متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
9 ـ آية المباهلة
الكتاب : الإمامة والولاية فى القرآن الكريم    |    القسم : مكتبة عقائد الشيعة

9 ـ آية المباهلة

 

{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[1]

المحاجّة: هي تبادل الحجة، وهي ما يقصد به إثبات المدّعى، سواء كان دليلاً حقاً أو مغالطة باطلة.

أما الابتهال: فهو الإسترسال في الدعاء والتضرّع. وقيل:هي كلمة مأخوذة من البهلة أي اللعنة.

ويسبق هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ..}[2] الذي يحتجّ به القرآن على النصارى الذين جعلوا ولادة المسيح عليه السلام من غير أب دليلاً على كونه ابن الله، فردّ الله عليهم بأن مَثَله كمثل آدم عليه السلام إذ خلقه من غير أب وأم، ولم يكن هذا دليلاً على بنوّته لله تعالى أو ألوهيته، وكذلك الأمر في عيسى بن مريم(ع).

وهذه الحجة بقطع النظر عن كونها وحياً إلهياً هي حجة عقلية لا تقبل المعارضة, إلا أنّ النصارى كانوا يجادلون ويبالغون في الجدال، ويصرّون على الضلال، فلم يكن ثمة سبيل إلا بإرجاع الأمر إلى الله تعالى حتى يحكم بالحق وهو خير الحاكمين. ومن هنا فقد أمر الله تعالى رسوله أن يعرض عليهم مسألة الابتهال إلى الله كي يجعل لعنته على الكاذبين، ويعلن صدق الصادقين.

وقد كان هذا التحدي الحسّي الكبير يشكّل حدّاً ومنعطفاً تاريخياً كبيراً للدعوة الإسلامية وموقفها من أعدائها؛ لأنه الدليل الحاسم الذي لا يمكن تكذيبه.

ولكي يبدو بوضوح اطمئنان صاحب الدعوة المُباهَل، بدعوته وصدقه، طلبت الآية أن يحضر كل من المتباهلين خاصّته من أهله وولده، ليبدو الحق جليّاً وينكشف صدق النوايا، في حين يكون الإحجام عن ذلك دليل التزلزل والارتياب. إذ قد يحسم الأمر قبل الوصول إلى اللحظة الأخيرة، حيث يرى الخصم اطمئنان صاحب الدعوة بدعوته وتعريض نفسه وأحبّائه لمثل هذا الأمر الخطير، فيكشف له أنه على الحق، وقد يستسلم له ويرتدع من ضلاله.

وقد عبّرت الآية بتعبير موجز عن هذه الدعوة فقال تعالى {تَعَالَوْاْ نَدْعُ..} بمعنى تعالوا كي ندعو نحن وأنتم خاصّتنا وأهلينا للمشاركة في الابتهال. ولعلّه لبيان شدّة الاطمئنان قدّمت الآية ذكر الابناء، ثم ذكرت النساء، ثم ذكرت الخاصة، باعتبار أنّ عناية الإنسان بحفظ ولده الصغير والغيرة على نسائه أشدّ منها بالنسبة لسائر خاصّته.

هذا، وقد اتفقت الروايات وأطبق المفسرون والمؤرّخون على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله دعا وفد النصارى إلى المباهلة، وحضر بنفسه وأهل بيته علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، إلا أنّ النصارى أحجموا عن المباهلة عندما شاهدوا هؤلاء الصفوة، واقترحوا أن يعطوا الجزية، فقبل النبي صلى الله عليه وآله ذلك منهم.

ومما لا ريب فيه أنّ الآية تدلّ على فضل عظيم وكرامة باهرة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، وهو أمر اعترف به أعاظم المفسّرين والمحدّثين من السنّة، بعد أن اعترفوا باتفاق الرواة وصحة رواياتهم في ذلك.

قال العلامة الجصّاص في (أحكام القرآن):

نقل رواة السِيَر ونقلة الأثر ـ لم يختلفوا فيه ـ أنّ النبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة ـ رضي الله عنهم ـ ثم دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة، فأحجموا عنها، وقال بعضهم لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة[3].

وقال الرازي بعد نقل رواية في ذلك:

إعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث[4].

وقال في الكشاف: فيه دليل ليس أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام[5].

