الفرق بين الشيعة الإمامية والمعتزلة
إن المتأمل في مجمل عقائد هاتين الفرقتين يمكنه أن يتبين بوضوح جوانب الاتفاق والاختلاف فيما بينهما ، وهو ما سنحاول أن نشير إليه اختصارا في نقاط محددة واضحة ، وإذا كان البعض قد اعتقد جهلا بأن الشيعة قد أخذت عقائدها عن المعتزلة فإنه يرد بأكثر من دليل ، نحن في غنى عن إيرادها الآن ، إلا أنه لا ينفى أن بين هاتين الطائفتين أصول مشتركة نذكرها في حينها ، وهو ما قد يتفق مع غير
ذلك من فرق المسلمين المختلفة : 1 - الشفاعة : أجمع المسلمون كافة على ثبوت أصل الشفاعة وأنها تقبل من الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أنهم اختلفوا في تعيين المشفع ، فقالت الإمامية والأشاعرة : إن النبي يشفع لأهل الكبائر بإسقاط العقاب عنهم أو بإخراجهم من النار ، وقالت المعتزلة : لا يشفع إلا للمطيعين ، المستحقين للثواب ، وتكون نتيجة الشفاعة ترفيع الدرجة .
2 - مرتكب الكبيرة : هو عند الإمامية والأشاعرة مؤمن فاسق ، وقالت المعتزلة : بل منزلته بين المنزلتين ، أي بين الكفر والإيمان .
3 - الجنة والنار : قالت الإمامية والأشاعرة : إنهما مخلوقتان الآن بدلالة الشرع على ذلك ، وأكثر المعتزلة يذهب إلى أنهما غير موجودتين .
4 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : اتفق المسلمون على وجوبهما ، فقالت الإمامية والأشاعرة : يجبان سمعا ، ولولا النص لم يكن دليل على الوجوب ، خلافا للمعتزلة الذين قالوا : بوجوبهما عقلا .
5 - الإحباط : اتفقت الإمامية والأشاعرة على بطلان الإحباط ، وقالوا : لكل عمل حسابه الخاص ، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ولا المعاصي بالطاعات ، والإحباط يختص بذنوب خاصة كالشرك وما يتلوه ، بخلاف المعتزلة حيث قالوا : إن المعصية المتأخرة تسقط الثواب المتقدم ، فمن عبد الله طول عمره ثم كذب فهو كمن لم يعبد الله أبدا .
6 - الشرع والعقل : تشددت المعتزلة في تمسكهم بالعقل ، وتشدد أهل الظاهر في تمسكهم بظاهر النص ، وخالفهما الإمامية والأشاعرة ، فأعطوا للعقل سهما فيما له مجال القضاء ، نعم أعطت الإمامية للعقل مجالا أوسع مما أعطته الأشاعرة . وسيوافيك تفصيله عند ذكر اختلاف الإمامية مع الأشاعرة .
7 - اتفقت الإمامية والأشاعرة على أن قبول التوبة بفضل من الله ولا يجب عقلا إسقاطها للعقاب ، وقالت المعتزلة : إن التوبة مسقطة للعقاب على وجه الوجوب .
8 - اتفقت الإمامية على أن الأنبياء أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك .
9 - اتفقت الإمامية على أن الإنسان غير مسير ولا مفوض إليه ، بل هو في ذلك المجال بين أمرين ، بين الجبر والتفويض ، وأجمعت المعتزلة على التفويض .
10 - اتفقت الإمامية والأشاعرة على أنه لا بد في أول التكليف وابتدائه من رسول ، وخالفت المعتزلة وزعموا أن العقول تعمل بمجردها عن السمع .
