متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحقوق الزوجية
الكتاب : علم الأخلاق    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الحقوق الزوجية

فضل الزواج

الزواج: هو الرابطة الشرعية المقدسة، وشركة الحياة بين الزوجين. شرعّه اللّه عز وجل لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها.

وقد رغبت فيه الشريعة الاسلامية وحرّضت عليه كتاباً وسنةً:

قال تعالى: «وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله، واللّه واسع عليم» (النور: 32).

وقال سبحانه: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً، لتسكنوا اليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (الروم:21).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ما بني بناء في الاسلام أحب الى اللّه من التزويج»(1).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق اللّه في النصف الآخر»(2).

وقال صلى اللّه عليه وآله: «النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي، فليس مني»(3).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

(2) الوافي ج 12 ص 11، عن الكافي.

(3) البحار م 23 ص 51، عن مكارم الأخلاق للطبرسي.

{ 367 }

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «تزوجوا فاني مكاثر بكم الأمم غداً يوم القيامة، حتى أنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنة، فيقال له أدخل، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي»(1).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب»(2).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «لركعتان يصليهما متزوج، أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره»(3).

وقال صلى اللّه عليه وآله: « رذاّل موتاكم العزاب»(4).

1 - فوائد الزواج:

ولا عجب أن تؤكد هذه النصوص على الزواج تأكيدها الملحّ، وتحرض عليه بالترغيب تارة والترهيب أخرى، لما ينطوي عليه من صنوف الخصائص والمنافع:

1 - فمن خصائصه: أنه الوسيلة الوحيدة لكسب الذرية الطيبة،

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه، (المحبنطئ: المغتاظ).

(2) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه والكافي.

(3) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

(4) الوافي ج 12 ص 11، عن الفقيه.

{ 368 }

والأبناء الصلحاء، وهم زينة الحياة الدنيا، وأعز ذخائرها، وألذ متعها وأشواقها، بهم يستشعر الآباء العزة والمتعة، وامتداد الحياة، وطيب الذكر، وحسن المكافأة، وجزيل الأجر عند اللّه عز وجل، كما أوضحته النصوص السالفة في فضل الولد الصالح.

2 - ومن منافع الزواج:

انه باعث على عفة المتزوج وحصانته ضدّ الفجور والآثام الجنسية، وهذا ما عناه النبي صلى اللّه عليه وآله بقوله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق الّله في النصف الآخر».

من أجل ذلك كان عقاب الزاني المحصن رجماً بالحجارة حتى الموت، لتحصّنه بالزواج، واستهتاره بقدسية الأعراض وكرامتها المصونة.

3 - ومن آثار الزواج:

أنه من دواعي رغد العيش، وسكينة النفس، وراحة الضمير والوجدان. ذلك أن الرجل كثيراً ما يعاني أزمات الحياة، ومتاعب الكفاح في سبيل العيش، فيجد في ظلاله زوجته الحبيبة المخلصة من حسن الرعاية ولطف المؤانسة، ورقة الحنان، ما يخفف عناءه ويسري عنه الكثير من المتاعب والهموم، «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها،

{ 369 }

وجعل بينكم مودة ورحمة».

وعن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه اذا نظر اليها، وتطيعه اذا أمرها، وتحفظه اذا غاب عنها في نفسها وماله»(1).

السعادة الزوجية:

ومن الثابت أن العسادة الزوجية لا تتحقق، ولا ينال الزوجان ما يصبوان اليه من رغد وهناء، الا اذا أحسن كل منهما اختيار صاحبه، وشريك حياته، واصطفاه على ضوء القيم الأصيلة والمقاييس الثابتة، التي من شأنها أن توثق الروابط الزوجية، وتنشر السعادة والسلام في ربوع الحياة الزوجية. كما أن سوء الاختيار كثيراً ما يعرضها للفشل والاخفاق.

وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الجانب الموضوعي من حياة الناس، فأوضحوا محاسن ومساوئ كلٍّ من الرجل والمرأة، ليكون كل منهما على بصيرة من اختيار زوجه وشريك حياته.