وقال الآلوسي في روح المعاني بعد نقل الرواية: ودلالتها على فضل آل الله ورسوله مما لا يمتري فيها مؤمن. والنصب جازم الإيمان ـ إلى أن قال ـ والنواصب زعموا أنّ ما وقع منه صلى الله عليه وآله كان لمجرد إلزام الخصم وتبكيته، وأنه لا يدل على فضل أولئك ـ على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام ـ وأنت تعلم أنّ هذا الزعم ضرب من الهذيان، وأثر من مسّ الشيطان.

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل[6].

دلالة الآية على فضل أهل البيت عليهم السلام
الآية تأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كل عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعنى الجمع. لكن الذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله(ص) وجه إلا انحصار المصداق في ما أتى به. فالآية بالنظر إلى كيفية امتثالها بما فعل النبي(ص) تدل على أنّ هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة وأنهم أحب الخلق اليه، وأعزّهم عليه، وأخصّ خاصّته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.

ويؤكد دلالتها على ذلك أنه صلى الله عليه وآله كان له عدة نساء ولم يأت بواحدة منهن سوى بنت له، فعلى من يحمل ذلك الاعلى شدة اختصاصها به وحبّه لها لأجل قربها إلى الله وكرامتها عليه؟

كما أنّ انطباق عنوان (النفس) على علي عليه السلام لا غير يدل على أعظم فضيلة وأكرم مزيّة له عليه السلام حيث نزل منزلة نفس النبي صلى الله عليه وآله.

ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديث قال لعلي عليه السلام

(أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)[7] وقوله (أنت منّي وأنا منك)[8] وقوله (علي نفسي فمن رأيته يقول في نفسه شيئاً؟!)[9].

وقد احتج مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الفضيلة يوم الشورى واعترف القوم بها ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية. فقد اعترف بصحة الحديث القائل بأن نفس رسول الله صلى الله عليه وآله في الآية هو علي عليه السلام، إلا أنه جعل ملاك التنزيل هو القرابة. ولَمّا التفت إلى انتقاضه بعمه العباس حيث إنّ العم أقرب من ابن العم قال(إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول صلى الله عليه وآله كعلي). فاضطر إلى الاعتراف بأن مناط تنزيل علي عليه السلام منزلة نفس النبي صلى الله عليه وآله ليس هو القرابة فقط، بل سبقه إلى الإسلام واختصاصه بالنبي(ص). وهل يكون اختصاصه به صلى الله عليه وآله إلا لأجل أفضليته من غيره وأقربيته إلى الله سبحانه؟!

ثم إنّ في قوله تعالى: {نَدْعُ أَبْنَاءنَا..} إشارة إلى أنّ لغيره صلى الله عليه وآله شأناً في الدعوة إلى المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء إلى ضمير المتكلم مع الغير, مع أنّ المحاجّة كانت مع النبي صلى الله عليه وآله خاصة، كما يدل عليه قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ}. وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالى: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ}[10] وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}[11]، كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى اطلاق التنزيل في قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى).

ويؤيد ذلك قوله تعالى: {فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[12]، فإن المراد بالكاذبين هنا ليس كل من هو كاذب في كل إخبار ودعوى، بل المراد هم الكاذبون المفروضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدّعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلا لكان حق الكلام أن يقال مثلاً (فنجعل لعنة الله على من هو كاذب) حتى يصحّ انطباقه على الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبي صلى الله عليه وآله في المباهلة شركاء له في الدعوى.

وحيث إنّ المحاجّة إنما وقعت بين النبي صلى الله عليه وآله وبين النصارى لا لمجرد الدعوى بل لأجل دعوتهم إلى الإسلام، وأنّ الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور من حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً. وهذا ما نبّه عليه الاستاذ العلامّة ـ أدام الله ظِلاله.

توهّم باطل:
ومن الواضح البيّن أنه مع الاعتراف بصحة الروايات لا يبقى مجال لإنكار دلالة الآية على فضل أهل البيت عليهم السلام، حتى أنّ الزمخشري قال (فيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء) وجعل الآلوسي إنكار ذلك ضرباً من الهذيان، وأثراً من مسّ الشيطان، وقال (والنصب جازم الإيمان) إشارة إلى أنّ الدافع لإنكار مثل هذه الفضيلة ليس إلا النصب، ثم صرّح بأن النواصب هم الذين لهجوا بهذا الهذيان.

فإذا بلغت العصبية برجل إلى حد لا تدعه يعترف معه بهذه الفضيلة الباهرة لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله فلابد له من التشكيك في صدور الروايات، لكن أنّى يمكنه ذلك؟ مع رواية جمّ غفير من الصحابة كجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وأنس بن مالك وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبي وأبي صالح، واطباق المحدثين والمؤرخين والمفسرين على ايداعها في موسوعاتهم كمسلم والترمذي والطبري وأبي الفداء والسيوطي والزمخشري والرازي، مصرّحين باتفاق الروايات وصحتها.