هذه هي الأصول التي خالفت الإمامية فيها المعتزلة ووافقت فيها الأشاعرة ، وهناك أصول أخرى تجد فيها موافقة الإمامية للمعتزلة ومخالفتها للأشاعرة ، وإليك بعضها : الفرق بين الشيعة الإمامية والأشاعرة هناك أصول خالفت الإمامية فيها الأشاعرة ، مخالفة بالدليل والبرهان وتبعا لأئمتهم ، ونذكر المهم منها : 1 - اتحاد الصفات الذاتية مع الذات : إن لله سبحانه صفات ذاتية كالعلم والقدرة ، فهي عند الأشاعرة صفات قديمة مغايرة للذات زائدة عليها ، وهي عند الإمامية والمعتزلة متحدة مع الذات .
2 - الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنة ، كالوجه والأيدي والاستواء وأمثالها ، فالشيعة الإمامية يؤولونها تأويلا مقبولا لا تأويلا مرفوضا ، أي أنها
تأخذ بالمفهوم التصديقي للجملة لا بالمفهوم التصوري للمفردات ، فيقولون : إن معنى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } ( 1 ) معناه : أنه برئ من البخل ، بل هو باذل وسخي ، وقادر على البذل . وأما الأشاعرة فهم يفسرونها بالمفهوم التصوري ويقولون : إن لله سبحانه يدين ، إلا أنهم يتهربون عن التجسيم والتشبيه بقولهم : بلا كيف .
3 - أفعال العباد عند الإمامية صادرة من نفس العباد ، صدورا حقيقيا بلا مجاز أو توسع ، فالإنسان هو الضارب ، هو الآكل ، هو القاتل ، هو المصلي ، هو القارئ وهكذا ، وقد قلنا : إن استعمال كلمة " الخلق " في أفعال الإنسان استعمال غير صحيح ، فلا يقال : خلقت الأكل والضرب والصوم والصلاة ، وإنما يقال : فعلتها ، فالصحيح أن يقال : إن الإنسان هو الفاعل لأفعاله بقدرة مكتسبة من الله ، وإن قدرته المكتسبة هي المؤثرة بإذن من الله سبحانه . وأما الأشاعرة فذهبوا إلى أن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه ، فليس للإنسان فيها صنع ولا دور ، وليس لقدرته أي تأثير في تحقق الفعل ، وأقصى ما عندهم أن إرادة الإنسان للعقل تقارن إيجاد الله سبحانه فعله في عالم التكوين والوجود . إلا أنهم وتحاشيا من الذهاب إلى الجبر في تلك الأفعال وبالتالي إقصاء الإنسان عن أفعاله ، ومن ثم براءته من مسؤوليتها عمدوا إلى ابتداع نظرية الكسب المعقدة فقالوا : إن الله هو الخالق والإنسان هو الكاسب ، إلا أنها نظرية غريبة غير مفهومة ، ومليئة بالألغاز التي عجز عن فهمها وإيضاحها حتى مبتدعوها أنفسهم .
4 - إن الاستطاعة في الإنسان على فعل من الأفعال تقارنه تارة ، وتتقدم عليه أخرى ، فلو أريد من القدرة العلة التامة فهي مقارنة ، ولو أريد العلة الناقصة فهي
|
( 1 ) المائدة : 64 . ( * ) |
| |
متقدمة ، خلافا للأشاعرة فقد قالوا بالتقارن مطلقا .
5 - رؤية الله بالأبصار في الآخرة : فهي مستحيلة عند الإمامية والمعتزلة ، ممكنة عند الأشاعرة .
6 - كلامه سبحانه عند الإمامية هو فعله ، فهو حادث لا قديم ، وهذا خلافا للأشاعرة : فكلامه عبارة عن الكلام النفسي القائم بذاته ، فهو قديم كقدم الذات .