الزوج المثالي:

والزوج المثالي: هو الرجل الكفوء الذي تسعد المرأة في ظلاله،

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 16، عن الكافي والفقيه.

{ 370 }

وتنعم بحياة زوجية هانئة.

فليست الكفاءة كما يتوهمها غالب الناس - منوطة بالزخارف المادية فحسب، كالقصر الفخم، أو السيارة الفارهة، أو الرصيد المالي الضخم.

وليست هي كذلك منوطة بالشهادة العالية، او الوظيفة المرموقة، أو الحسب الرفيع.

وفقد تتوفر هذه الخلال في الرجل، وهي رغم ذلك لا تحقق سعادة الزوجة وأمانيها في الحياة، كما أعربت عن ذلك زوجة معاوية، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء، وحنّت الى فتى أحلامها، وان كان خلواً من كل ذلك:

لبيت تخفق الأرواح فيه*** أحبّ اليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقر عيني*** أحبّ إليّ من لبس الشفوف

وخرق من بني عمي نجيب*** أحب إلي من علج عنيف

فالكفاءة الحقة، هي مزيج من عناصر ثلاث: التمسك بالدين، والتحلي بحسن الخلق، والقدرة على اعالة الزوجة ورعايتها مادياً وأدبياً. وبذلك يغدو الرجل كفئاً وزوجاً مثالياً في عرف الاسلام.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه، فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار»(2).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 17، عن الكافي.

(2) الوافي ج 12 ص 18 عن الكافي والفقيه والتهذيب.

{ 371 }

لذلك كان مكروهاً في الشريعة الاسلامية تزويج الفاسق، وشارب الخمر، والمخنث، وسيئ الخلق. ونحوهم ممن لا يوثق بدينه وأخلاقه.

الزوجة المثالية:

والزوجة المثالية: هي المتحلية بالايمان، والعفاف، وكرم الأصل، وجمال الخَلق والخُلق، وحسن العشرة مع زوجها.

وقد صورت نصوص أهل البيت عليهم السلام خصائص النساء، وصفاتهن الكريمة والذميمة، لتكون علامة فارقة بين الزوجة المثالية وغيرها.

عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: «ان خير نسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، واذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذل الرجل».

ثم قال: «ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع من قبيح، المتبرجة اذا غاب عنها بعلها، الحصان معه اذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، واذا خلا بها بعلها تمنعت منه، كما تمنع الصعبة من ركوبها، ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً»(1).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 14، عن الكافي والتهذيب.

{ 372 }

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً»(1).

وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من تزوج امرأة لا يتزوجها الا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها الا له وكله اللّه اليه، فعليكن بذات الدين»(2).

وقام النبي صلى اللّه عليه وآله خطيباً فقال: أيها الناس، إياكم وخضراء الدمن. قيل يا رسول اللّه: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء(3).

وقد نهى الحديث عن تزوّج المرأة الوضيئة الحسناء اذا كانت من أسرة مغموزة في عفتها ونجابتها.

رعاية الحقوق:

والزوجان بعد هذا لا يكسبان السعادة الزوجية والهناء العائلي، الا برعاية كل منهما حقوق الآخر واداء واجباته، جرياً على قانون الأخذ والعطاء. وبذلك ينعمان بحياة سعيدة، آمنة من مثيرات النكد والتنغيص.

وقد أولت الشريعة الاسلامية الحياة الزوجية عناية بالغةً، بصفتها

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 15، عن الكافي والفقيه.

(2) الوافي ج 12 ص 13، عن التهذيب.

(3) الوافي ج 12 ص 12، عن الكافي والفقيه.

{ 373 }

الخلية الأولى من خلايا المجتمع الكبير، ورعتها بالتنظيم والتوجيه، وقررت الحقوق المشتركة بين الزوجين، والحقوق الخاصة بكل منهما على انفراد.

فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين، هي: الاخلاص، الثقة، الأمانة، التعاطف، والتآزر. وهذه هي عناصر الحياة الزوجية الناجحة، ومقوماتها الأصيلة.

