدون إلى وقت قريب منا ، قيض الله للتاريخ فيه جهابذة محققين لا يخشون في الله وفي الحق لومة لائم كان الأستاذ المؤلف في الطليعة منهم ، حين استطاع أن يحمل الباحثين على إعادة النظر فيما جاء به أبو جعفر الطبري في كتابه ( تاريخ الأمم والملوك ) وأن يحملهم على النقد التاريخي لكل ما جاء في هذا الكتاب وغيره من أمهات

- ص 104 -

كتب التاريخ بعد أن كان هؤلاء ينظرون إلى الأحداث التاريخية نظرتهم إلى المقدسات التي لا تقبل التغيير والتبديل .

وقد اسطاع المؤلف بفضل القرائن التاريخية أن يكشف اللثام عن كثير من الأحداث التاريخية وأن يوضح للباحثين الحقائق من أقرب طريق ، وإن كان المؤلف قد جاء ببعض هذه الحقائق في صورة مذهلة مدهشة لمخالفتها ما اعتاده الناس وتوارثوه في معتقداتهم ولكن الحق أحق أن يتبع ولكي تقف بنفسك على صدق هذا القول ما عليك إلا أن تقرأ هذه الأحداث التاريخية التي أوردها المؤلف في كتابه واختلفت فيها الروايات مثل ( بعثة أسامة ) و ( وفاة الرسول عليه السلام ) و ( حديث السقيفة ) . . . وغيرها ، وأحب أن أذيل هذا التعليق بثلاثة أسلة : الأول : هل يخطئ الصحابي الجليل ؟ الثاني : هل يجوز نقد الصحابي الجليل ؟ الثالث : هل يجوز تكفير الصحابي الجليل ؟ أو اتهامه بالنفاق .

أما إجابتنا على السؤالين الأول والثاني فنعم وأما الثالث فلا وليست ( لا ) هذه من باب الوزع الذي لا يقوم على أساس من العلم ، وأنما لعلة يقبلها العقل ، ويرتضيها المنطق . وذلك لأن الكفر الخفي ، أو النفاق من باب ( أفعال القلوب ) التي لا يعلمها إلا الله لذلك نمسك عنه القلم لأننا لا نستطيع إدخاله تحت ( التجربة ) لخفاء أمره علينا وهو من اختصاصات علام الغيوب سبحانه ، ذلك ما يقره ( المنهج العلمي الحديث ) الذي وضعنا أسسه ، واتبعنا ناموسه في سائر مؤلفاتنا .

- ص 105 -

استطاع المؤلف أن يصل إليها بفضل إفادته من مقارنة النصوص ومعرفة سقيمها من صحيحها في هذه الأبحاث الثلاثة ، وقس على ذلك ما جاء في سائر أبحاثه خلال هذا السفر الجليل ، الذي سيغير الكثير من وجهة التاريخ الإسلامي .

وأخيرا يسرني - باسم العلم - أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل وبصاحبه العلامة المحقق السيد / مرتضى العسكري كما يسرني بهذه المناسبة أن أنوه عن الجهد العظيم الذي بذله السيد / مرتضى الرضوي الذي أعان القراء والباحثين على إخراج هذا السفر إلى حيز الوجود في هذه الصورة الجميلة من الطباعة الدقيقة ، وهو بنشره هذا البحث القيم قدم للعالم الإسلامي خدمة عظيمة سيكون لها أكبر الأثر في تقديم الحقائق التاريخية في الإسلام .

القاهرة في أول جمادى الأول 1381 هـ 12 أكتوبر 1961 م


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net