7 - التحسين والتقبيح العقليان : ذهبت الإمامية إلى أن العقل يدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها ، بمعنى أن نفس الفعل من أي فاعل صدر ، سواء أكان الفاعل قديما أو حادثا ، واجبا أو ممكنا ، يتصف بأحدهما ، فيرى مقابلة الإحسان بالإحسان أمرا حسنا ، ومقابلته بالإساءة أمرا قبيحا ، ويتلقاه حكما مطلقا سائدا على مر الحقب ، والأزمان ، لا يغيره شئ ، وهذا خلافا للأشاعرة ، فقد عزلوا العقل عن إدراك الحسن والقبيح ، وبذلك خالفوا الإمامية والمعتزلة في الفروع المترتبة عليه . هذه هي الأصول التي تخالف فيها الإمامية الأشاعرة ، وربما توافقهم المعتزلة في جميعها أو أكثرها ، كل ذلك يثبت أن للشيعة الإمامية منهجا كلاميا خاصا نابعا من الكتاب والسنة ، وكلمات العترة الطاهرة والعقل فيما له مجال القضاء ، وليست الشيعة متطفلة في منهجها الكلامي على أية من الطائفتين .
وأنت إذا وقفت على الكتب الكلامية المؤلفة في العصور المتقدمة من عصر فضل بن شاذان ( ت 260 ه ) إلى عصر شيخنا الطوسي ( 385 - 460 ه ) ومن بعده بقليل ، تجد منهجا كلاميا مبرهنا متزنا واضحا لا تعقيد فيه ولا غموض ، وعلى تلك الأصول وذلك المنهج درج علماؤهم المتأخرون في الأجيال التالية ، فألف الشيخ الحلبي ( 374 - 447 ه ) " تقريب المعارف " والشيخ سديد الدين الحمصي ( ت 600 ه ) كتابه " المنقذ من
التقليد " ، وتوالى بعدهم التأليف على يد الفيلسوف الكبير نصير الدين الطوسي ( 597 - 672 ه ) وابن ميثم البحراني ( ت 589 ه ) في " تقريب المعارف " ، وتلميذه العلامة الحلي ( 648 - 726 ه ) في جملة من المؤلفات القيمة .
وهكذا . . . فإن كل ذلك يكشف عن أن الأئمة طرحوا أصول العقائد ، وغذوا أصحابهم وتلاميذهم بمعارف سامية ، اعتبر الحجر الأساس للمنهج الكلامي الشيعي ، وتكامل المنهج من خلال الجدل الكلامي والنقاش العلمي في الظروف المتأخرة فوصل إلى الذروة والقمة .
فالناظر في الكتب الكلامية للسيد الشريف المرتضى ك " الشافي " ( 1 ) و " الذخيرة " ( 2 ) يجد منبعا غنيا بالبحوث الكلامية ، كما أن الناظر في كتب العلامة الحلي المختلفة ك " كشف المراد " ( 3 ) و " نهاية المرام " ( 4 ) وغيرهما يقف على أفكار سامية أنضجها البحث والنقاش عبر القرون ، فبلغت غايتها القصوى .
وقد توالى التأليف في عقائد الشيعة وأصولهم من العصور الأولى إلى يومنا هذا ، بشكل واسع لا يحصيه إلا محصي قطرات المطر وحبات الرمال .
هذا وإن الشيعة وإن خالفوا في هذه الأصول طائفة من الطوائف الإسلامية ووافقوا طوائف أخرى ، ولكن هناك أصول اتفق الجميع فيها دون استثناء ، وهو ظاهر لمن قرأ ما أثبتناه من الرسائل والكتيبات . أفما آن للمسلمين أن يتحدوا في ظل هذه الأصول المؤلفة لقلوبهم ، ويستظلوا بظلالها ، ويتمسكوا بالعروة الوثقى ، ويكون شعارهم : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
|
( 1 ) المطبوع في بيروت في أربعة أجزاء . ( 2 ) المطبوع في إيران في جزأين . ( 3 ) الكتاب الدراسي في الجامعات الشيعية . ( 4 ) حققته مؤخرا مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ونشر في ثلاثة مجلدات . ( * ) |
| |
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } ولا يصغوا إلى النعرات المفرقة ، المفترية على الشيعة وأئمتهم ، وليكن شعارنا في التأليف : التحقيق والتأكد من عقائد الآخرين ، ثم التدوين .
|