وأما الحقوق الخاصة فسنعرضها في مطاوي هذا البحث:

 

حقوق الزوج

للزوج حقوق على زوجه بحكم رعايته لها وقوامته عليها، وهي:

1 - الطاعة:

وهي أول متطلبات الزوج وحقوقه المفروضة على زوجه. فهي مسؤولة عن طاعته وتلبية رغباته المشروعة، ومفاداة كل ما يسيئه ويغيظه، كالخروج من الدار بغير رضاه، والتبذير في ماله، وإهمال وظائفها المنزلية، ونحو ذلك مما يعرض الحياة الزوجية لأخطار التباغض والفرقة.

فعن أبي جعفر عليه السلام قال: جاءت امرأة الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقالت: يا رسول اللّه، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولاتعصيه، ولا تصدق من بيته الا باذنه، ولا تصوم طوعاً

{ 374 }

الا باذنه، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها الا باذنه، وإن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الارض، وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها.

فقالت: يا رسول اللّه من أعظم الناس حقاً على الرجل؟

قال: والده.

قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة؟

قال: زوجها...»(1).

وعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: إن رجلاً من الأنصار على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، خرج في بعض حوائجه. فعهد الى امرأته عهداً ان لاتخرج من بيتها حتى يقدم.

قال: وان أباها مرض، فبعثت المرأة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت: ان زوجي خرج وعهد اليّ أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم، وان ابي قد مرض، فتأمرني ان أعوده؟

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: لا، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فثقل، فأرسلت اليه ثانياً بذلك، فقالت: فتأمرني أن أعوده؟

فقال: اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فمات ابوها، فبعثت اليه إن أبي قد مات، فتأمرني أن أصلي عليه؟

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 114، عن الكافي والفقيه.

{ 375 }

فقال: لا، اجلسي في بيتك واطيعي زوجك.

قال: فدفن الرجل، فبعث اليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ان اللّه تعالى قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك(1).

وقال ابو عبد اللّه عليه السلام: أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق، لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها(2).

2 - المداراة:

وعلى الزوجة ان تحيط زوجها بحسن العشرة، وجميل الرعاية، ولطف المداراة، وذلك بتفقد شؤونه، وتوفير وسائل راحته النفسية والجسمية، وحسن التدبير المنزلي، ورعاية عياله، ليستشعر منها العطف والولاء، وتغدو الزوجة بذلك حظية عند زوجها، أثيرة لديه، يبادلها الحب والاخلاص. وتكون الى ذلك قدوة حسنة لأبنائها، يستلهمون منها كريم الأخلاق وحسن الأدب.

ومن اهم صور المداراة ان تتفادى المرأة جهدها، عن ارهاق زوجها بالتكاليف الباهضة، والمآرب التي تنوء بها امكاناته الاقتصادية، فذلك مما يسبب إرباكه واغتمامه، ومن ثم يستثير سخطه ونفاره من زوجته.

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 115، عن الكافي.

(2) الوافي ج 12 ص 114، عن الكافي والفقيه.

{ 376 }

فعن ابي ابراهيم عليه السلام قال: «جهاد المرأة حسن التبعل»(1).

ولا ريب ان حسن تبعل الزوجة وكرم أخلاقها، يشدّ ازر الزوج، ويرفع معنوياته، ويمده بطاقات جسمية ونفسية ضخمة، تضاعف من قدرته على مواصلة الكفاح والجهاد في سبيل العيش، ويزيده قوة وصلابة على معاناة الشدائد والازمات، كما أن شراستها وتمردها يوهن كيانه، ويضعف طاقته، ويهرمه قبل أوان الهرم، وفي التاريخ دلائل وشواهد على ذلك.

منها: قصة الاخوة الثلاثة من بني غنّام، حينما جاءهم نفر يحكّمونهم في مشكلة أعياهم حلّها، فانتهوا الى واحد منهم، فرأوا شيخاً كبيراً، فقال لهم: ادخلوا الي أخي «فلان» فهو أكبر مني، فاسألوه.