فما ظنّك برجل يغمض عينه عن جميع ذلك ويقول بعد اعترافه بنفسه على اتفاق الروايات ما لفظه: ( ومصادر هذه الروايات الشيعة، ومقصدهم منها معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من أهل السنة، ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية، فإن كلمة (نساءنا ) لا يقولها العربي ويريد بها بنته، لا سيّما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم. وأبعد من ذلك أن يراد بـ(أنفسنا) علي ـ عليه الرضوان ـ ثم إنّ وفد نجران الذين قالوا أنّ الآية نزلت فيهم لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم)[13].

فغاية حسن الظن به يقتضي أن يوجّه كلامه بأنه لَمّا زعم أنّ الروايات غير مطابقة لظاهر الآية صار جازماً بعدم صدورها، فأساء الظن إلى الشيعة وألقاها اليهم رجماً بالغيب. لكن من ذا الذي يقبل من مثله هذا الإغماض وعذره في هذا الخطأ الفاحش والبهتان المدهش؟!

وإذا جاز ردّ مثل هذا الروايات ورفضها على كثرتها وتصريح أئمة الحديث بصحتها، فعلى أي رواية يمكن الاعتماد، وبأي سنّة يصح الاستناد؟ ومع رفض السنة رأساً كيف يمكن الاطلاع على تفاصيل الأحكام والشرائع وسائر ما ورد في القرآن؟ وهل هذا إلا هدم لأساس الدين، وسد لباب معرفة الشرع المبين؟

ثم إنّ ما زعم من عدم انطباق الروايات على ظاهر الآية توهّم فاسد وتقوّل لا يليق بمثله ممن له أدنى معرفة بمعاني السنة، وأنس بعبارات الروايات ولهجتها. فليس مفاد ما ورد من أنّ (أنفسنا) علي عليه السلام(ونساءنا) فاطمة عليها السلام أنّ اللفظتين استعملتا فيهما، بل المراد أنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يأت في مقام الامتثال إلا بهما فانطبق العنوانان عليهما.

وكذا ما استشكل به من عدم وجود النساء والأبناء مع نصارى نجران، فإن هذا الأشكال إنما يتوجّه لو كان المراد بلفظه(من) في قوله(فمن حاجّك) هو وفد نجران، وليس كذلك. ضرورة أنّ اللفظة عامة لم تستعمل إلا في معناها الكلي، غاية الأمر أنّ المصداق الذي انطبق عليه هذا العنوان الكلي عند نزول الآية الشريفة هذا الوفد، من غير أن يتخصص اللفظ بهم، ومن غير أن يكون مستعملاً فيهم.

وهذا أمر واضح لا يكاد يخفى على من له سمع واع، وفهم سليم، وقلب خال عن العصبية.

وقد روى هذه الرواية ودرس تفسير الآية من هو أكثر أصالة في العروبة، وبراعة في الأدب، ومهارة في معرفة أساليب الكلام ونقد كلمات الأدباء والبلغاء من هذا الرجل، ولم يحصل لهم أدنى ارتياب فيها وفي صحة انطباقها على الآية الكريمة. فكان على الرجل أن يتّهم نفسه وفهمه، ويجتهد في تزكية نفسه وتصفية قلبه، حتى يصير صالحاً لقبول الحق ونور العلم. والله يهدي بنوره من يشاء..

***

واليك نماذج مما رواه الفريقان في هذا المجال:

(فمنها) ما رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده عن الشعبي عن جابر قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله العاقب والطيب، فدعاهما إلى الإسلام، فقالا: أسلمنا يا محمد. فقال: كذبتما، إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام؟ فقالا: هات الينا. قال: لحب الصليب وشرب الخمر ولحم الخنزير. قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه إلى أن يغادياه بالغداة. فغدا رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام فأرسل إليهما، فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال رسول الله(ص) : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر عليهم الوادي ناراً.

قال جابر: فيهم نزلت {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ}، قال جابر: (أنفسنا) رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام، و(أبناءنا) الحسن والحسين عليهما السلام، و(نساءنا) فاطمة عليها السلام[14].