فدخلوا عليه، فخرج شيخ كهل، فقال سلوا أخي الأكبر مني.

فدخلوا على الثالث، فاذا هو في المنظر أصغر. فسألوه أولاً عن حالهم، ثم أوضح مبيناً لهم، فقال:

أما أخي الذي رأيتموه أولاً، هو الأصغر، فان له امرأة سوء تسوؤه وقد صبر عليها مخافة ان يبتلى ببلاء لا صبر له عليه، فهرمته.

وأما أخي الثاني فان عنده زوجة تسوؤه وتسره، فهو متماسك الشباب.

وأما أنا، فزوجتي تسرني، ولا تسوؤني، لم يلزمني منها مكروه قط منذ صحبتني. فشبابي معها متماسك(2).

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 114، عن الكافي.

(2) عن سفينة البحار ج 1 ص 133 بتصرف واختصار.

{ 377 }

وهذه وصية بليغة لأعرابية حكيمة، توصي بها ابنتها ليلة البناء بها: «أي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، الى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه. فكوني له أمةً يكن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً:

أما الأولى والثانية: فاصحبيه بالقناعة، وعاشريه بحسن السمع والطاعة.

وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك الا أطيب ريح.

وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فان تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والارعاء على حشمه وعياله. وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سرّا. فانك ان خالفتيه أغرت صدره، وان أفشيت سرّه لم تأمين غدره.

ثم إياك والفرح بين يديه اذا كان مهتماً، والكآبة بين يديه اذا كان فرحاً، فانّ الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.

وكوني له أشدّ الناس له إعظاماً يكن أشدهم لك اكراماً. واعلمي أنك لا تصلين الى ما تحبّين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما احببت وكرهت. واللّه يخير لك»(1).

_____________________

(1) مختارات المنفلوطي ص 240.

{ 378 }

3 - الصيانة:

وأهم واجبات الزوجة، صيانة شرف زوجها وسمعته، فتنفادى جهدها عمّا يسيئهما ويخدشهما، كالخلاعة والميوعة، وافشاء أسرار الزوج، وكشف ما يحرص على اخفائه من صور الفاقة والعوز، فذلك مما يضعف ثقة الزوج بها ويهددها بالنفرة والفرقة.

 

 

حقوق الزوجة

وهكذا أولت الشريعة الاسلامية الزوجة عناية كبرى ومنحتها حقوقها المادية والأدبية، ازاء حقوق الزوج عليها. مشرعة ذلك على أساس الحكمة والعدل، ورعاية مصلحة الزوجين وخيرهما معاً، وهي امور:

1 - النفقة:

وهي حق محتم على الزوج، يجب أداؤه اليها، وتوفير حاجاتها المعاشية، من الملبس والمطعم والمسكن، ونحو ذلك من مستلزمات الحياة حسب شأنها وعادتها.

والنفقة حق معلوم للزوجة، تتقاضاه من زوجها، وان كانت ثرية موسرة، لا يسقط الا بنشوزها وتمرّدها على الزوج. وليس له قسرها على الخدمات المنزلية، أو إرضاع طفله، الا ان تتطوع بذلك عن رغبة وإيثار.

{ 380 }

التوسعة على العيال:

وقد يسترق البخل بعض النفوس فتنزع الى الشح والتقتير على العيال، متغاضية عن أشواقهم ومآربهم. ومن هنا جاءت أحاديث أهل البيت عليهم السلام محذرة من ذلك الامساك، ومرغّبة في البر بهم، والتوسعة عليهم.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»(1).

وقال صلى اللّه عليه وآله: «عيال الرجل اسراؤه، وأحب العباد الى اللّه تعالى أحسنهم صنيعاً الى اسرائه»(2).

وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: «عيال الرجل اسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه نعمة فليوسع على اسرائه، فان لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة»(3).

وهكذا أثبتت أحاديثهم عليهم السلام وباركت جهود الكادحين، في طلب الرزق الحلال، لتموين أزواجهم وعوائلهم، وتوفير وسائل العيش لهم.