وعن ابن المغازلي في المناقب[15] والحمويني في فرائد السمطين مثله[16]. وروى ذيله ابن صباغ المالكي عن جابر[17]، وعن الحاكم في مستدركه عن علي بن عيسى ـ وقال: صحيح على شرط مسلم[18] ـ وعن أبي داود الطباليسي عن شعبة الشعبي[19].

(ومنها) ما روى مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت فثلاث قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبّه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله يقول حين خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي عليه السلام: يا رسول خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي علياً، فأتى به أرمد العين، فبصق في عينه ودفع الراية إليه.

ففتح الله على يده. ولَمّا نزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ}[20] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي[21].

ورواه أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب(فضائل علي عليه السلام)[22] وابن صباغ المالكي في (الفصول المهمة)[23].

(ومنها) ما روى علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ نصارى نجران لَمّا وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وكان سيدهم(الاهثم) و(العاقب) و(السيد) وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون الناقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم. فلما فرغوا دنوا من رسول الله(ص) فقالوا له: إلى ما تدعونا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث. فقالوا: من أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله(ص) فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم؟ أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: نعم. فقال: فمن أبوه؟ فبهتوا، فأنزل الله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ـ إلى قوله ـ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[24].

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فباهلوني، فإن كنت صادقاً نزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً نزلت عليّ. فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهلة. فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤوسهم السيد والعاقب والاهثم: إنّ باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله، فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق.

فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابن عمه وصيه وختنه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين. ففرقوا، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: نعطيك الرضا، فأعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله(ص) على الجزية وانصرفوا[25].

(ومنها) ما روى الشيخ في أماليه عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهم السلام عن عمه الحسن بن علي عليهما السلام قال: قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجّوه: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الأنفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء فاطمة أميّ من الناس جميعاً، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه، ونحن منه وهو منا[26].

(ومنها) ما روى الشيخ المفيد في الاختصاص عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: اجتمعت الأمة برّها وفاجرها أنّ حديث النجراني حين دعاه النبي صلى الله عليه وآله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي(ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال الله تبارك وتعالى {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} فكان تأويل(ابناءنا) الحسن والحسين، و(نساءنا) فاطمة، و(أنفسنا) علي بن أبي طالب[27].

(ومنها) ما روى الشيخ في مجالسه في حديث مناشدة علي عليه السلام يوم الشورى: فهل فيكم أحد أنزل الله عز وجل فيه وفي زوجته وولديه آية المباهلة، وجعل الله عز وجل نفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله غيري؟ قالوا: لا[28].

(ومنها) ما روى ابن بابويه عن موسى بن جعفر عليهما السلام في حديث له مع الرشيد قال: قول الله عز وجل {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، ولم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان تأويل قوله عز وجل(أبناءنا) الحسن والحسين، و(نساءنا) فاطمة، و(أنفسنا) علي بن أبي طالب[29]

وروى هذا المضمون غير واحد من أصحابنا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

_________________________________

[1] سورة آل عمران، الآية:61.

[2] سورة آل عمران، الآية: 59.

[3] أحكام القرآن: ج2، ص 14.

[4] التفسير الكبير ـ ذيل الآية ـ.

[5] الكشاف ج1، ص 370.

[6] روح المعاني: ج3: ص 167 ـ 168.

[7] قد انهى البحراني الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والمشتملة على هذه العبارة من طرق السنة إلى مائة حديث ومن طرق الشيعة إلى سبعين حديثاً، فراجع غاية المرام: ص 109 ـ 152.

[8] رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم.

[9] رواه ابن النجار.

[10] سورة هود، الآية: 17

[11] سورة يوسف، الآية: 108.

[12] سورة آل عمران، الآية’: 61.

[13] المنار: ج3، ص 322.

[14] غاية المرام: ص 301، ح7.

[15] غاية المرام: ص 300، ح4.

[16] غاية المرام: ص 301، ح10.

[17] غاية المرام: ص 303، ح17.

[18] غاية المرام، ص 303، ح 18.

[19] غاية المرام، ص 303، ح19.

[20] سورة آل عمرا، الآية: 61

[21] غاية المرام: ص 300، ح1، 2.

[22] غاية المرام: ص 301، ح5.

[23] غاية المرام: ص 302، ح15.

[24] سورة آل عمران، الآية: 59 ـ 61.

[25] غاية المرام: ص 303، ب4، ح1.

[26] غاية المرام: ص 304، ح3.

[27] غاية المرام: ص 304، ح4.

[28] غاية المرام: ص 304، ح5.

[29] غاية المرام، ص 305، ح 8.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net