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 117، عن الفققيه.

(2) الوافي ج 12 ص 117، عن الفقيه.

(3) الوافي ج 12 ص 117، عن الفقيه.

{ 381 }

فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه«(1).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «من طلب الرزق في الدنيا، استعفافاً عن الناس، وسعياً على أهله، وتعطفاً على جاره لقي اللّه عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر»(2).

2 - حسن العشرة:

والزوجة أنيسة الرجل، و شريكة حياته، تشاطره السراء والضراء، وتواسيه في الأفراح والأحزان. وتنفرد بجهود شاقة مضنية من تدبير المنزل، ورعاية الأسرة، ووظائف الأمومة. فعلى الرجل ان يحسن عشرتها، ويسوسها بالرفق والمداراة، تلطيفاً لمشاعرها، ومكافأة لها على جهودها. وذلك مما يسليها، ويخفف متاعبها، ويضاعف حبّها وإخلاصها لزوجها.

وقد يستبد الصلف والغرور ببعض الأزواج، فيحسبون ان قوة الشخصية وسمات الرجولة لا تبرز فيهم الا بالتحكم بالزوجة، والتجهم لها، والتطاول عليها بالاهانة والتحقير. وتلك خلال مقيتة، تنم عن شخصية هزيلة معقّدة، تعكر صفو الحياة الزوجية، وتنغص الهناء العائلي.

والمرأة بحكم عواطفها ووظائفها، مرهفة الاحساس، سريعة التأثر،

_____________________

(1) الوافي ج 10 ص 18، عن الكافي والفقيه.

(2) الوافي ج 10 ص 18، عن الكافي والتهذيب.

{ 382 }

قد تسيء الى زوجها بكلمة نابية، او تقريع جارح، صادرين عن ثورة نفسية، وهياج عاطفي. فعلى الرجل أن يضبط أعصابه، ويقابل اساءتها بحسن التسامح والاغضاء، لتسير سفينة الأسرة آمنة مطمئنة، في محيط الحياة، لا تزعزعها عواصف النفرة والخلاف.

فعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «انما مثل المرأة مثل الضلع المعوج، ان تركته انتفعت به، وان أقمته كسرته»(1).

فاذا تمادت المرأة في عصيان زوجها وتمردها عليه، فعليه ان يتدرج في علاجها وتأديبها، بالنصح والارشاد، فان لم يجدها ذلك أعرض عنها، واعتزال مضاجعتها، فان لم يجدها ذلك ضربها ضرباً تأديبياً، مبرءاً من القسوة، والتشقي الحاقد «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن. فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا».

3 - الحماية:

والزوج بحكم قوامته على الزوجة، ورعايته لها، مسؤول عن حمايتها وصيانتها عمّا يسيئها ويضرها أدبياً ومادّياً، وعليه ان يكون غيوراً عليها، صائنا لها مما يشوه سمعتها، ويثلب كرامتها من التخلع والاختلاط المريب، ومعاشرة المريبات من النساء.

_____________________

(1) الوافي ج 12 ص 120، عن الكافي.

{ 383 }

وما أسوأ الذين يزجون أزواجهم في الندوات الخليطة، والحفلات الداعرة، يخالطن ويراقصن من شئن من الرجال، متعامين عن أضرار ذلك الاختلاط، وأخطاره الدينية والأخلاقية والاجتماعية، التي تهدد كيان الأسرة، وتنذرها بالتبعثر والانحلال.

وعلى المرء ان يحمي زوجه وأسرته من دسائس الغزو الفكري، ودعاياته المضللة، التي انخدع بها أغرار المسلمين، نساءاً ورجالاً، وتلقفوها تلقف الببغاء، دونما وعي وتمحيص في واقعها وأهدافها. وذلك بتعليمهم أصول الدين الاسلامي ومفاهيمه حسب مستواهم الثقافي والفكري، تحصيناً لهم من تلك الدسائس والشرور.

«يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم ناراً، وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون اللّه ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون»

(التحريم:6)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net